دأبت إيران على إجراء مناورات جوية وبرية بين الحين والآخر، وجاءت هذه المرة تحت شعار (معا من أجل الأمن والسلام) بالاشتراك مع كل من الصين وروسيا على مساحة 17 ألف كيلومتر مربع شمالي المحيط الهندي وخليج عُمان. وأعلن مصطفى تاج الديني الناطق باسم المناورات المعروفة بـ(حزام الأمن البحري المركب 2024) أنّ النسخة الرابعة منها ترمي إلى ضمان الأمن بالمنطقة، وتوسيع التعاون مع الحلفاء، وأنّها تهدف إلى تعزيز التجارة الدولية ومكافحة القرصنة والإرهاب البحري وتبادل المعلومات في مجال الإنقاذ.
ولدى إشارته إلى مشاركة (دول صديقة) في المُناورات مثل باكستان وسلطنة عمان وكازاخستان وأذربيجان وجنوب أفريقيا بصفة مراقب، أكّد تاج الديني أنّ التدريبات ستشمل التعاون المشترك للقيام بمُهمّات إنقاذ السفن من الحرائق، والاختطاف، والرماية على أهداف محددة، وإطلاق نار ليلي على أهداف جوية، وتحظى هذه المناورات التي أجرتها الدول الثلاث في الفترة بين 11 و15 آذار/مارس الجاري باهتمام كبير من جميع القوى الدولية والإقليمية، وكانت هذه الدول الثلاث نفسها قد سبق وأنْ نفّذت منذ 2019 عدة مناورات بحرية مشتركة في المحيطين الهندي والأطلسي وبحر عُمان.
وتجري هذه التدريبات الحالية في ظل التوترات الإقليمية الناجمة عن حرب غزة، وتمّ اختيار منطقة المناورات بحيث اختيرت بعناية بالغة إذ تتوسط المضائق (الذهبية) الثلاثة وهي: هرمز وباب المندب وملقا، وهو ما يزيد من أهمية الحزام الأمني فلقد اختيرت المنطقة بعناية بالغة في منطقة شمالي المحيط الهندي لضمان مرور السفن التجارية ولا سيما تدفق الطاقة العالمية، وتُنفذ هذه المُناورات في خليج عُمان الذي يربط بحر العرب والمحيط الهندي بمضيق هرمز وفي المياه الخليجية، كما أنّه يتوسّط دول الخليج كعُمان والإمارات مع باكستان وإيران.
وأوضح مسؤول إيراني آخر أنّ المناورات الجارية تأتي أهمّيّتها من تزامنها مع الحرب المتواصلة على غزة وتداعياتها، ومع ما وصفه بــ(غطرسة) التحالف الأمريكي البريطاني في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي والمياه الإقليمية، وتُشارك عدد من المدمّرات والسفن الحربية من بحريتي الجيش والحرس الثوري ووحدات الطيران الإيراني إلى جانب سفن حربية وطائرات من روسيا والصين.
واعتبر بعض المُراقبين أنّ لهذه المُناورة حضورا عسكريا روسيا في المحيط الهندي وفي المياه الإقليمية يُعتبرُ تحدّياً للهيمنة البحرية الغربية، وبالذات تحدّياً للهيمنة الأمريكية.
وشارك في المُناورات أكثر من 20 سفينة ومجموعة زوارق قتالية تابعة للدول الثلاث، ومن ضمن تلك السفن الحربية التي شاركت في المُناورات الطراد الصاروخي الروسي فارياغ والفرقاطة الروسية مارشال شابوشنيكوف من الأسطول الروسي المُتمركز في المحيط الهادئ، وأمّا الصين فأرسلت سفينتين مُزوّدتين بصواريخ مُوجّهة وسفينة إمداد.
فالأهداف التفصيلية المُعلنة لهذه المُناورات واضحة وهي: القيام بتدريبات تتضمّن التعاون المشترك للقيام بمُهمّات إنقاذ السفن من الحرائق، والاختطاف، والرماية على أهداف محددة، وإطلاق نار ليلي على أهداف جوية. وأمّا الأهداف العامة فهي أيضاً واضحة وهي: ضمان الأمن بالمنطقة، وتوسيع التعاون مع الحلفاء، وتعزيز التجارة الدولية ومكافحة القرصنة والإرهاب البحري وتبادل المعلومات في مجال الإنقاذ.
وأمّا الدوافع فهي الأهم لأنّها تُرسل رسائل إلى أطراف دولية وإقليمية تُثبت الحضور القوي لهذه الدول الثلاث، ودوافع كل واحدة منها مُختلفة عن الأخرى، فروسيا تُريد إثبات قدراتها المُتميّزة في منطقة ليست لها، ولا تابعة لنفوذها وذلك من أجل إضفاء الصفة العالمية عليها، وهي تستفيد من المنطقة الجغرافية الحساسة التي تجري فيها المُناورات والتي تبعد عنها كثيراً من أجل إسماع العالم بتحركات أساطيلها وبقدراتها التسليحية.
والصين وجدت نفسها كقوة عسكرية إقليمية تخرج من مجالها الحيوي، وتستفيد من إيران وروسيا التي تلتصق بهما ليكون لديها حضور ذو بعد دولي من خلال هذه المُناورات.
وأمّا إيران فهي تُعززّ قوتها بهذه المُناورات باشتراكها مع قوتين دوليتين كبيرتين، وتُعلن أنّها قادرة على نشر قواتها معهما بوصفها صاحبة المياه أو قل هي الأقرب لأن تكون صاحبة المياه التي تُجرى فيها المُناورات.
لكنّ الدوافع لهذه الدول الثلاث لأنْ تُثبت حضوراً لافتاً لها من خلال هذه المُناورات تُثبت أنها قوى إقليمية وليست عالمية، لأنّ إيران دولة إقليمية تدور في فلك أمريكا وتستضيف روسيا والصين فتُضخّم من دورها وتُقزّم من دور روسيا والصين، لأنّ المُناورة تظهر وكأنّها بقيادة وتنسيق من إيران، وفي هذا تقزيم للدورين الروسي والصيني.
فدوافع هذه الدول قاصرة من المُناورات، فلم تلتفت لها أمريكا وبريطانيا وهما تدكّان اليمن بصواريخهما وما هما عن مُناورات هذه الدول ببعيدتان!
إنّ وجود إيران بين روسيا والصين في المُناورات قلّل من شأنها، وجعلها مُجرد مُناورات روتينية لا تُخيف أحداً، وكان الأجدر بالصين وروسيا أنْ تقودا مُناوراتهما بمعزل عن إيران لكي تظهر السمة العالمية لها، أما انسياقهما لدى إيران في المُناورات فهذا يُقلّل من هيبتهما.
ثمّ إنّ كل الدول الأخرى المُستضافة في المُناورات هي دول تابعة لأمريكا وبريطانيا كالإمارات وباكستان وعمان وحضورها أفسد تلك الدوافع، وجعل من تلك المُناورات مُجرّد ظلال لتوابع أمريكا في المُحيط الهندي والهادي.
رأيك في الموضوع