تمر الأحداث يوماً بعد يوم بين الأمل والألم؛ أمل بأعمال جادة تعيد الثورة إلى مسارها الصحيح؛ فتمنع إجهاضها وتقرب من نهاية نظام طاغية الشام، وألم يتمثل بمئات الشهداء والجرحى يتساقطون بشكل يومي ليتحولوا إلى أرقام مجردة عن أي إحساس بالمسؤولية أو شعور بالإنسانية، وبين هذا وذاك يستمر قطار الحل السياسي في المسير؛ وتستمر الرحلات اليومية لطائرات الموت التي تلقي حممها على كامل المناطق المحررة دون تمييز، ومن بين غبار التدمير ورائحة الموت يقفز إلى الذهن سؤال لا بد من الإجابة عليه، فالكل بات يدرك أن الذي يحمي طاغية الشام من السقوط هي سيدته أمريكا؛ فهو بلا شك عميلها المخلص يسير وفق أوامرها، والكل بات يدرك أيضا سير الكثير من قيادات الفصائل في ركب الداعمين؛ الذين هم بدورهم يلعبون دورا مهما في تقييد هذه القيادات واستنزاف طاقات الفصائل من خلال الخطوط الحمر التي رسمتها لهم أمريكا... هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فمعروف أيضا أن الذين يشاركون في مؤتمر أستانة أو مؤتمر جنيف هم من الذين نالوا رضا أمريكا بعد أن قدموا لها فروض الطاعة وبعد تجارب ولاء كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، السير في طريق الهدن، والالتزام بالخطوط الحمراء، مرورا بالمشاركة في مؤتمر الرياض، وصولا إلى الدخول في مفاوضات لا تسمن ولا تغني من جوع، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا لم تستطع أمريكا إجهاض ثورة الشام حتى الآن؟
وللجواب على هذا السؤال لا بد من استعراض سريع لمجربات الأحداث... فلا شك أن أمريكا تدرك جيداً منذ البداية خطورة خروج الأمور عن السيطرة، فعملت على الحفاظ على عميلها طاغية الشام ريثما ترتب أوراقها؛ بحيث تستطيع نقل السلطة منه إلى العميل الجديد بشكل آمن، فكان لا بد من مجموعة أعمال تصب في هذا الهدف، فحاولت تشكيل قيادة سياسية موالية لها تحصر فيها تمثيل الثورة، كما حاولت تجميع بعض القوى العسكرية خلف هذه القيادة بأساليب شتى لسنا بصددها الآن؛ لتستخدمها كلما دعت الحاجة لإنجاز مهمة معينة كاقتتال داخلي هنا أو حراسة معينة هناك للخطوط الحمراء التي بات يعرفها الجميع، أو فتح جبهات ثانوية تستنزف الطاقات دون جدوى؛ وتطيل من عمر النظام المتهاوي، وبين هذا وذاك حرصت أمريكا على إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ؛ فأعطت الضوء الأخضر لعميلها طاغية الشام، وأطلقت يديه في القتل والتدمير بكافة الأسلحة؛ بل وساندته بقوات مرتزقة من كل حَدَبٍ وَصَوْبٍ والتي كانت حريصة على تدمير البنى التحتية كافة من مستشفيات ومساجد ومدارس وأفران وجسور وطرقات... وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن العائق الأساس للمخططات الأمريكية هي الحاضنة الشعبية والمستهدف الأول والعدو الحقيقي هم هؤلاء المدنيون الذين صمدوا وثبتوا أمام كل التحديات، بل وأفشلوا كل المخططات، فكان كل هذا الإجرام وكان كل هذا التدمير وذلك لكسر إرادتهم وتركيعهم للقبول بالحل السياسي الأمريكي؛ والخضوع لأية قيادة مستقبلية تفرض عليهم.
نعم إن الذي يدرك أهمية الرأي العام وقوة الحاضنة الشعبية وقدرتها على التغيير؛ لا بد وأن يركز كل طاقاته عليها، فالقوة بلا حاضنة لا قيمة لها، والحاضنة بلا قوة تحميها لا شك ستتعرض إلى كثير من الضغوطات، ولكن ينبغي أن يكون هناك انسجام بين القوة والحاضنة الشعبية وأن تتوحد على مشروع سياسي إسلامي وأن تسير في طريق رسول الله e، عندها لن يثنيهم أحد عن بلوغ هدفهم المنشود، وهذه الحقيقة يدركها الغرب الكافر الذي حاول بكل ما يملك من قوة وبأساليب مختلفة فصل القوة عن حاضنتها الشعبية؛ التي تعتبر بيضة القبان وصمام الأمان لكل عمل يستهدف تغيير المجتمع، فيجب على أهل القوة أن يعوا ذلك فيسيروا مع أمتهم بعيدا عن ضغوطات الداعمين وطريقهم التي تؤدي إلى الهاوية، كما يجب على الحاضنة الشعبية أن تعي ذلك أيضا وأن تدرك مدى قوتها وتأثيرها؛ فعليها أولاً تقع مسؤولية التغيير، وهي التي تدفع الثمن غاليا، فلا بد لها أن تتحمل هذه المسؤولية، فقد أناط الله سبحانه وتعالى السلطان بها، فهي صاحبة السلطان ولا يصبح أحد رئيسا أو خليفة إلا إذا ولاه المسلمون، كما أوجب عليها المحاسبة، قال رسول الله e: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»،وهي الخاسر الأول والأخير في أي تنكُّب أو صمت، وخاصة وهي ترى تآمر العالم عليها ومهزلة مجلس الأمن الذي يمنع قراراته مسرحية الفيتو الروسي كلما ادعى اتخاذه لأي إجراء ضد طاغية الشام، حيث استخدمت روسيا الفيتو للمرة الثامنة في عمر الثورة في آخر اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء 12/4/2017م...
وأخيرا لا بد لمن سار في طريق التغيير من الصبر والثبات وتحمل الصعاب، فهي بلا شك طريق وعرة محفوفة بالآلام والأوجاع لكن نهايتها فوز ونجاة، ولا بد لمن سار في هذه الطريق أن يكون له موقف واضح من كل حادث؛ وأن يرفع صوته عاليا كلما أحس انحرافا في الطريق أو تنكباً في المسير، وأن يأخذ على أيدي كل من تسول له نفسه خرق سفينة الثورة فالكل بلا شك في مركب واحد ومصيرهم واحد إما النجاة وإما الهلاك، قال رسول الله e: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ فصارَ بعضُهم أعلاهَا وبعضُهم أسفلَها وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصَيبِنا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجوْا ونجوْا جَمِيعاً».
بقلم: أحمد عبد الوهاب*
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع