نظمت شخصياتٌ فلسطينية مقيمة في دولة قطر اجتماعاً تحضيرياً لعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي صدر نداءٌ لعقده موقّع من نحو ألفي شخصية في مختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني قبل أسابيع. وجاء انعقاد الاجتماع في الدوحة بعد لقاء تحضيري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبريطانيا ولبنان للموقّعين على النداء الذي أصدرته شخصيات فلسطينية عدة في شهر آذار/مارس الماضي. ودعا اللقاء إلى انتخاب قيادة فلسطينية وطنية موحدة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وحدوية وديمقراطية تكون قادرة على مواجهة المخططات "الإسرائيلية" لما يسمّى باليوم التالي.
من جانبها أدانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذه المحاولات وسمتها بالمدسوسة ومن يقف وراءها ويمولها، وقالت بأن المنظمة ومؤسساتها ستقف كما وقفت في السابق، وتفشل كل المحاولات للنيل من وحدة المنظمة ووحدانية تمثيلها وخلق أطر موازية وبديلة لها. ودعت الجماهير في الوطن والشتات إلى الالتفاف حول قيادتها الشرعية برئاسة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبين هذا وذاك، وكلاهما في السوء سواء، لا بد لنا من وقفة بيان لحقيقة منظمة التحرير ومحاولات إصلاحها أو إيجاد أطر بديلة عنها.
أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري بإسناد من جمال عبد الناصر، في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة عام 1964م، وكان الغرض منها السعي لفصل الضفة الغربية عن الأردن وإقامة كيان فلسطيني مستقل فيها، وإلى جانبه كيان دولي في القدس وبيت لحم، وذلك من خلال قيام المنظمة بجمع الفلسطينيين وتنظيمهم، حتى تصبح الممثلة لهم، والإطار القانوني الذي يتنازل الفلسطينيون من خلاله عن معظم فلسطين لكيان يهود، بعد عقد الصلح معه.
وبالفعل قامت الدول العربية في عام 1974 في مؤتمر قمة الرباط باتخاذ قرار يقضي باعتبار (منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) وذلك لإلقاء العبء على الفلسطينيين، تمهيدا للسير في الحلول السلمية، والصلح مع كيان يهود، بعد أن ألقت هذه الدول سيف القتال، وأسقطت الحلول العسكرية، بعد حروب مصطنعة خاضتها حينا أو أرغمت على خوض غمارها من قبل كيان يهود حينا آخر، حتى أضاعوا فلسطين كلها، وأجزاء أخرى من الأردن وسوريا ولبنان ومصر.
فقمة الرباط حولت قضية فلسطين إلى قضية فلسطينية حين قررت أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، حتى تقوم منظمة التحرير باسم الفلسطينيين بالتفاوض مع كيان يهود، والصلح معه، والاعتراف به، ليكون ذلك ذريعة ومبررا للدول العربية في التفاوض مع كيان يهود ومصالحته والاعتراف به. وكان ذلك من أخبث ما دبر لإنهاء قضية فلسطين بطريق التفاوض والصلح مع كيان يهود.
وهذا سر القرار الذي اتخذ في مؤتمر قمة الرباط "من جعل منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، وسر إصرار الدول العربية ومنظمة التحرير على أن تكون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
فمنظمة التحرير تقوم على أساس فكرة الشعب الفلسطيني، وأن قضية فلسطين تخص الشعب الفلسطيني وحده، وبذلك يصبح السوري والأردني والمصري وجميع المسلمين بنظر المنظمة أنهم ليسوا أصحاب القضية بل هم أشقاء لصاحب القضية، وهذا يشير إلى أن من فكر هذا التفكير لم ينو اقتلاع كيان يهود والقضاء عليه كما كان يدعي، بل إنه حين نادى حكام العرب بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وحين ينادي هؤلاء الحكام ومعهم قادة المنظمة بأن قضية فلسطين تخص أهل فلسطين وحدهم، فإنهم بذلك يخونون فلسطين وأهلها، في حين يحسبهم الجاهل يحسنون صنعا.
فأهل فلسطين وحدهم لا يستطيعون إزالة كيان يهود وتحرير فلسطين، وحين يتنصل حكام العرب من العبء ليلقوه على كاهل أهل فلسطين وحدهم فإنهم يخونون القضية، وحين تقبل قيادة المنظمة بذلك، وتتحمل وحدها المسؤولية باسم (الممثل الشرعي الوحيد) فهي متواطئة معهم، لأنها تعلم أن المسؤولية أكبر منها وأن ذلك تقزيم للقضية.
