بالرغم من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران رسمياً منذ أكثر من عام إلاّ أنّ العلاقات بين الشعبين ظلّت شبه مقطوعة، وبقيت حالة العداء بين الدولتين هي المُهيمنة على مُجمل العلاقات بينهما، وظلّت العلاقات الدبلوماسية بينهما فاترة، ولكن سُمِح مُؤخراً للإيرانيين لأول مرة بالسفر إلى الأراضي الحجازية لأداء العمرة بعد انقطاع دام تسع سنوات، فقد غادرت يوم الاثنين الماضي الدفعة الأولى من المعتمرين الإيرانيين إلى الأراضي الحجازية وذلك بعد مرور أكثر من عام على استئناف العلاقات بين طهران والرياض، وزعم رئيس لجنة الصداقة الإيرانية السعودية شاهرودي: "إنّ هناك إرادة سعودية قوية لتحقيق التقارب"، ولكن الحقيقة أنّه لا توجد مثل هذه الإرادة ولا ما يحزنون، فلم يحصل تحقيق التقارب الشكلي بينهما إلا على مُستوى العبادات من مثل العمرة والتخطيط لزيارة بعض المزارات في المُستقبل.
وبحسب رئيس منظمة الحج والعمرة عباس حسيني فمن المُقرر أنْ يتوجه إلى الاراضي الحجازية حوالي 5700 معتمر إيراني، وقد سجّل نحو 5 ملايين و600 ألف إيراني رسميا في رحلات العمرة.
وأمّا من ناحية دبلوماسية فقد أعلن سفير السعودية لدى إيران عن تعيين السعودية قنصلاً سعودياً عاماً لها في مدينة مشهد الإيرانية، وقال بأنّه تجري جهود مكثفة من جانب السفيرين الإيراني والسعودي لتحقيق المزيد من خطوات التقارب بين الدولتين، ومنها السماح للسعوديين الشيعة بزيارة أحد المزارات الشيعية داخل إيران.
ولو قارنّا خطوات التطبيع السعودية الإيرانية بخطوات التطبيع السعودية مع كيان يهود الذي لا توجد معه بعد علاقات دبلوماسية لوجدنا الفارق بينهما كبيراً، فبالرغم من عدم وجود علاقات سعودية رسمية مع كيان يهود إلاّ أنّه لا يمر يوم إلا وتتحدّث فيه وسائل الإعلام عن زيارات لأفراد ومجموعات يهودية إلى أرض الحرمين، يقومون بنشاطات سياحية واقتصادية وشعبية متنوعة، وتتم المبالغة إعلامياً في وصف تلك الزيارات، كما ويتم تصوير هؤلاء اليهود وكأنّهم مُرحبٌ بهم في أرض الحرمين، فيتفاخرون في وسائل التواصل الإلكتروني بوجودهم في بلاد الحجاز ويلتقطون الصور، ونجدهم أحياناً يرقصون ويتحدّثون بكل أريحية، ويتكلمون عن عمق العلاقات بين كيان يهود وبين الكيان السعودي. بخلاف التطبيع مع إيران، فهو بطيء جداً ومحدود جداً، ويقتصر فقط على العبادات والعلاقات الدبلوماسية الباردة.
إنّ الأدوار المنوطة بالسعودية وإيران من جانب أمريكا تقتضي استمرار حالة العداء بينهما، لأنّ أمريكا تُريد استمرار إيجاد الصراع الطائفي في المنطقة، وهذا الصراع لا يستمر إلا باستمرار حالة التوتر بين البلدين اللذين يُمثّلان مذهبين إسلاميين مُتباينين يصلحان في نظر أمريكا لتأجيج الصراع بينهما.
إنّه وإنْ كان حاكم السعودية الفعلي محمد بن سلمان لا يُعير اهتماماً للدين ولا للمذهب، لكنّ السكان في الحجاز ونجد هم في الغالب مُتدينون مُلتزمون، لذلك رأت أمريكا أنْ تُعيد العلاقات السعودية على المستوى الدبلوماسي بين السعودية وإيران فقط، أمّا على المُستوى الجماهيري فأمريكا تحرص على منع التقاء الشعوب المُسلمة فيما بينها لأية حجة؛ تحقيقاً لأهدافها الاستعمارية القائمة على قاعدة (فرّق تسد)، وذلك لمنع وحدتها واعتصامها بحبل الله.
فالتطبيع بين سكان إيران وسكان الحجاز ونجد ما زال من ناحية واقعية مقطوعاً، وأمّا السماح للإيرانيين بالعمرة فهذا ليس تطبيعا، بل هو حق لكل مسلم بأداء العمرة، ومنع السلطات السعودية لهم من أدائها في السنوات الماضية هو ظلم وتجبّر، وهو في الوقت نفسه مُخالف للأحكام الشرعية، ولا يجوز إطلاقاً منع أداء العبادات لأهداف سياسية، والأصل أنْ لا يُمنع أي مُسلم في المعمورة من أداء شعائر الحج والعمرة تحت أي ظرف من الظروف.
على أنّ قيام الإيرانيين بأداء العمرة ولو كان بالملايين لا يُعدّ تطبيعاً، ولا تقارباً ولا تصالحاً، فالسعودية دأبت على منع المسلمين لا سيما الإيرانيين منهم أثناء أداء مراسم العمرة أو الحج من القيام بأية اتصالات سياسية بعضهم مع بعض إلا في أضيق الحدود وتحت طائلة الطرد والسجن والتوقيف.
إنّ ما يقوم به حكام السعودية وإيران ما هو إلا تنفيذ لمُخطّطات أمريكية مشبوهة لإبقاء الشعوب الإسلامية باستمرار مُتعادية فيما بينها ومُتفرّقة، ويُمكن لها أنْ تتصالح مع كل أعدائها بينما يُفرض عليها أنْ تتخاصم مع نفسها!
فهؤلاء الحكام هم مُجرد أدوات لأمريكا يقومون بواجبهم في خدمة المصالح الأمريكية بكل وفاء وإخلاص، وبالتالي يقومون بواجبهم في ضرب مصالح الأمّة الاسلامية.
وترسم أمريكا لهم أدواراً تتناسب مع أهدافها الاستعمارية الخبيثة، فتسمح لإيران مثلاً برفع راية المُقاومة والمُمانعة الزائفة، بينما تُكلّف السعودية برفع راية التطبيع والتعاون مع كيان يهود، وبذلك تبقى الأمّة مُنقسمة على نفسها، ومُتقاتلة مع ذاتها، وخادمة لعدوّها.
رأيك في الموضوع