"إن لدى السلطة الفلسطينية فرصة للقيام بما هو متوقع منها في جنين، ولكن أينما يتوجب علينا التحرك فلن نتردد"، هذا ما صرح به وزير جيش كيان يهود يؤاف غالانت فور إعلان انتهاء العملية العسكرية في مدينة جنين ومخيمها، أما إعلام كيان يهود فنشر "أن العمليات العسكرية في جنين تم تجميدها لإعطاء فرصة للأجهزة الأمنية الفلسطينية لفرض سيطرتها على المنطقة، وأن المستوى السياسي أصدر أمراً للجيش وجهاز الشاباك وحرس الحدود بتجميد النشاط الأمني الاستباقي في جنين، من أجل إعطاء السلطة الفلسطينية وأجهزتها فرصة للتعامل مع المنطقة المشبعة بالمسلحين، وإعادة القبضة التي فقدتها في الميدان"، وهذا ما أكدته السلطة بأفعالها على الأرض حيث قامت بنشر أجهزتها الأمنية فور انسحاب جيش كيان يهود ومن ثم شرعت في شن حملة اعتقالات ومطاردة للمجاهدين.
وقد جاءت هذه العملية العسكرية الهمجية بغطاء أمريكي واضح وعلني على لسان وزارة الخارجية والحكومة الأمريكية التي أعلنت أنها تحترم حق دولة يهود في الدفاع عن نفسها في تناغم لافت بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو سيئة المكانة والتركيبة السياسية بالنسبة لبايدن وحكومته! وقد ظهر ذلك التناغم قبل العملية، حيث تم إخبارهم بها وكذلك خلال العملية وبعد انتهائها، وهذا يظهر أن ما حصل جاء ضمن رغبة أمريكا في تمكين السلطة من إعادة السيطرة على المدن، وهو التوجه الذي حمله وزير خارجيتها أنتوني بلينكن بداية هذا العام خلال زيارته إلى السلطة وكيان يهود والتي كان عنوانها تهدئة التصعيد في الضفة الغربية وتمكين السلطة من إعادة السيطرة على مدن شمال الضفة، وقد تضمن طرح بلينكن مخططاً عرف بمخطط الجنرال مايك فينزل، وهو المنسق الأمني الأمريكي بين السلطة وكيان يهود ويهدف لإنشاء قوة أمنية خاصة يتمّ تدريبها وإرسالها إلى المدينتين للمواجهة مع المجموعات المسلحة بهدف هزيمتها والقضاء عليها، وقد تم التأكيد على ذلك التوجه في ضبط التصعيد ومنع تفجر الأحداث ودعم السلطة في فرض سيطرتها على المدن في اجتماع العقبة الخماسي الذي جاء في شهر شباط، أي في الشهر التالي لزيارة بلينكن، ومن ثم في قمة شرم الشيخ التي عقدت في شهر آذار.
وهنا يمكن القول إن ما حصل من هجوم عسكري على جنين هو محصلة تطبيق تفاهمات العقبة وشرم الشيخ، حيث باتت أهداف الطرفين، كيان يهود والسلطة، واحدة وهي القضاء على ظاهرة المقاومة واغتيال المجاهدين، وإن كانت لنتنياهو حساباته الخاصة المتعلقة بإرضاء تحالفه القومي التوراتي وإظهار حكومته بمظهر القوة وكذلك تجاوز الاحتجاجات المستمرة على التعديلات القضائية التي يعكف على إجرائها وأيضاً تلطيف الأجواء مع بايدن الذي قَبِل أخيراً بعد إعلان وقف العمليات العسكرية في مراكز المدن والسماح للسلطة بالسيطرة وفرض سيادتها الأمنية بدعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، وهي الدعوة التي تأخرت شهوراً عدة ضمن البروتوكول المعتاد، أما السلطة فهي متلهفة لإعادة شيء من هيبتها وسطوتها الأمنية على المدن التي تفضل استلامها خالية من المسلحين على قتالهم، وهذا ما فشل كيان يهود بتحقيقه حتى في عمليته الأخيرة.
لقد كشف الهجوم الأخير على جنين ومخيمها أن السلطة لم تكتف بالوقوف موقف المتفرج على ما يحدث دون تحريك أجهزتها الأمنية التي ينفق عليها من أموال أهل فلسطين لحمايتهم، لم تكتف بذلك بل أصبحت تجاهر بدورها الوظيفي المكمل لدور المحتل فتعمل على إنجاز ما عجز عنه أو إكمال ما تركه ناقصاً دون أن تلتفت للرأي العام الغاضب جداً من أفعالها، فهي باتت تعتبر وجودها إنجازاً يجب الحفاظ عليه مهما كلف الثمن ولو كان قتال أهل فلسطين، وهي ترى أن هذا الدور الخادم للمحتل هو الذي يحفظ وجودها، وهو ما أشار إليه نتنياهو حيث قال إننا لن نسمح بانهيار السلطة وسوف ندعمها، مع تأكيده على ضرورة اجتثاث فكرة دولة فلسطينية، أي أنه يريد الحفاظ عليها لدورها الوظيفي الأمني وليس لمستقبلها السياسي الذي قضي عليه بالاستيطان الذي لم يبق متسعاً لدولة ولا لشبه دولة، فقد تجاوز عدد الوحدات الجديدة هذا العام لوحده 12 ألف وحدة استيطانية.
والسلطة على حالها السياسي السيئ فلا أفق سياسي يظلها ولا حاضنة تحميها ولا مشروع تتمترس خلفه إلا أنها قادرة على إلحاق ضرر بالمجاهدين أكثر من كيان يهود لما تمتلكه من أدوات خبيثة سواء على الصعيد الأمني أو السياسي، ولها وسط سياسي لا يهمه سوى مصالحه مهما كان الثمن، وهي قادرة على إذكاء الصراعات والتصدعات على أسس وطنية وفصائلية، وهي الآن تعتبر نفسها أمام مهمة مصيرية في جنين ونابلس وعليها إنجازها، وهذا ما تعمل عليه جاهدة ونجاحها يعتمد على موقف الناس مما تقوم به فإن وقفوا في وجه سياستها التي لا تخدم سوى كيان يهود فهي أمام مأزق وإن سكتوا عنها كان لها ما أرادت.
وفي الختام لا مخرج لأهل فلسطين من هذا الواقع المرير من كيان يهود والسلطة وحكام المسلمين والغرب وأمريكا؛ سوى تحرك جاد وواع من الأمة وجيوشها لتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود من جذوره، وإلى أن يحصل ذلك لن تتوقف المؤامرات التي تستهدف أهل فلسطين ووجودهم على هذه الأرض المباركة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع