فكرة قبول الآخر أو التلاقح والتثاقف بين الحضارات والثقافات، أو كما قال بعضهم أنها تعني "تقبل الفرد لآراء الآخرين واحترام عقائدهم وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم وإن كانت لا تنسجم مع أفكاره". هذه الفكرة على اختلاف مسمياتها وبدون إطالة أو إسهاب في المقدمات، أقول إن هذه الفكرة وبالتعريف السالف ذكره تتنافى وتتناقض كل التناقض مع قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...﴾[المجادلة: 22] ومع قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ..﴾ [آل عمران: 19] ومع قوله سبحانه: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] ومع قول الرسول e: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فكيف يرضى بها المسلمون، وكيف يرضى بها من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد e نبيا ورسولا، وينادي بها بل ويتغنى بها وهي تتعارض مع كلام ربنا وأوامره بل وتتعارض مع ما هو قطعي من الإسلام ومعلوم من الدين بالضرورة.
هذه الفكرة هي فكرة قديمة حديثة وهي ديدن الكفار في كل زمان ومكان عندما يصطدمون بثبات المسلمين على دينهم ورفضهم لأفكار الكفر وعقائده يلجأون لها لثني المسلمين وحرفهم عن دينهم بطرق ملتوية خبيثة لا تمر إلا على السذج الذين لا يعرفون دينهم حق المعرفة، ولا يدركون حقيقة كيد الكفار لهم، نقول قديمة لأن قريشا مارستها مع النبي e، وذلك عندما عرضت عليه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، وانتهى بهم المطاف من الكيد والتآمر والخبث أن يعرضوا عليه أن يعبد آلهتهم يوما ويعبدوا إلهه سنة، المهم أن يوجدوا لديه عليه الصلاة والسلام فكرة قبول الآخر، فأبى عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله سبحانه وتعالى قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ @ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ @ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ @ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ @ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون]. ونقول حديثة لأن الغرب الكافر اليوم لما رأى تمسك الكثيرين من المسلمين بدينهم وعقيدتهم ولم تُجْدِ الحروب الصليبية الحديثة العسكرية والثقافية والفكرية في ثنيهم وحرفهم عن دينهم لجأوا لهذه الفكرة الخبيثة نفسها ولو بتعريفات مغايرة ولو بأسماء مختلفة براقة من مثل حوار الأديان والتقاء الثقافات وقبول الآخر، وأكرر بأن هذه الأخيرة تعني تقبل الفرد لآراء الآخرين واحترام عقائدهم وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم وإن كانت لا تنسجم مع أفكاره، والحديث في هذه الفكرة أنها مبنية على أساس الحريات، أي على أساس مبدأ الديمقراطية الباطلة العفنة، قصدوا به أن لكل واحد الحق في قول أو فعل ما يريد ضمن حدود الدين أو خارجه حسب الأحكام الشرعية أو حسب الأهواء والنزعات الشيطانية، وأن الطرف الآخر يجب عليه أن يحترم قول أو فعل ذاك الآخر فأرادوا من كل واحد منهما أن يحاور الآخر وهذه نقطة ثانية، يراد منها القول أن اجتماع الآراء المختلفة وأصحابها هو الأصل وأن خلاف الأصل أن يتدابر أصحاب الآراء المختلفة، أو يتصادموا ولا يتلاقوا، وهذا تغليف بل وتلفيق بأسلوب آخر أكثر خبثاً لموضوع صراع الحضارات، وكما كانوا يقولون سابقا وما زالوا أن كل الناس مؤمنون كلّ بحسب فهمه للإيمان، لأنهم كلهم أبناء إبراهيم عليه السلام. فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن قوله أو فعله هو الحق دون غيره!!! وبالمختصر أن على كل إنسان أن يقبل الآخر - أي رأي أو فعل الآخر - وأن لا ينكره عليه من باب أن الحق لا يجوز لأحد أن يدعيه لنفسه دون غيره. والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ..﴾ [آل عمران: 19].
أيها الإخوة المسلمون، الأصل أنه لا يخفى على أحد من المسلمين مدى التأثير الفكري الغربي على حياة المسلمين، ونقلهم من أمة فاعلة إلى أمة إما منفعلة أو خامدة، فهم أصابهم الوهن، ولانوا حتى داستهم نعال الكفار، ووطئت أرضهم وتمكنت من رقابهم، أفبعد هذا كله يقولون، لا تكن قاسيا فتكسر أو بعبارة أخرى يجب علينا تقبل الآخر؟؟!!
نعم لقد أرادوا منا بهذه الفكرة، فكرة قبول الآخر، أن نكون مائعين مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بينما يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقول الحق، ونصدع به حيث قال عز وجل: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[الحِجر: 94] والصدع لا يكون إلا بقوة الحجة والثبات على الحق لا بقبول الآخر والرضا به على كفره وبأفكاره وعقائده على بطلانها.
وختاما نقول: إن أهل الحكمة والتدبير يعمدون عندما يكون السيل جارفا إلى وضع الصخور الصلبة الجامدة في وجهه ليوقف الدمار الذي يسببه هذا السيل، لأنه مهلك. بينما يعمدون إلى فتح القنوات لري الأرض إن كان هذا السيل هادئا نافعا.
ونحن الآن وفي مواجهة هذا السيل العرمرم من المتناقضات والهجمات الشرسة ضد الإسلام والمسلمين، فهل يعقل أن نفتح لهذا السيل قنوات ليطم الأرض ويعمها، أم نقف في وجهه كالصخور الصلدة لا نبالي.
وأخيرا: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النُّور: 63]
رأيك في الموضوع