قال وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان إن بلاده تدرس التقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ونقلت صحيفة بوليتيكو الأوروبية عنه أنّ "أرمينيا تسعى للتقرب من الغرب وسط تدهور علاقاتها مع روسيا، وأنّها تجري مناقشة فرص طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي".
وتأتي تصريحاته هذه في أعقاب تقارير صحفية أرمينية تفيد بأنّ رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان يخطط لبدء عملية تقديم طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا العام 2024.
وقاد باشينيان من قبلُ الجهود الأرمينية لبناء علاقات أعمق مع الغرب، خاصة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، وبعد ذلك على إثر تخلي روسيا عن أرمينيا ووقوفها على الحياد في حربها المصيرية مع أذربيجان والتي أدّت إلى انتصار الأخيرة عليها واستعادتها لأراضيها بعد احتلال أرمينيا لها لمدة زادت عن الثلاثين عاما.
وقد اعتمد البرلمان الأوروبي في 13 آذار/مارس قراراً يدعو إلى دعم رغبة أرمينيا في التقدم بطلب للحصول على وضع مرشح للاتحاد الأوروبي، وقال رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل إنّ الاتحاد الأوروبي وأرمينيا اتفقا على بدء العمل على توسيع طموح الشراكة، بما في ذلك في المجال الأمني.
وبسبب خسارة أرمينيا للحرب مع أذربيجان فقد فقدت أرمينيا ثقتها بروسيا تماماً بعد هذه الهزيمة الثقيلة التي مُنيت بها وبعد خسارتها لكامل إقليم ناجورنو كاراباخ ونزوح جميع سكانها الأرمن من الإقليم الذي كانوا يعتبرونه وطناً لهم والبالغ عددهم نحو 100 ألف نسمة، واضطرارهم إلى اللجوء إلى الأراضي الأرمينية.
وكانت روسيا طوال العقود الثلاثة الماضية تلعب دور الضامن لأرمينيا في بقاء احتلالها للإقليم، والحامي لحدودها من هجوم أذربيجان عليها من خلال اتفاقية الدفاع المُشترك المُوقعة بين البلدين، لكنّ روسيا وبسبب انشغالها بحرب أوكرانيا تخلت عن حمايتها لأرمينيا فكان ذلك سبباً رئيسياً في خسارتها الحرب مع أذربيجان، فشعرت أرمينيا بمرارة الهزيمة واعتبرت أنّ روسيا هي المُتسبّبة فيها.
لا شك أنّ لروسيا نفوذا كبيراً في أرمينيا يمتد إلى أكثر من سبعين عاماً مُنذ ضمها للاتحاد السوفياتي، ومن الصعب على أرمينيا أنْ تتخلّص من هذا النفوذ العميق بسهولة، بل إنّ بقاء النفوذ الروسي في أرمينيا ما زال يمنح أرمينيا مكاسب اقتصادية كبيرة، وقد بلغت حصة روسيا في حجم تجارتها الخارجية مع أرمينيا في العام 2023 ما نسبته 43٪، بينما بلغت حصة الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية معها أقل من 13٪.
وأرمينيا هي عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي التابع لروسيا، ولا تستطيع أرمينيا التخلي عن عضويتها في هذا الاتحاد، فلديها علاقات اقتصادية وثيقة للغاية مع روسيا ومع الدول الأخرى الأعضاء فيه، ومن الصعوبة بمكان انفصال أرمينيا عن مُحيطها الأوراسي وعن روسيا قائدة الاتحاد.
وأمّا أهداف الاتحاد الأوروبي من توسيع علاقاته مع أرمينيا فلا ترقى إلى مُستوى ضمّها إلى الاتحاد، وأقصى ما يمكن أنْ يمنحه الاتحاد لأرمينيا هو منحها بعض الامتيازات التجارية والاقتصادية، وبالمُقابل يُريد الاتحاد الأوروبي لقاء تلك الامتيازات اختراق المنظومة الأمنية الأرمينية المُرتبطة بالمنظومة الأمنية الروسية، بمعنى أنّ أوروبا تُريد إدخال نفوذها داخل أرمينيا لمُواجهة ومُنافسة وإضعاف النفوذ الروسي فيها.
فمن ناحية عملية لا يُمكن لأرمينيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى أي منظومة إقليمية أخرى طالما هي مُنضوية في منظومة الاتحاد الأوراسي الروسية.
ولمّا كان من الصعوبة بمكان على أرمينيا الخروج من الاتحاد الأوراسي لتشابك العلاقات والمصالح والمنافع بينهما فإنّه من الصعوبة عليها في الوقت نفسه الانضمام للاتحاد الأوروبي لأنّها مُكبلة باتفاقيات وارتباطات مُتشعبة مع روسيا ومع اتحادها الأوراسي.
وروسيا من جهتها تضغط على أرمينيا بما لديها من ثقل اقتصادي عليها لمنعها من الانخراط في أي اتحاد اقتصادي غير اتحادها الأوراسي، فهي تُدير قطاعات كبيرة من اقتصاد أرمينيا، وتُهدّد أرمينيا بالعقوبات القاسية إنْ هي قطعت أشواطاً في الطريق نحو الاندماج مع أوروبا وقطع الصلات مع روسيا.
وما يحدّ من قدرة أرمينيا على الانفلات من القبضة الروسية هو صغر حجمها وفقرها وضعفها، فعدد سكانّها يقل عن ثلاثة ملايين نسمة، وهي دولة فقيرة اقتصادياً فلا يوجد فيها نفط ولا غاز ولا ثروات ولا زراعة، وهي عالة على روسيا فيما يتعلق بمستورداتها من الطاقة والأغذية، كما أنّها دولة حبيسة لا منافذ بحرية لديها.
وهناك أيضاً تأثير جيوسياسي عليها من قبل دولة أذربيجان المُجاورة لها والتي انتصرت عليها في الحرب الأخيرة، واستردت جميع أراضيها في إقليم ناجورنو كاراباخ، وأذلتها، وأطاحت بكبريائها، وفوق ذلك فأذربيجان مُتحالفة مع تركيا وكيان يهود، ولديها مكانتها الاقتصادية العليا بالنسبة للأمريكيين والروس والأوروبيين على حدٍ سواء، فهي تملك الغاز والنفط والخطوط الناقلة، كما تملك دول الجوار المؤيدة لها، وبمعنى آخر فإنّ ما تملكه أذربيجان من إمكانيات اقتصادية هائلة تجعل القوى الدولية تُفضّل التعامل معها لما يجلبه هذا التعامل من فوائد ومنافع جمّة لهذه الدول التي تنظر إلى أرمينيا بمنظار الكسب والخسارة فتجدها مُفتقرة لكل شيء، إذ لا تملك شيئاً يُغري تلك القوى بالتعامل معها مُقارنة بأذربيجان.
رأيك في الموضوع