قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية: "إنّ ثلاثة انفجارات سُمعت بالقرب من قاعدة عسكرية في مقاطعة أصفهان يوم الجمعة 19/04/2024"، وأعلن التلفزيون الإيراني أنّ منظومات الدفاع الجوي تصدّت لمُسيّرات انتحارية صغيرة في أجواء محافظة أصفهان الواقعة في قلب البلاد، وفي مدينة تبريز في شمالها.
وجاءت هذه الضربة العسكرية الخفيفة من كيان يهود رداً على قيام إيران بالهجوم على الكيان قبل أسبوع بأكثر من ثلاثمائة وثلاثين مُسيّرة وصاروخاً لم يصل منها إلى داخل الأراضي المُحتلة إلا سبعة!
وهكذا جاء هذا الرد الهزيل من كيان يهود - على غير العادة - لكي لا تنزلق الدولتان إلى مواجهة مباشرة بينهما لا تُحمد عقباها، ولا تُريدها أمريكا.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد هدّد كيان يهود وقال لشبكة فارس: "إذا قامت (إسرائيل) بأي عمل عسكري آخر ضدها فسيكون الرد فورياً وعلى أقصى مستوى"، وكرّر عبد اللهيان الكلام نفسه لوكالات أنباء عدة فقال: "إذا ارتكب النظام (الإسرائيلي) الخطأ الجسيم مرة أخرى فسيكون ردنا حاسما وقاطعا ومؤسفا بالنسبة لهم"، وبعد ساعات من تصريحات أمير عبد اللهيان المُتحدّية هذه وقع الهجوم على أصفهان، وقالت إيران إنّ الدفاعات الجوية أسقطت ثلاث طائرات مسيرة، وأكّدت طهران منذ الساعات الأولى ليوم الجمعة "أنّ العملية عبارة عن مُسيّرات انتحارية صغيرة، وأنها تصدّت لها كلها، وأنّها لم تُصِب أي هدف في الأراضي الإيرانية"، ولم تُحمّل إيران كيان يهود المسؤولية عن هذا الهجوم.
وقد أكّدت إيران ومعها وكالة الطاقة الذرية أنّ الهجوم لم يستهدف المنشآت النووية، علماً بأنّ مدينة أصفهان فيها مركز للصناعة الذرية ومعالجة اليورانيوم، وفيها أيضاً شركة لصناعة الطائرات والمُسيّرات، واعتبرت إيران هذا الهجوم هو مُجرد عمل تخريبي قام به عملاء من داخل إيران، وتتعامل معه على مستوى أمني تخريبي إرهابي من قبل جواسيس، كما وصنّفت المسيّرات المُستخدمة في الهجوم بأنها (كواد كابتر)، وهي طائرات صغيرة تحمل مئات الغرامات من المتفجرات وليست قادرة على إحداث ضرر كبير.
وكان كيان يهود هو الآخر قد توعد بالرد على إيران بعد الهجوم الإيراني على الكيان الأسبوع الماضي بمئات الصواريخ والمُسيرات رداً على استهداف مقر قنصليتها بدمشق في الأول من نيسان/أبريل الجاري بقصف جوي من كيان يهود أدّى إلى مقتل ضباط إيرانيين كبار.
إنّ هذا الهجوم الضعيف لكيان يهود على أصفهان والذي لم تعترف به وسائل الإعلام الرسمية للكيان قد فضحه الوزير اليهودي المُتطرف بن غفير، ووصفه بأنّه (مسخرة)، وفي هذا تلميح صريح بمسؤولية كيان يهود عنه، وقد نقلت هيئة البث في كيان يهود عن وزراء لم تسمّهم قولهم: "إنّ مثل هذه التصريحات لبن غفير قد تُعرّض أمن الدولة للخطر"، وقال رئيس المعارضة يائير لبيد: "لم يحدث من قبل أن ألحق وزير في الحكومة الأمنية مثل هذا الضرر الكبير بأمن البلاد وصورتها ومكانتها الدولية"، وأضاف: "نجح بن غفير في السخرية من (إسرائيل) وفضحها من طهران إلى واشنطن"، ولا شك أنّ هذا الكلام يؤكّد أنّ كيان يهود خضع للضغط الأمريكي بضرورة عدم التصعيد مع إيران، ويؤكّد على أنّ ما حدث هو مُجرّد مسرحية تُشبه مسرحيات سبقتها بها أمريكا من قبل أشار إليها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد اغتيال قاسم سليماني.
لقد اختار كيان يهود مُجبراً سياسة الصمت وعدم الإعلان رسمياً عن هجومه الضعيف هذا على أصفهان، وذلك امتثالاً لرغبة أمريكا التي تُريد ضبط إيقاع تلك الهجمات المُتبادلة بين كيان يهود وإيران بهذا الأسلوب المكشوف من الإخراج الدبلوماسي، فهي تضغط على الطرفين لا سيما على كيان يهود لمنعه من الانجرار مع إيران إلى معركة شاملة تُعقّد المشهد السياسي المُعقّد أصلاً، وتُزعزع الاستقرار العالمي، وتؤدي إلى تعريض المنطقة كلها إلى الخطر وعدم الاستقرار، وعلى الرغم من أنّ هذا الهجوم الإيراني يُعتبر فرصة ذهبية لكيان يهود للقيام بضرب المُفاعلات النووية الإيرانية، لكنّه لم يستغله خوفاً من أمريكا، فقد قال أمير أفيفي وهو قائد عسكري سابق في جيش كيان يهود: "لقد انتظرت (إسرائيل) لفترة طويلة جداً للتعامل مع المواقع النووية الإيرانية، وأعتقد أن هذه فرصة فريدة لضربها بقوة".
فأمريكا إذاً تُريد فرض معادلة جديدة في الصراع بين الدولتين، وتبدو المُعادلة تميل لصالح إيران في صراعها مع كيان يهود، فتنتقل إيران بموجبها من سياسة ما يُسمّى بالصبر الاستراتيجي التي تسمح لكيان يهود بضربها كيفما شاءت، إلى سياسة الردع المُتوازن بين الدولتين والتي تؤدي إلى رفع مُستوى ومكانة إيران في المنطقة بوصفها قوة إقليمية لا غنىً عنها في الشرق الأوسط إلى مُستوى كيان يهود من حيث النّدية والتكافؤ.
إنّ إيران لا تخطو خطوة واحدة في أعمالها العسكرية دون تنسيق مع أمريكا إمّا مُباشرة كما فعلت في هجومها على قاعدة عين الأسد في العراق، أو عن طريق وسطاء كما فعلت في هجومها الأخير على كيان يهود، وبلّغت أمريكا عبر تركيا بمكالمات تليفونية بين وزراء خارجية البلدان الثلاثة، وإنّ هذا التنسيق بين إيران وأمريكا والذي هو مُستمرٌ مُنذ احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان وما يزال مستمراً حتى الآن، يدل بالتأكيد على أنّ إيران دولة تدور في فلك أمريكا، وما العقوبات التي تفرضها أمريكا عليها سوى ألهيات سياسية تزيدها قوة، وبالتالي فلا يوثق بكل أعمال إيران السياسية التي لا تخرج عن خدمة المصالح الأمريكية.
وإيران أصلاً لم تنتقم حتى لقتلى مليشياتها في سوريا ولبنان، وطبعاً ولا لمصرع آلاف الفلسطينيين في غزة الذين خذلتهم إيران، والتي لم تُقدّم لهم إلا معسول الكلام الخالي من الأفعال.
فإيران حقيقة لا يهمها فلسطين ولا الإسلام بشيء، بل كل الذي يهمها هو مصالحها القومية الفارسية الضيقة، وتصدير مذهبيتها الطائفية البغيضة.
رأيك في الموضوع