قام وفد من قادة حركة حماس بقيادة رئيس الحركة إسماعيل هنية بزيارة العاصمة الإيرانية طهران في السادس والعشرين من شهر آذار/مارس 2024، والتقى كلاً من مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد اللهيان.
وعبّر إسماعيل هنية خلال زيارته لطهران عن تقديره لمواقف إيران من فلسطين، واستعرض مجريات حرب كيان يهود ضد قطاع غزة والجهود السياسية لوقفها، وشدّد على أن الاحتلال "تحطمت صورة جيشه وظهر على حقيقته بدون تجميل ويعيش عزلة سياسية، في حين ظهرت حقيقة المواقف الأمريكية والدعم المطلق للاحتلال وتأييد جرائمه بما فيها الإبادة الجماعية"، وقال إنّ "تبنّي القرار الأول لمجلس الأمن الدولي الذي يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة يظهر العزلة السياسية غير المسبوقة لـ(إسرائيل)"، وأكّد: "أنّ هذا التصويت يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على أن تفرض إرادتها على الأسرة الدولية"، وقال هنية بعد اجتماعه بعبد اللهيان إنّ "قرار مجلس الأمن الدولي جاء متأخرا وفيه بعض الفراغات التي تحتاج إلى أن تمتلئ، لكن القرار بحد ذاته يؤشر إلى أن الاحتلال (الإسرائيلي) يعيش في عزلة سياسية غير مسبوقة".
كما أكّد أن هذا التصويت يُظهر "أنّ الولايات المتحدة غير قادرة على أن تفرض إرادتها على الأسرة الدولية"، واعتبر أنّ "الكيان الصهيوني فشل في تحقيق أي من أهدافه العسكرية أو الاستراتيجية بعد نحو 6 أشهر من الحرب"، وأضاف: "إنّ الاحتلال (الإسرائيلي) لن يستطيع فرض معادلاته على الشعب الفلسطيني لا بالحرب ولا بالسياسة، وأن عملية طوفان الأقصى حقّقت إنجازات غير مسبوقة للشعب الفلسطيني"، وحثّ العالم الإسلامي على "ضرورة أن يقف إلى جانب غزة الصابرة".
وأمّا المرشد علي خامنئي فقد أشاد في لقائه بوفد حماس "بالصمود المنقطع النظير لقوى المقاومة الفلسطينية"، وقال "إنّ الصبر التاريخي لأهالي غزة في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني ووحشيته التي تجري بدعم كامل من الغرب ظاهرة عظيمة أعزت الإسلام حقا، وجعلت قضية فلسطين القضية الأولى في العالم رغم إرادة العدو"، وقال: "لن نتردد في دعم القضية الفلسطينية وأهالي غزة المظلومين والمقاومين".
وكانت إيران قد رحّبت رسمياً بقرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إنّ "الوقائع الأخيرة في غزة تشكل فضيحة كبرى أخرى للولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في دعم الكيان الصهيوني القاتل للأطفال، في حين تكشفت للعيان الطبيعة والوجه الحقيقي للولايات المتحدة والغرب بالنسبة للشعوب"، واعتبر أنّ "القضية الفلسطينية وفي ظل المقاومة والصمود البطولي الذي يبديه أهالي غزة تجاوزت حدود العالم الإسلامي لتتحول إلى قضية عالمية تخص البشرية"، وقال بأنّ أي تحرك دبلوماسي للولايات المتحدة و(إسرائيل) في المنطقة هو "مضلل ومخادع"، وأكّد "أنّ العالم أصبح يدرك أن (إسرائيل) مصدر زعزعة للأمن بالمنطقة"، كما لفت إلى أنّ "الدول التي كانت تسعى للتطبيع مع (إسرائيل) أصبحت اليوم تخجل أمام شعوبها"، وقال إنّ إيران "راسخة في الذود عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهي تعتز وتفخر بدعمها للقضية الفلسطينية".
إنّ كل هذه التصريحات الكلامية التي تمّ إطلاقها في الزيارة لا قيمة لها في الفعل السياسي، وهدفها الوحيد إبقاء إيران كقائدة لمحور المُقاومة التي تُعتبر حماس من ضمن مُركباتها، فإيران تتعامل مع حماس بوصفها ورقة من أوراق نفوذها الإقليمي مثل حزب الله والحوثيين والمليشيات العراقية، لكنّ حماس تختلف بالتأكيد عن تلك المليشيات، فهي لا تقبل أنْ تكون تابعة لإيران تبعية مُطلقة كتلك المليشيات، وهي ترى في إيران مصدراً من مصادر الدعم لها ليس إلا، وهي تقوم بمُجاملة إيران بسبب هذا الدعم لها، وهي تُحاول أن تتخذ مواقف مُستقلة عنها نوعاً ما، لكنّ إيران تضغط على حماس وتُحاول أنْ تفرض عليها أجندتها لاحتوائها والاطلاع على أسرارها.
ومن هنا تأتي تلك الزيارات المُتكرّرة لقادة حماس لطهران لتُظهر إيران أمام العالم أنّ هؤلاء القادة تابعون لها، وهذا يُفسّر تكرار تلك الزيارات التي تتكرّر فيها التصريحات والعبارات نفسها التي تُشيد بالمقاومة ومحورها، وبقائدة ذلك المحور إيران.
بيد أنّ مُشكلة قيادات حماس بالنسبة لإيران وللدول التابعة الأخرى كقطر ومصر الضاغطة على حركة حماس تكمن في انفصال القيادة الخارجية للحركة عن القيادة الداخلية لها، فلا تستطيع القيادات الخارجية اتخاذ القرارات بمفردها، ولا بد لها من الرجوع للقيادات داخل القطاع خاصةً في القرارات الحسّاسة، لذلك فالضغط على حماس فيه صعوبة خاصة في ظروف استثنائية كالحرب، وغالباً لا يؤتي الضغط ثماره، ومن هنا تُحاول إيران النفاذ للقيادات داخل قطاع غزة لكي تتمكّن من لعب دور رئيسي في عملية التفاوض حول النقاط الخلافية في صفقة التبادل، وأنْ تكون لها مكانة من التأثير على الأقل كمصر وقطر، وأنْ يُرجع إليها في القرارات المُهمّة المُتعلقة بشؤون الحركة.
والحقيقة أنّ إيران لا تختلف في التبعية لأمريكا والغرب عن مصر وقطر إلا بالشكل، أمّا المضمون فواحد، والأصل أنْ لا يوثق بها، لأنّها تخدم الأجندة الأمريكية كما فعلت من قبل في العراق وأفغانستان، فهي تشتم أمريكا بالكلام وتتبع توجيهاتها بالأفعال!
ولقد تسّربت في الأيام الماضية معلومات توحي بأنّ هنية قد قبل في لقاء القاهرة بمقترح أمريكي يتعلق بإطلاق سراح المحتجزين من خلال وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع لتسهيل دخول المساعدات وتخفيف معاناة سكان القطاع، لكنّ السنوار عارض ذلك وأفشل المُقترح، وأكّد للوسطاء أنه يُريد اتفاقا شاملا وليس اتفاقا محدوداً، وقال بأنّ حماس ما زالت في موقع قوة ومن حقها أن تفرض شروطها.
وهذا الموقف للسنوار جعل من قادة حماس في الخارج كهنية وخالد مشعل وكأنهم قادة شكليون لا يأبه لهما السنوار، وهو ما يعني أن التفاوض معهما لا قيمة له، وقد صرّح بذلك رئيس كيان يهود إسحاق هرتسوغ فقال بأنّ السنوار هو العمود الفقري في حرب غزة، وهو المفتاح لإطلاق سراح المحتجزين (الإسرائيليين) وأنّ كل شيء يبدأ وينتهي مع السنوار.
رأيك في الموضوع