إننا نتألم لما أصاب أمتنا العظيمة وإن كانت ثقتنا فيها لا تتضعضع فهي خير أمة؛ فكيف بوزير أمريكي يفتخر بيهوديته، يقود قادتها وقد اعتبرناهم قادة تجاوزا، فهم رويبضات، حتى إنهم يخجلون أن يظهروا أن لهم علاقة بالإسلام فيتهموا بالإرهاب والتطرف ومعاداة السامية! وليظهروا أنهم سائرون مع النظام العالمي الذي تقوده أمريكا وقد أملت عليهم ألا يتلفظوا إلا: "نطالب بتطبيق القانون الدولي والقرارات الدولية"، "نطالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي بالتحرك.." "نطالب أمريكا بالضغط.."، يأتمرون بأمر أمريكا وينتهون عما نهت عنه، وتطلب منهم التنازل فيتنازلون، وتطلب منهم الضغط على ممثلي التنظيمات المسلحة في غزة فيلبون، وهي تراعي مصالح كيان يهود وتعمل على مراضاته، فهي متعهدة بأمنه ودعمه والمحافظة عليه، ليبقى إمارة الغرب الصليبية الجديدة إلى الأبد. وقادة الكيان يدركون ذلك وهم يقولون نحن ندافع عن القيم الغربية، فهم يعامَلون معاملة الولد المدلل، فيزدادون غطرسة وعنجهية ويهددون باجتياح رفح وقتل المزيد فوق عشرات الآلاف الذين قتلوهم بغزة فلا يشبعون من دماء المسلمين.
قام الوزير بلينكن بجولته السابعة بين يومي 29/4 و1/5/2024 منذ عدوان يهود على غزة لتشمل السعودية، فالتقى ولي عهدها ابن سلمان وتحدث في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد بالرياض قائلا: "أمريكا والسعودية قامتا بعمل مكثف خلال الأشهر القليلة الماضية نحو اتفاق التطبيع بين السعودية و(إسرائيل)، وهو اتفاق يتضمن منح واشنطن للرياض اتفاقيات بشأن التزامات دفاعية وأمنية ثنائية فضلا عن التعاون النووي بين البلدين.. وإن المكونات الأمريكية السعودية في الاتفاقية من المحتمل أن تكون قريبا جدا من الاكتمال" وأضاف "للمضي قدما في التطبيع، سيكون هناك حاجة إلى شيئين: الهدوء في غزة ومسار موثوق إلى دولة فلسطينية". وذلك لإغراء كيان يهود بتلبية طلباتها. ومعنى ذلك أنه يريد أن يشتري موافقة كيان يهود على صفقة الرهائن مع حماس بالتطبيع مع السعودية، ويظهر أنه اقترب.
ذكر موقع أكسيوس يوم 3/5/2024 عن مسؤولين أمريكيين أن "الرئيس بايدن يشارك شخصيا للتوصل إلى صفقة بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار بغزة بسبب الانتقادات الحادة له من مؤيديه الرئيسيين قبيل الانتخابات الرئاسية". ولذلك أرسل وزير خارجيته، وأتبعه بمدير مخابراته بيرنز للانضمام إلى المباحثات الجارية بالقاهرة بالتزامن مع وصول وفد حماس لزيادة الضغط للتوصل إلى الصفقة.
ووصل وفد قطر إلى القاهرة للانضمام إلى المباحثات، حيث يظهر أنه لا يستغنى عن وساطة قطر حاليا. وذلك بعدما هدد وزير خارجيتها عبد الرحمن آل ثاني يوم 17/4/2024 بوقفها، منددا "بمزايدات سياسية من بعض السياسيين من أجل حملاتهم الانتخابية من خلال الإساءة لدور قطر"، مشيرا إلى مطالبة نائب ديمقراطي أمريكي بلاده بمراجعة علاقاتها مع قطر، والذي تناغم مع انتقادات نتنياهو لقطر أنها تدعم حماس ولا تضغط عليها بما يكفي لإطلاق الرهائن. وانتقد نتنياهو قائلا "دور الوسيط محدود لا يستطيع تقديم أشياء تمتنع عنها الأطراف نفسها". فأمريكا هي التي طلبت من قطر أن تحتضن قيادة حماس وتقيم لها مكتبا سياسيا بالدوحة عام 2012 حتى تستخدمها للضغط على حماس كلما لزم، وقد كشف ذلك وزير خارجيتها السابق حمد وأميرها الحالي تميم، مثلما طلبت منها أن تلعب دورا مع حركة طالبان وفتحت لها مكتبا عام 2013 واستخدمته للاتفاق مع الحركة ومن ثم الانسحاب من أفغانستان.
وزار بلينكن الأردن والتقى ملكها الموالي للغرب واليهود، حيث يعتبر الأردن محطة لنقل المساعدات لغزة كما هو خط دفاع عن كيان يهود، وقد تأكد ذلك في التصدي للصواريخ الإيرانية. وكانت محطته الأخيرة كيان يهود واجتمع مع قادتها ليقول لهم إن السعودية تقبل بالتطبيع وثمن ذلك التوصل إلى الاتفاق حول غزة وعدم الهجوم على رفح، فطالبهم "بوجوب تقديم خطة واضحة قبل قرار دخول رفح"، حيث تخشى أمريكا من أن يؤدي دخول كيان يهود لرفح وارتكابه مجازر جديدة إلى ردات فعل أقوى داخليا والمتمثلة بالاحتجاجات الطلابية والانتقادات من مقربين من إدارتها، وعالميا حيث الرأي العام العالمي يتهمها بالشراكة في المجازر. وخلال اجتماعه برئيس الكيان هرتسوغ وبحكومة الحرب قال "حماس هي المسؤولة عن عدم التوصل لاتفاق حتى الآن، وعليها قبول المقترح الجيد جدا المطروح حاليا لوقف إطلاق النار"، فبذلك أراد أن يراضي كيان يهود حتى يقبل بالاتفاق لوقف الحرب على غزة.
وسبب ذلك أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، فالطرف الديمقراطي قد خسر الكثير من المؤيدين، وهو محتاج لأصوات اليهود والمؤيدين لهم، وخاصة أن الطرف الجمهوري المنافس يستعمل هذه الورقة، حيث إن الكثير من الأمريكان يؤيدون كيان يهود لاعتبارات دينية ولكونه قاعدتهم الرئيسية في الشرق الأوسط ولأنهم يعادون الإسلام والمسلمين. علما أن أمريكا لا يضيرها مقتل عشرات الآلاف من المسلمين بغزة إلا بقدر ما يمكن أن يؤثر على انتخاب الرئيس ومصالحها في المنطقة. وقد قتلت وجرحت الملايين منهم في العراق وأفغانستان وسمحت أن يحصل مثل ذلك في سوريا حيث أطلقت يد النظام وإيران وأشياعها وروسيا ليمعنوا فتكا بالشعب السوري لحماية عميلها بشار أسد. ويؤخذ في الاعتبار بعض التحول لدى بعض سياسييها، فمنهم من أعلن استقالته، ولدى جمهرة من الشباب الأمريكي ضد كيان يهود فلم يتحملوا جرائمه، ما أقلق قادة الكيان لأن مثل ذلك يحدث لأول مرة.
ومصر لها دور مؤثر لكونها مجاورة لغزة وتتحكم في لقمة عيش أهلها وفي خروجهم ودخولهم وتحكم طوقها عليهم مراضاة لكيان يهود حيث عقدت معه اتفاقية سلام برعاية أمريكية. وكيان يهود يحرص كل الحرص على استمرار هذه الاتفاقية لتحييد مصر ولاتقاء التهديدات المحتملة منها. وبذلك يمكنها أن تلعب دورا مؤثرا على حماس وعلى كيان يهود. ولهذا يلعب الوسيط المصري دورا نشطا بين الطرفين بمشاركة قطرية وبرعاية أمريكية ولا يأخذ في الاعتبار أن أهل غزة أهله وأن عليه نصرتهم، وأن اليهود المغتصبين أعداؤه ويجب إعلان الحرب عليهم.
وهكذا بدأت المباحثات الأخيرة بين هذه الأطراف يوم 4/5/2024 في القاهرة للتوصل إلى صفقة بعدما تدخل الرئيس الأمريكي مباشرة فأرسل وزير خارجيته للتمهيد لها وأرسل رئيس مخابراته للقيام برعايتها، واضعا كل ثقله لإتمامها لأن استمرار الوضع في غزة على ما هو عليه، وتهديدات يهود باجتياح رفح صار يؤثر على مصيره الرئاسي وكأن الاتفاق سيتم هذه المرة. وللأسف استعدت حماس للتنازل وقبول حل الدولتين، وتلك طامة كبرى بعد كل هذه التضحيات. وهذا لا يثبطنا بل يزيدنا ثقة بأنه لا حل إلا بإقامة الخلافة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع