انعقد مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة، رفيع المستوى في منطقة البحر الميت بالأردن في 11 حزيران/يونيو 2024م، برئاسة مشتركة بين الملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبحضور ممثلي 75 دولة ومشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقادة دول ورؤساء حكومات ورؤساء منظمات إنسانية وإغاثية دولية، ووضع له هدف رئيسي معلن وهو "تحديد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في قطاع غزة"، حيث ناقش المؤتمر، سبل "توفير المساعدات الإنسانية لغزة بما يتناسب مع الاحتياجات" وسبل "تجاوز التحديات التي تواجه إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين"، و"أولويات التعافي المبكر".
وتركز حديث الملك الأردني في المؤتمر على ضرورة "فض الاشتباك بشكل مؤثر وشامل للجهات الفاعلة على الأرض في قطاع غزة، لضمان قدرة وكالات الإغاثة الإنسانية على العمل"، وجاء في كلمته: "أهل غزة لا يتطلعون إلينا من أجل الكلام المنمق والخطابات، بل إنهم يريدون إجراءات فعلية على أرض الواقع، وهم بحاجة لذلك الآن".
وفي كلمته، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الدول "إلى إلزام (إسرائيل) بالتوقف عن استخدام الجوع كسلاح في غزة، وإزالة العراقيل أمام إيصال المساعدات الإنسانية"، فيما حمّل مسؤولية ما يعيشه قطاع غزة من "أزمة إنسانية غير مسبوقة" لكيان يهود قائلا: إنها "نتاج متعمد لحرب انتقامية تدميرية ضد القطاع".
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الجلسة الرئيسية في مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة، إن "الولايات المتحدة ستقدم أكثر من 404 مليون دولار مساعدات جديدة للفلسطينيين"، وأضاف أن "الخطوة الوحيدة الأكثر فعالية التي يمكننا اتخاذها لمواجهة التحديات الإنسانية الملحة في غزة هي التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار"، وتابع: "يتعين على (إسرائيل) اتخاذ المزيد من الخطوات للحد من الخسائر البشرية".
وأصدر رؤساء مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة بيانا في ختام أعمال المؤتمر، كان أبرز ما جاء في عباراته، التعبير عن القلق والإدانة والشجب ودعوات للاستجابة الإنسانية العاجلة، لإنقاذ أهل غزة على ضوء الدمار والإبادة الجماعية للبشر والحجر التي سوت قطاع غزة بالأرض، حيث أدت الحرب إلى استشهاد أكثر من 37 ألف شخص من سكان قطاع غزة، وأكثر من 270 عامل إغاثة، فيما يعاني نحو 2.3 مليون فلسطيني في غزة من خطر المجاعة.
ويتضح من أهداف هذا المؤتمر وبيانه الختامي أنه لا يتعلق بالناحية الإنسانية مطلقا، حيث تدخل الحرب على غزة وأهلها شهرها التاسع، فهو يأتي بعد مجزرة فظيعة ارتكبها كيان يهود المجرم في مخيم النصيرات استشهد خلالها 274 فلسطينيا وإصابة 698 آخرين، كمبادرة بمسمى إنساني ككل المبادرات الجوفاء للتخفيف من وطأة السخط العالمي، ونقمة شعوب المنطقة على حكامها. ومن سخف وسوء هذا المؤتمر وعدم جدواه، أن المشاركين ومن أجل تحقيق دعواتهم في الاستجابة الإنسانية وجهوا دعواتهم بكل صلف وسخرية إلى كيان يهود المجرم والمسبب لهذه الكوارث الإنسانية، بدلا من الدعوة لمعاقبته فعليا وعسكريا.
فالولايات المتحدة هي التي كانت تقف في وجه مبادرات وقف إطلاق النار، ولكنها بعد أن مكنت كيان يهود من خططه التدميرية وانفضاح مواقفها المخزية في خرق حقوق الإنسان واستمرارها في دعم كيان يهود في تحدٍّ لما يسمى بالقانون الدولي، وانخفاض نسبة تأييد الحزب الديمقراطي المقبل على الانتخابات، قدم الرئيس الأمريكي مشروعا مبهما ومعوجا ينطوي على الكذب بموافقة كيان يهود عليه، لوقف إطلاق النار الذي أيده مجلس الأمن، في محاولة لتحسين صورة أمريكا عالميا وداخليا.
أما الدول القائمة في بلاد المسلمين، المشاركة في هذا المؤتمر، فلم يصدر عنها من أعمال تدفع عنها نقمة شعوبها وخزيها والعار الذي يتلبسها من إحجامها عن دعم حقيقي عسكري لنصرة أهل غزة، طوال الحرب وهي ترى احتجاجات عالمية من طلاب الجامعات وكثير من النشطاء السياسيين، فاحتياجات هذه البلدان للمشاركة في مؤتمر شكلي كغطاء مكشوف تحت مسمى استجابة إنسانية، لا يسمن ولا يغني من جوع وليس له آلية إجرائية واحدة لتنفيذ أي من مخرجاته سوى جعجعة كلامية.
فالملك عبد االله يراوغ عندما يقول "إن أهل غزة لا يريدون خطابات، بل إجراءات فعلية"! فهو يسخر من نفسه بقوله هذا، فكل ما فعله منذ بداية الحرب هو ما يدين به نفسه من عبارات رنانة وخطابات، وفي الوقت نفسه يتناقض مع نفسه وهو يحتفل باليوبيل الفضي لحكمه، ويستعرض أحدث العتاد من صواريخ ودبابات ومدرعات وطائرات ومسيرات يملكها الجيش الأردني، وهو لا يقوم بواجبه الشرعي بتحريك هذه الجيوش لنصرة أهل غزة.
أما طاغية مصر السيسي فهو يدافع علنا عن كيان يهود، ويعينه في جريمة تجويع أهل غزة بإغلاق معبر رفح، فهو لا يقل تخاذلا في تكبيله لجيش الكنانة عن نصرة أهل غزة، بل وسماحه لكيان يهود باحتلال معبر فيلادلفيا خلافا لاتفاقية كامب ديفيد الخيانية، فهل ينطلي على أحد من الناس اشتراكه في مبادرة استجابة إنسانية وهو أحد صناع أزمتها؟!
فمنذ بداية العدوان الهمجي على أهل غزة الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا، يحاول الحكام العملاء خصوصا في البلاد المحيطة بفلسطين وغزة، تصوير أن المسألة هي حاجة أهل غزة للمعونات والمساعدات الإنسانية، فيبادرون لإلقاء المساعدات والإنزالات الجوية التافهة، فالجيوش في بلاد المسلمين ليست جمعيات خيرية يستخدمها حكامنا مطية لإظهار بطولاتهم المزيفة في حيل لا تنطلي على الأمة كمؤتمر الاستجابة الإنسانية الأجوف.
إن الحل لقضية غزة والإبادة الجماعية والتجويع والدمار الذي تزهق فيه الأرواح، ليس باعتبارها قضية إنسانية لا سياسية، بل هي قضية عسكرية ليس لها إلا التحام جيوش الأردن ومصر مع المجاهدين من أهل غزة في معركة مصيرية تقضي على كيان يهود، في أيام قليلة، ونحن نرى جبنه وضعفه وانهزامه أمام ثلة من الأفراد المجاهدين، وهو أمر بات المسلمون يدركونه تماما، كما أنهم يعلمون أن جعجعة الحكام وكل دول العالم لا دخل لها في المساعدات الإنسانية، فدولارات المساعدات الأمريكية التي تشارك كيان يهود في الوقت نفسه في الحرب فعليا على أهل غزة، كما يشاركها الحكام العملاء، تفضح هؤلاء الثعالب في ثياب الإنسانية.
فلا تنطلي عليكم يا جند المسلمين ولا يغرنكم كذب الحكام وأبواقهم بأن المساعدات الإنسانية هي الحل لإنقاذ أهل غزة، فقد رأيتم بأعينكم العدة والعتاد والسلاح الذي تمتلكه جيوشكم، ففيها ما يكفي من القدرات والمقدرات لكي تحرر الأرض المباركة فلسطين، وليس أهل غزة فحسب، فلتكن نصرتكم لأهل غزة كما أمركم رب العزة بقوله: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
بقلم: د. خالد الحكيم
رأيك في الموضوع