وقع هجوم يوم 22/3/2024 في قاعة للموسيقى بموسكو أوقع نحو 143 قتيلا و180 جريحا، اتهم الرئيس الروسي بوتين "إسلاميين متطرفين" بتنفيذه. ولكنه قال "الهجوم هو أيضا جزء من هجمات نظام كييف على روسيا"، وذكر أنهم كانوا يحاولون التوجه نحو أوكرانيا بعد تنفيذ الهجوم، حيث تم اعتقال الأربعة المتهمين بتنفيذه.
ونفت أوكرانيا علاقتها بالهجوم. ودفعت أمريكا التهمة عن أوكرانيا، وذكرت أنها أبلغت موسكو قبل فترة باحتمال وقوع هجوم إرهابي استنادا إلى معلومات مخابراتية، وأكدت إعلان تنظيم الدولة مسؤوليته عن الهجوم.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا "أمريكا تستخدم فزاعة تنظيم الدولة الإسلامية لتغطي على أفعالها في كييف، وإنها دعمت المجاهدين الذين خاضوا قتالا ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينات" من القرن الماضي. واتهم رئيس المخابرات الروسية بورتنيكوف أجهزة مخابرات غربية وأوكرانية بمساعدة منفذي الهجوم.
وإذا دققنا في الحادث حسب المعلومات المتعلقة به؛ فإن المكان محصن بالكاميرات في الداخل والخارج وبحواجز الشرطة وبنقاط التفتيش الدقيقة، وإن عملية القتل استمرت نحو 21 دقيقة ولم تتدخل قوات الأمن، وإن المنفذين خرجوا سالمين وأعدت لهم سيارة ليتوجهوا نحو الحدود الأوكرانية! فذلك يثير الشكوك حول العملية بأنها مرتبة. ومن ثم وضعت صور للعملية فورا في صفحة الأعماق لتنظيم الدولة! فمن أرسل هذه الصور؟ واعترافه بها وعادة لا يعترف بهذه السرعة! وهناك صور نشرت للمنفذين ملامحهم روسية لا تشبه المعتقلين من الطاجيك! وقد ذكر أنه أعطي لكل واحد منهم ما يعادل 5 آلاف دولار، وبهذا يكونون مرتزقة وليسوا عناصر من التنظيم!
يذكر أن الذين يرتادون هذا المكان هم من الطبقة الأرستقراطية وأنهم من المعارضين لسياسة بوتين والحرب!
وإذا نظرنا للصورة من كل أوجهها وما يتعلق بها، وإذا علمنا أن كثيرا من الناس وخاصة من الأغنياء وذوي التوجهات الغربية يعارضون الحرب واستمرارها، وأن هذه الحادثة جاءت بعد مقتل المعارض نافالني في السجن ولم يسمح أن تقام له جنازة حتى لا يظهر مدى التأييد له وسخط الناس على بوتين الذي يعتبر أحد القياصرة الجبابرة، فيتبين من كل ذلك أن الهجوم يخدم أغراض بوتين أكثر من الجهات الأخرى التي ربما يقال إنها تستفيد منه لإظهار أن موسكو غير آمنة وأن بوتين فاشل في حربه فتؤلب الناس عليه.
يريد بوتين وحاشيته تنبيه الناس إلى المخاطر من أوكرانيا ومن ورائها الغرب وأنها تهدد الشعب الروسي في الداخل، وبذلك يشحن أجواء الغضب حتى يدعموا الاستمرار في الحرب، فلا بد من القيام بأعمال بشعة تثير سخط الناس على أوكرانيا والغرب وخاصة أمريكا. خاصة وأن الهجوم وقع في صفوف الفئة المعارضة، فيكون قد تخلص ممن أراد أن يتخلص منهم، وأثار سخط الناس على الأعداء وحرك فيهم المشاعر للاستعداد لقتالهم في أوكرانيا، حيث يفتقر الروس لذلك، بسبب عدم رؤيتهم لجدوى هذه الحرب. علما أن الروس لا يميلون للحروب في الخارج، ويستعدون للتضحية إذا حصل تعدٍّ على أراضيهم. ولهذا قام بوتين وأعلن المناطق التي احتلها في شرق أوكرانيا مع القرم أراضي روسية حتى يشحن همم الروس ليدافعوا عما يعتبر من أراضيهم. ورأينا أنه عندما دعاهم للتجنيد فر الكثيرون منهم. وروسيا لا تعلن عن عدد قتلاها في الحرب بأوكرانيا. وهذا يثير سخط العائلات الروسية في حرب غير مقتنعين بها عندما يعود أبناؤهم محملين بالتوابيت.
وفي الوقت نفسه يريد بوتين أن يلطخ سمعة الإسلام وينفّر الناس منه وهم يقبلون عليه، عندما يتهم مسلمين، وسهل عليه أن يلصق التهمة بتنظيم الدولة الذي أصبح تلصق به كل تهمة قتل في كثير من البلاد لأغراض سياسية مختلفة!
وقد رفض بوتين الحضور إلى مكان الحادث ولقاء عائلات الضحايا فأجاب بيسكوف الناطق باسم الرئيس عندما سئل عن ذلك فقال: "الرئيس لم يذهب إلى مكان الحادث حتى لا يعيق عمل فرق الإنقاذ"! ويظهر أن ذلك تهربٌ حتى لا يظهر مدى سخط الناس على بوتين إذا قام بلقائهم، وهو الذي لم يتكلم في اليوم الأول، فيظهر أنه لم يكن منفعلا ولا متأثرا مما حصل! وعادة الرؤساء في مثل هذه الحوادث أنهم يتفاعلون ويظهرون انفعالهم وتأثرهم بما حدث لأبناء شعبهم فيتجهون إلى موقع الحادث على الفور أو تذهب أعلى الشخصيات ممثلة عنه ويلتقون عائلات الضحايا فورا ويتضامنون معهم. بل ذهب بوتين بعدها، يوم 27/3/2024، إلى منطقة تفير شمال غرب موسكو لزيارة متحف تاريخي والالتقاء بموظفي قطاع الثقافة، وشارك يوم 28/3/2024 في اجتماع مخصص لقطاع السياحة، من دون أن يفكر في زيارة مكان الحادث ولقاء عائلات الضحايا رغم مرور أسبوع!
ويأتي الهجوم بعد أسبوع من انتخاب بوتين لولاية خامسة بنسبة فلكية 87,29%، ما أثار الشكوك وسخط الناس واتهامات بالتزوير، وهو يكمم الأفواه ويصفّي المعارضين.
جدير بالذكر أن بوتين، وهو مسؤول مخابراتي سابق، له سوابق في ترتيب مثل هذه الهجمات منذ عام 1999 وإلصاق التهم بأشخاص من الشيشان حتى يبرر هجومه على بلادهم ويدمر عاصمتهم غروزني وينهي الاتفاق الذي عقد معهم على منحهم حق تقرير المصير.
فبوتين وأمثاله من السياسيين أكثر ما يهمهم في الدرجة الأولى البقاء في السلطة وتنفيذ سياساتهم ولا يقبل أي انتقاد أو محاسبة أو طرح أفكار، بل يقمعون كل منافس لهم، ويفعلون كل شيء في سبيل ذلك، فتنعدم بلادهم من ظهور سياسيين ومفكرين مبدعين، فيرى نفسه أنه كسياسي كافٍ لبلده ولا يرى ما ستؤول إليه أوضاع البلاد في هذه الحالة. وقد تحايل على دستور بلاده وقام بتعديله حتى يضمن بقاءه في السلطة حتى عام 2036.
فروسيا على هذا الوضع لا تكون مرشحة للانتصار وإنما للاختراق والتصدع. ولا نريد أن نعطي فرصة للغربيين بالانتصار لأنهم شر مستطير، ولكننا نريد الانتصار للإسلام بأن ينتشر في ربوع روسيا فتعود بلدا إسلاميا كما كانت، ويحكمها الإسلام الذي يضمن للناس سعادة الدارين.
رأيك في الموضوع