وحكام المسلمين منذ إنشاء المنظمة وإلى اليوم وهم يعملون بأوامر من الغرب، على ترسيخ مكانة المنظمة وإضفاء الشرعية الدولية والمحلية عليها، وهم حريصون على بث الروح فيها كلما ماتت أو أوشكت على الموت، فمواقف المنظمة منذ اتفاقية أوسلو أصبحت مفضوحة وواضحة في الخيانة والتفريط، ولذلك انفض الناس من حولها، ولم يعد أحد يعتبر لها وجود إلا في أروقة الحكام وخطاباتهم واتفاقياتهم، أما شعبيا وأمميا فقد اهترأت وتآكلت صورتها وشعبيتها، ولذلك يعمل الغرب على توسيعها وإعادة نفخ الروح فيها، من خلال السعي لإدخال حركتي حماس والجهاد وكافة الفصائل الفلسطينية فيها، تماما كما عملت من قبل على إدخال تلك الفصائل والحركات في السلطة الفلسطينية من خلال صناديق الانتخاب عام 2006، حيث تمكنت من خلالها من إدخال حركة حماس في السلطة فبثت فيها الروح من جديد بعد أن كانت قد دخلت في الموت السريري بانتظار دفنها.
لذلك هم يعملون على استنساخ تجربتهم في إيقاع حركة حماس في شَرَك السلطة والانتخابات، لإدخال حركة حماس والجهاد في منظمة التحرير، تحت ذريعة الإصلاح والتوسيع، ليعيدوا لها الحياة والزخم الذي فقدته منذ اتفاقية أوسلو.
وهذه كارثة حقيقية ستصيب حركتي حماس والجهاد إن وقعتا في الفخ، لأنهما ستكونان كمن نقض غزله من بعد قوة أنكاثا، وستحولان كل ما اكتسبتاه من شعبية وتأييد بفضل أعمال المقاومة والجهاد إلى رصيد وشعبية للمنظمة التي ما أنشئت إلا للتفريط بقضية فلسطين والتنازل عنها لكيان يهود مقابل دويلة هزيلة على أقل من ربع مساحة فلسطين. فمنظمة التحرير نبتة خبيثة منذ اليوم الأول لها، ولا يمكن الحديث عن عملية إصلاح أو تغيير فيها، لأن فكرتها بحد ذاتها خبيثة ونجسة، وجذورها ضاربة في الخيانة والتفريط، وأغصانها ممتدة في التواطؤ وتسهيل تصفية القضية لصالح كيان يهود.
وسواء تم الحديث عن عملية إصلاح للمنظمة أو إيجاد أطر وبدائل لها، فكلها تقوم على فكرة تقزيم القضية وجعلها فلسطينية فصائلية لتؤول إلى تصفية القضية وجعلها لقمة سائغة لكيان يهود، وهي محاولات خبيثة مدفوعة من الغرب نفسه، صاحب مشروع التصفية وتثبيت كيان يهود.
إن قضية فلسطين في حقيقتها ليست قضية أهل فلسطين وحدهم، وليست قضية العرب وحدهم، بل هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، وأي مسلم في العالم يتنصل منها فإنه يتنكر لقرآنه ودينه. ولا يملك أهل فلسطين تحت مظلة منظمة التحرير أو غيرها من الأطر والمنظمات أن يتنازلوا عن فلسطين ولا عن شبر منها لكيان يهود أو لغيره من الكفار. ولا يملك حكام العرب ذلك ولو أجمعوا في قممهم أو مؤتمراتهم أو قراراتهم، ولا يملك أحد ذلك، فأرض فلسطين أرض إسلامية وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقضية فلسطين يجب أن تبقى قضية الأمة الإسلامية، كما أرادها الله، وواجب تحريرها على كل قوى الأمة، بجيوشها وقواتها المسلحة، وهي قادرة على ذلك في ساعة من نهار، ولا يمنعها من ذلك سوى خيانة الحكام وحبسهم الجيوش عن التحرك لنصرة فلسطين وأهلها، ولذلك وجب على كل مسلم أن يعمل جاهدا لإسقاط عروش الحكام وهيئاتهم ومنظماتهم، وتنصيب خليفة راشد يوحد الأمة ويحرك جيوشها صوب فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، لتدخلها مكبرة مهللة مسرورة بنصر الله وتمكينه.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع