مع استمرار الاعتداء الغاشم والدموي، والجرائم التي تمجّها كل نفس بشرية سوية، ضد أهل غزة وقطاعها، وامتداد جرم يهود إلى الضفة الغربية التي تحاول وهي تحت الاحتلال الاستمرار في مقارعة المحتل وجهاده، دعماً لإخوانهم في غزة، الذين صنعوا مجد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تستمر جبهات ما يُسمى جبهة "المقاومة" في لبنان التي يتحكم بها حزب إيران اللبناني بما وجدت له اسماً جديداً وهو "جبهات الإسناد والإشغال"، التي تعني عدم الانخراط في مواجهة كاملة مع كيان يهود، بل ضربةٌ بضربة! وكأن الأمر صار ثابتاً ضمنياً بين الطرفين؛ حزب إيران اللبناني وكيان يهود!
في هذه الأجواء، وكما جاء على موقع الجزيرة نت في 29/6/2024م "يعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، أن الجامعة لم تعد تصنف (حزب الله) كمنظمة إرهابية. وجاء ذلك في تصريح متلفز لقناة القاهرة الإخبارية، عقب زيارته العاصمة اللبنانية بيروت... وأشار إلى توافق الدول الأعضاء على عدم استخدام هذه الصيغة، ما أتاح إمكانية التواصل مع الحزب... وأكد زكي أن جامعة الدول العربية لا تملك قوائم إرهابية رسمية... وكشفت صحيفة الأخبار اللبنانية، عن زيارة زكي إلى بيروت ولقائه مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة التابعة (لحزب الله)، محمد رعد، وهو أول لقاء من نوعه منذ أكثر من 10 سنوات... وشملت الزيارة أيضا اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العميد جوزيف عون، بحسب بيان الجامعة العربية".
ورغم زعم زكي أن الجامعة لا تملك قوائم إرهابية رسمية، إلا أنه من المعلوم أن الجامعة قد صنفت حزب إيران اللبناني كمنظمة إرهابية في آذار/مارس 2016م، وطلبت من الحزب وقتها التوقف عن نشر التطرف والطائفية، والتدخل في شؤون الدول الداخلية، وعدم دعم الإرهاب في المنطقة! فما سر هذا التغير الآن؟!
ومما يلفت النظر أيضاً، أنه بعد قرار الجامعة العربية هذا، سُربت أخبار نشرتها بعض المواقع الإخبارية أن الفاتيكان أبلغ المسؤولين اللبنانيين ضرورة عدم التعرّض لسلاح (حزب الله)، لا في خطاباتهم السياسية ولا في المجالس الداخلية، ليتوافق ذلك مع زيارة أمين سر الفاتيكان بيترو بارولين، الرجل الثاني بعد البابا، حيث كرر بارولين بحزم "بوجوب منع (إسرائيل) من توسيع الحرب" و"استعداد البابا لعمل جدي من أجل تسوية شرق أوسطية تقوم على حل الدولتين"! في انسجام مع النغمة التي تكررها أمريكا وعملاؤها في المنطقة! فما سر هذه المعزوفة الغريبة في هذا التوقيت؟!
وكان البطريرك الراعي تكلم في عظة الأحد 23/6/2024م قائلاً: "إن المقاومة ضد (إسرائيل) في الجنوب حوّلته إلى منطلق لأعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها"، لكن البطركية تراجعت عن ذلك في تصريح للمسؤول الإعلامي لها وليد غياض في حديث لتلفزيون الجديد قائلاً: "لا نية باستهداف (حزب الله) ولا بوصفه بالإرهابي"، مؤكداً أن "البطريرك لم يقصد (حزب الله) ولا المقاومة في الجنوب التي نقدّر كل تضحياتها وما أنجزته من انتصارات كانت محقة"، وتابع غياض "الحرب مرفوضة من الجميع حتى من (حزب الله)"، مشدداً على أن "التواصل بين بكركي و(حزب الله) مستمر، ولو كان البطريرك قد اعتبر (حزب الله) إرهابياً لأوقف التواصل معه لأنه لا يحاور إرهابيين"! فما سر هذا التراجع أيضاً؟!
ومن الأحداث المهمة التي يمكن في هذا السياق عرضها، هو ما نقله موقع روسيا اليوم بتاريخ 2/7/2024م عن صحيفة مقربة من حزب إيران اللبناني حول "لقاء نائب مدير الاستخبارات الألمانية أولي ديال بتاريخ 6/6/2024م نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، في بيروت، في معقل حزب إيران اللبناني في الضاحية الجنوبية! وبحثا في ما يمكن فعله جنوب لبنان لتفادي الحرب الشاملة، وغادر المسؤول الأمني الألماني دون لقاء أي مسؤول لبناني"! علماً أن هذا ليس هو اللقاء الأول بل كان نشر عن لقاء سابق في شهر شباط 2024م!
ومن المعلوم أن علاقة ألمانيا والحزب طويلة، ودائماً كانت ألمانيا وسيطة بينه وبين يهود، ونجح الوسطاء الألمان في إبرام صفقات بين الحزب ويهود أدت نتائجها إلى الإفراج المتبادل عن أسرى وجثامين بين الطرفين. رغم بعض الفتور الذي حصل بعد عام 2021م بعد ملاحقات وإقفال جمعيّات تابعة لـلحزب في ألمانيا، وتصنيف محكمة ألمانية عضوين مشتبهاً فيهما على أنهما إرهابيان. فما سر هذا المستوى من اللقاءات الأمنية الآن؟!
إن الرابط الوحيد الذي يمكن أن يبين تلك الأسرار يبدو أنه التجهيز لمرحلة ما بعد حرب غزة، وضمان ضبط الجبهة الشمالية لكيان يهود، ورفع كل ما يمكن رفعه من عقبات بين الدول العربية والغربية من جانب، وحزب إيران اللبناني من جانب آخر! وصولاً لعودة المحتلين من يهود لشمال فلسطين، والقيام بعملية ترسيم حدود برية بين لبنان ويهود، وفقا لخرائط الأمم المتحدة والتي ربطها الحزب بتوقف حرب غزة! حتى تتوقف عملية الإشغال بالجبهة الجنوبية للبنان! وبالتالي يمكن الحديث بمختلف الطروحات!
يبدو أن قضية اليوم التالي للحرب لم تعد حكراً على موضوع غزة! بل على تطبيع العلاقات مع لبنان تحت مسميات الترسيم البحري والبري، لذلك لا بد أن يكون حزب إيران اللبناني في وضع أكثر قبولاً واستقراراً، لا سيما بعد أن مارس عدم توسيع الحرب بجدارة نزولاً عند رغبة إيران الدائرة في فلك أمريكا! فلا غرابة أن تتسارع قضية رفع الحزب من قائمة التنظيمات الإرهابية، وطلب الفاتيكان تخفيف اللهجة ضد الحزب، وتراجع البطركية عن تصريحاتها ضد الحزب، واللقاءات الأمنية الألمانية عالية المستوى مع قيادات الحزب!
إنهم يفكرون باليوم التالي، سلامٌ مع كيان يهود! واستقرار له في المنطقة كدولة من الدول! لكن المسلمين العاملين للتغيير يفكرون ويعملون أيضاً لليوم التالي، وهو تحريك الجيوش التي ستتمكن من قلع الحكام العملاء، ثم قلع كيان يهود، في ساعة من نهار، لينضوي تحت لوائها كذلك الأبطال المجاهدون الذين أذاقوا يهود البأس، وكل مسلم راغب بجهاد المحتلين، لتلتقي الجموع بإذن الله عز وجل على أمرٍ قد قُدِر؛ الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع