حضر وزراء دفاع ورؤساء أركان 30 دولة أفريقية اجتماعات مؤتمر قمة في مدينة غابورون عاصمة جمهورية بوتسوانا في 26 حزيران/يونيو 2024، واستمر انعقاد المؤتمر لمدة يومين تمت فيه مناقشة ما يتسمّى بتحديات الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية.
وتنظم المؤتمر وترعاه القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، وهذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذي يعقد في القارة الأفريقية منذ انعقاد المؤتمر الافتتاحي له في العام 2017، وقال اللفتنانت في الجيش الأمريكي كوماندر بوبي ديكسون المتحدث باسم أفريكوم إنّ الهدف من المؤتمر هو "معالجة التحديات الأمنية الملحة في القارة الأفريقية، وإيجاد طرق للعمل معاً من أجل أفريقيا أكثر سلاماً وأماناً"، وشرح هدفه مفصّلاً فيه فقال: "علينا بذل المزيد من الجهود في مكافحة الإرهاب، ومواجهة التهديدات السيبرانية، وترتيب مهام حفظ السلام، وسيغطي هذا المؤتمر كل شيء، وسيتبادل الخبراء والقادة العسكريون الأفكار، والاستراتيجيات، وإقامة شراكات من شأنها تعزيز القدرات الدفاعية الجماعية لأفريقيا بأكملها، وهذا أكثر من مجرد مؤتمر، إنّه خطوة مهمة نحو نهج موحد لحماية القارة الأفريقية".
وهذا الكلام يعني أنّ أمريكا ستضع يدها على أفريقيا بكل دولها وقواتها العسكرية، وذلك من خلال وضع يدها على الجيوش الأفريقية ذاتها، وذلك عن طريق ربط قادة تلك الجيوش بها ربطاً مُحكماً من خلال هكذا مؤتمرات دورية سنوية يمكن البناء عليها.
وكان المؤتمر السابق لوزراء دفاع الدول الأفريقية قد عقد في روما بإيطاليا العام الماضي برعاية القيادة العسكرية الأمريكية (أفريكوم)، وحضرته آنذاك 43 دولة، لكنّ انعقاد المؤتمر الحالي في داخل القارة الأفريقية نفسها يُعطي دلالة خاصة مفادها أنّ أمريكا أصبحت المسؤولة الأولى عن أفريقيا عسكرياً، وإن تخلف عن حضور المؤتمر ثلاث عشرة دولة عن العام السابق.
فأمريكا جمعت ثلاثين دولة أفريقية بشكلٍ فيه ارتباط دائمي بها تحت ستار (محاربة الإرهاب)، ومواجهة التهديدات السيبرانية، وتعزيز القدرات الدفاعية للدول الأفريقية، والعمل على إيجاد نهج موحد بقيادة أمريكية لحماية جميع الدول الأفريقية.
ولعل انسحاب بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة من بعض الدول الأفريقية مثل تلك الموجودة في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي، وتعاظم الدور الروسي في دول أفريقية عدة خاصة في غرب ووسط القارة، وتزايد دور الشركات الخاصة في تلك الدول، لعل ذلك كله تستخدمه أمريكا كمبرر قوي لبسط نفوذها في القارة الأفريقية، ولتبرير استمرار وجودها في القارة السوداء.
وتأتي هذه التدخلات الأمريكية في وقتٍ تشهد فيه القارة تحولات كبيرة في ميزان القوى العالمي المُتعلق بأفريقيا، لا سيما بعد خروج فرنسا من دول أفريقية عدة، لذلك أصبحت أفريقيا مرة أخرى مسرحاً للمنافسة الدولية، وما ينشأ عنها من فراغ استراتيجي ناشئ فيها يتطلب ملؤه دولياً.
وناقش المؤتمر العديد من المواضيع الأمنية الخاصة التي تهدف إلى ما يُزعم من تحقيق الأمن والاستقرار في القارة، واستخدام أفضل أساليب وطرق حماية الموارد، ومعالجة التحديات الأمنية الملحة، وتبادل المعلومات، وتشجيع الشراكات، والتعاون فيما يتعلق بالتهديدات والتحديات الأمنية المشتركة، لتكون أفريقيا كما قال الناطق الأمريكي لأفريكوم "أكثر سلاماً وأماناً"، أي أكثر سلاماً وأمناً في تبعيتها لأمريكا لا لغيرها.
وقاد المؤتمر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال تشارلز براون، وقائد القيادة العسكرية للقوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ميشل لانجلي، وناقشا مع الحاضرين سبل تعزيز التعاون المشترك بين الدول الأفريقية وبين أمريكا لمواجهة ما أسموه بــ(التحديات الاستراتيجية) في مجال الأمن والاستقرار القارّي.
فأمريكا ومن خلال قوة أفريكوم التي تملكها، ومن خلال مثل هذه المؤتمرات الدورية بدأت تحل محل فرنسا في أفريقيا بعد أن لم تعد لها قدرة على الحفاظ على نفوذها، كما أنّها تستفيد على حساب بريطانيا من الدول الأفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية التابعة لبريطانيا وتستخدمها كقنطرة للوصول إلى جميع الدول الأفريقية الأخرى، ويُساعدها في ذلك القوات العسكرية الضخمة التي توظفها في أفريقيا من خلال قوة أفريكوم سواء أكانت هذه الدول تحت النفوذ البريطاني أم النفوذ الفرنسي.
إنّ هذا العبث الأمريكي بالقارة الأفريقية ومن قبله العبث الأوروبي بها وخاصة (الفرنسي والإنجليزي) ليؤكد على طبيعة النظرة الاستعمارية التي ما زالت تنطلق منها هذه الدول الكبرى.
إنّ الدولة الإسلامية؛ الخلافة على منهاج النبوة، القادمة قريباً بإذن الله تعالى هي الوحيدة القادرة على التصدي للنفوذ الأمريكي القادم بشكلٍ فعلي، والقادرة على كنس نفوذها نهائياً من القارة، وإن شاء الله يكون ذلك قريبا.
رأيك في الموضوع