لا تزال فصول الكارثة الإنسانية التي حلت بأهل العراق عامة، وأهل الموصل خاصة مستمرة، ولا تزال أمريكا زعيمة الإرهاب الدولي مصرة على تدمير ديار المسلمين، وقتل أهلها حيثما كانوا، لا لذنب اقترفوه إلا أنهم مسلمون يحملون عقيدة الإسلام في عقولهم وصدورهم..! مصداقا لقول الله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ولأن أهل الموصل زادوا على غيرهم - كأهل الفلوجة الصامدة - فبادروا بمقاومة الاحتلال الغاشم، وتكبيده خسائر جسيمة، فلم يكن بد من دفع ثمن بغضهم لأعداء الله تعالى، فاستمرت معاناتهم نتيجة المؤامرة القذرة التي دبرتها أمريكا ونفذها أزلامها حكام العراق الجدد بعد العام 2003 لأهداف معلومة لا حاجة للخوض فيها.
وهكذا تستمر المعارك الضارية بين الألوف المؤلفة من القوات النظامية وغير النظامية العراقية، تدعمهم قوات أمريكية في "التحالف الدولي المزعوم" بما يربو على 10 آلاف عنصر براً وجواً مستشارين ومراقبين ومقاتلين - عند الضرورة - كل أولئك مقابل عدة آلاف من عناصر تنظيم الدولة الذين لم يعد أمامهم خيار غير القتال الشرس حتى الموت، ذلك أنهم محاطون من جميع الجهات. وقد تكبد التنظيم خسائر في الأرواح بلغت ما لا يقل عن 3300 عنصر قتلوا على أيدي القوات العراقية والتحالف الدولي منذ 17 تشرين الأول 2016، صرح بذلك الفريق أول الركن طالب شغاتي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وأن العدد المتبقي منهم يقدر بـ 2500 مقاتل كحد أقصى لا يزالون في الموصل، أغلبهم عراقيون وأقلهم أجانب. (موقع ديارنا).
ويستمر الجيش بانتزاع الأهداف والقرى والأحياء واحدا تلو الآخر، وفي هذا السياق قال قائد الحملة اللواء عبد الأمير يار الله يوم الخميس 6 نيسان الجاري: إن «قوات مكافحة الإرهاب تمكنت من استعادة حي اليرموك الثاني» الذي "يمثل نقطة استراتيجية مهمة ستمكن القوات العراقية من التقدم بسرعة في أحياء أخرى داخل الساحل الأيمن" بعد ساعات على إعلانه «السيطرة على حي المغرب وإدامة التماس مع حيي الآبار والمطاحن»... وبذلك تبلغ نسبة ما تم (تحريره) من جانبي الموصل (75-80) في المائة، حسب خارطة توضيحية نشرها مركز نينوى الإعلامي بتاريخ 6/3/2017 على صفحته في الفيسبوك، ولا تزال الأحياء الأخرى مسرحا للعمليات العسكرية لانتزاعها من أيدي التنظيم. وأضاف يار الله أن التنظيم تكبد خسائر فادحة قبل أن يفر أعضاؤه من الحي، لافتا إلى البدء بعمليات التمشيط والتفتيش في المنطقة وتقديم مساعدات للسكان. وأن «العمليات العسكرية تواجه صعوبة عكس ما كانت عليه في الجانب الأيسر، بسبب كثافة الأبنية وضيق الأزقة ووجود المدنيين، وأن ما بقي من الأحياء غير المحررة ينظر إليه التنظيم كأهم معاقله وآخرها، ما يجعله يقاوم بشدة عبر شتى الأساليب». وقد أخفقت «الشرطة الاتحادية في تحقيق مكاسب مؤثرة للسيطرة على المدينة القديمة، حيث جامع النوري الكبير الذي أعلن زعيم التنظيم من على منبره «خلافته المزعومة»، وتواجه الشرطة مقاومة عنيفة لإحداث ثغرات في خطوط الصد وفتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين المحاصرين. وقد أسقط التنظيم بنيرانه مروحية للجيش، فقتل قائداها. وهذه أول طائرة تسقط منذ بدء الهجوم على الموصل. (جريدة الحياة).
أما عن خسائر العراقيين، فقد أشارت الأمم المتحدة بوضوح إلى أن "الخسائر البشرية في حرب الموصل تتقاسمها القوات الحكومية بنسبة (53%) وضحايا المدنيين بنسبة (47%)"، فتحولت المعركة البيضاء إلى سوداء قاتمة. (الجزيرة). وعلى وجه التفصيل فإن الحقيقة المرة تنخلع لها القلوب، فقد قتل 230 فردا أغلبهم من النساء والأطفال جراء غارات التحالف الآثمة في 24/3/2017 والتي استهدفت دورهم في الموصل الجديدة. وأعلنت رئيسة مجلس قضاء الموصل بسمة بسيم أن أكثر من 500 مدني قتلوا أيضا بقصف طيران التحالف أحياء الشطر الغربي من الموصل قبل أسبوع. (العربية). ولا يزال 2070 مدنيا بينهم نساء وأطفال تحت الأنقاض في مناطق الموصل الجديدة والمشاهدة والعكيدات وباب الجديد والفاروق والمطاحن". حسب مصدر في الدفاع المدني في الموصل. (الجزيرة). وصرح المصدر ذاته لوكالة الأنباء الألمانية بارتفاع أعداد الضحايا المدنيين منذ بدء الهجوم على التنظيم في الجانب الغربي نهاية كانون الثاني الماضي إلى أكثر من 3000 قتيل بقصف مشابه لطائرات التحالف والطيران العراقي والمدفعية الثقيلة للأحياء القديمة. ووفق "معلومات وصلت إلى الدفاع المدني الأسبوع الماضي أفادت بوجود نحو 80 جثة في منطقة (النبي شيت) ما زالت تحت الأنقاض ونحو 40 عائلة لقيت ذات المصير في منطقة وادي حجر أيضا" وأن ذويهم وأقاربهم يطالبون بمعرفة مصيرهم ودفن من مات منهم. (الجزيرة).
وبشأن النازحين، أعلن وزير الهجرة العراقي: أن عددهم - منذ انطلاق المعارك - بلغ أكثر من 4 ملايين معظمهم من الموصل. وغيرهم كثير هربوا من مناطق القتال، يعيشون الآن في مخيمات تفتقر إلى مستلزمات الحياة الأساسية. (الجزيرة في 8/4/2017).
فأصبح واضحا أن التنظيم لم ينفع - بخلافته المشوهة - أهل السنة إطلاقا، بل كان - لجهل قادته وغياب وعيهم - عونا للكافر المحتل في قتلهم، وتدمير ديارهم، واستباحة أموالهم، فكانوا هم الخاسر الأكبر...! ويزيد المرارة أن العبادي أشار لهذه الحقيقة - في مؤتمر صحفي: "أن التنظيم لا يريد الحياة الكريمة للمواطنين، وادعى زورا وكذبا أنه يدافع عن أهل السنة، لكن الحقيقة أنه قتل منهم أكثر من أي فئة أخرى"...! فقد صدق وهو كذوب. وأشار لما قاموا به من تدمير للبنى التحتية، وإلحاق خسائر كبيرة بالممتلكات فبلغت "كلفتها - حسب إحصائيات وزارة التخطيط العراقية - 35 مليار دولار لغاية الصيف الماضي، وأن هذه الكلفة لا تشمل التدمير المجتمعي والعلاقات بين فئات الشعب". (المسلة).
وفي الختام، نتساءل: من لذوي القتلى والمعوقين والأرامل واليتامى ممن نهشتهم الحرب الظالمة؟ وكان بالإمكان تجنبها تماما لو وجد الحاكم الصالح الذي يتقي الله في نفسه ورعيته...؟ ولكن أنى لحكام المسلمين اليوم أن يعرفوا تلك المعاني!! فنسأل الله العلي القدير أن يمن على أمة الإسلام بالفرج والرفعة والسؤدد فيعتلوا سدة الدولة الأولى في العالم: دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع