الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية في المنطقة ليس وليد هذه الأيام ولكنه يعود لسنوات عندما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر من دولة إفريقية وعربية إقامة قاعدة عسكرية تسهل لواشنطن تتبع ورصد أنشطة الجماعات المسلحة والمتشددة خاصة منها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والمرابطون أنصار مختار بلمختار في الجزائر، كان ذلك سنة 2002 عندما طرحت مبادرة الساحل والصحراء والتي تضم رؤساء أركان جيوش الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا والسنيغال ونيجيريا ومالي والنيجر وتشاد وذلك لدعم التعاون في مجال "مكافحة الإرهاب"، وقد شارك حينها نحو 1000 جندي أمريكي في تدريبات عسكرية للتصدي لـ"الإرهاب" في الصحراء الإفريقية وهي أضخم عمليات للولايات المتحدة الأمريكية في القارة السمراء منذ الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 2008 حينما أعلنت واشنطن رسميا تشكيل قيادة عسكرية إقليمية لإفريقيا (أفريكوم) بألمانيا لتنسيق وجودها العسكري بشكل أفضل في القارة السمراء، والأبرز من هذا كله الضجة الإعلامية في الأوساط السياسية بعدما نشرت صحيفة الشروق الجزائرية في عددها الصادر يوم 22 كانون الأول/ديسمبر 2013 معلومات سرية وصورا موثقة عن تواجد أمريكي بري على التراب التونسي والجنوب الجزائري في بنقردان ومدنين وجرجيس وعمليات إنزال على الحدود الجزائرية في جبل الشعانبي، الذي نفاه سفير أمريكا بتونس جاكوب والس جملة وتفصيلا في ندوة صحفية عقدها بمقر السفارة الأمريكية بتونس، كما أكد حينها أنه لا نية لأمريكا بإحداث قاعدة عسكرية في تونس.
إلا إنه إثر منح تونس صفة الحليف الأساسي خارج حلف النيتو من طرف الرئيس الأمريكي خلال إمضاء مستشار الرئيس التونسي محسن مرزوق اتفاقية عسكرية والتي صرح إثرها أن هذه الاتفاقية تتعلق بتعزيز القدرات العسكرية لتونس ولن يكون لها انعكاسات على سياسة تونس بالمنطقة ولن يغير من مبادئ تونس الدبلوماسية وعلاقتها مع الجزائر.
ويأتي ذكر الجزائر بالتحديد حينما جدّ جدل واسع في الأوساط السياسية داخل تونس وفي الجزائر بعد اللقاء المهم الذي جرى بين الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ووزير خارجية الجزائر رمضان العمامرة يوم الاثنين 14 تموز/يوليو 2015 ليسلمه رسالة شديدة اللهجة من الرئيس بوتفليقة يخيره فيها بين القبول بالقاعدة العسكرية الأمريكية والعلاقة مع الجزائر وقال حينها لعمامرة: "إن الجزائر بقيت لعقود من الزمن تكافح الإرهاب وتقاوم الضغوط الأجنبية لإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.. وتونس تحت الضربات المتتالية للجماعات الإرهابية ولأنه تنقصها الخبرة في مواجهة هكذا ظروف وجدت في العروض الأمريكية بعض الاستحسان.. وإن هذه القواعد ما هي إلا انتهاء للسيادة لا يمكن قبوله على الإطلاق"، وحين عودته إلى الجزائر عقد الرئيس بوتفليقة اجتماعا طارئا حضره أكبر الساسة وكبار قادة الجيش. حيث أكدت صحيفة الفجر الجزائرية أن الرئيس الجزائري جدد رفض بلاده السماح لأي قوة عسكرية أجنبية بالتدخل تحت غطاء مكافحة الإرهاب على الحدود الجزائرية التونسية والليبية.
كما انتقد خبراء جزائريون منح واشنطن صفة الحليف الأساسي خارج حلف النيتو لتونس معبرين عن خوفهم من إقامة قاعدة عسكرية أمريكية قريبة من النفط الليبي لحمايته من تنظيم الدولة مثلما حصل في العراق.
وصرح المحلل السياسي الجزائري زهير بوعمامة بموقع الوسط قال: "إن واشنطن لا يمكنها أن تكون المخلص من أي مشكل، والدليل ما يحدث في العراق، وقد فشلت أمريكا في حماية مدينة الرمادي من تقدم داعش فكيف الأمر مع دولة كتونس أو ليبيا أو غيرها...".
ويرى سياسيون آخرون أن رفض بوتفليقة لقاعدة عسكرية أمريكية في منطقة شمال إفريقيا لأن واشنطن تتوجس خيفة من التقارب والتعاون القائم بين الجزائر وروسيا منذ الحرب الباردة، ولأن التسلح الجزائري يصب في تجاه السوق الروسية كان أهمها منذ سنة مضت حيث تمت إقامة أكبر صفقات التسلح بلغت قيمتها 10 مليارات دولار، وفي المقابل تنظر الجزائر بعين الشك والريبة والقلق إلى بعض مواقف واشنطن على المستوى الإقليمي لا سيما المملكة المغربية في قضية الصحراء ودعم المغرب لتكون المشرفة على منطقة شمال إفريقيا أمنيا وعسكريا بعدما أقصتها من ذلك الجزائر لتستغلها الولايات المتحدة عسكريا في المستقبل بعدما مهد لها الملك محمد السادس ذلك.
ولا ننسى ما صرحت به لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال في أكثر من مناسبة أن دولة أجنبية كبرى (في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية) تريد زعزعة استقرار الجزائر، وتصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل الانتخابات الرئاسية نيسان/أبريل 2014 في الجزائر أن دولة كبرى تريد العبث بأمن واستقرار الجزائر.
نعم الجزائر مطمع وقبلة أنظار الغرب ومسرح الصراع الدولي بوصفها البوابة الموصدة في منطقة شمال إفريقيا لعقود من الزمن والدولة العربية الأقوى عسكريا وأمنيا واقتصاديا وجغرافيا واستراتيجيا، ويدرك أهل القرار في السلطة والأحزاب والمجتمع المدني ذلك جيدا كما يدركون أن الجيوش الأمريكية إذا دخلت أرضا أفسدتها وجعلت أهلها أذلة.
فهل تصمد الجزائر أمام كل هذه التحديات في ظل الاتهامات الأمريكية لانتهاكها لحقوق الإنسان واتهامها بالاتجار بالبشر وفي ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصراعات الداخلية بين أجنحة السلطة والمخابرات والأحزاب المعارضة؟؟ أم أنها تتجه نحو المجهول وربما يعيدها للعشرية السوداء.
هكذا هو الحال لتونس والجزائر وباقي بلاد الإسلام ما دامت ممزقة لأكثر من خمسين مزقة وتفتقد للقيادة الواعية المخلصة.
بقلم :
سالم الهوام - تونس
رأيك في الموضوع