"نحن في أزمة تاريخية تهدد بتدميرنا من الداخل، نحن في واحدة من أصعب اللحظات التي مرت بها دولة (إسرائيل).. نعلم جميعا في أعماقنا أن هذا خطر وطني كبير... الجيش (الإسرائيلي) هو جيشنا جميعا، إنه يحمينا، إنه حيوي بالنسبة لنا، إنه مهم لنا.. ونأمل بشدة أن يبقى الجيش خارج النقاش". بهذه الكلمات وصف إسحاق هرتسوغ رئيس كيان يهود الأزمة الداخلية التي يمر بها كيانهم وذلك في لقاء طارئ عقده مع 100 رئيس سلطة محلية في كيانهم.
تظهر هذه الكلمات مدى التخوف عند قادة كيان يهود مما يحصل داخل كيانهم وأن هرتسوغ وإن كان يتعمد التحذير الشديد لدفع المعسكرين؛ الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو والمعارضة بقيادة لبيد ورفاقه للجلوس والتفاوض للخروج من الأزمة الحالية التي باتت لها تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة، ولكن هذه الكلمات أيضا لها واقع سياسي بات كابوساً يهدد تماسك كيان مصطنع لا يحتمل وجوده الشاذ والطارئ أي أزمات داخلية فكيف الحال والأزمة قد تطورت إلى الاقتراب من اضطراب في عمل المؤسسة العسكرية وشلل كامل في شتى المجالات الخدماتية والصحية والتعليمية والاقتصادية ومظاهرات مناهضة ومؤيدة تنذر بمواجهة على مستوى الشعب أو حرب أهلية؟! طبيعي عندها أن يكون لهذه التصريحات واقع يقض مضاجع هرتسوغ وغيره من قادة الكيان.
لقد شكلت الاحتجاجات التي وصفت بغير المسبوقة وما رافقها من تمرد في المؤسسات أزمة سياسية أخذ صداها يتردد خارج كيان يهود خاصة بين حلفائه من الدول الكبرى والأنظمة المحيطة به، وهم بين متخوف على مصيره وبين محذر من تبعات خطيرة على حاضره ومستقبله في ظل الحكومة الحالية. وسوف نقف على حقيقة ما يحصل مع ملاحظة أن الشأن الداخلي لهذا الكيان الغاصب ليس محط اهتمام فهو كيان غاصب بكل مكوناته وتفصيلاته، وإزالته لا تكون إلا بقوة عسكرية تقضي عليه، ولكن سوف نقف على ما يحصل لإظهار ضعف هذا الكيان الذي يصوره البعض بأنه دولة قوية، وهو في حقيقته كيان هش في كل جوانبه.
وبعجالة ولفهم ما يحصل نستطيع القول إن هنالك انقساماً في كيان يهود على مستويين، الأول هو المستوى الشعبي حيث الناس منقسمون بين مؤيد لمعسكر اليمين الذي يضم أحزاب اليمين واليمين الديني، ويرى هذا القسم أن هذا المعسكر يمثل توجهاته الدينية والسياسية بل وحتى قيم مجتمع يهود الرافضة للشذوذ والتحول الجنسي والانحلال الأخلاقي الكامل، وبين مؤيد للمعسكر الآخر وهو خليط من اليمين والوسط واليسار وخاصة الليبراليين، ويرى هذا القسم أن هذا الطرف يمثل توجهاته السياسية والليبرالية وقيم المجتمع الديمقراطي وحقوق الشواذ وغيرها، ويرى بأن الطرف الأول يريد تحويل الدولة من دولة ديمقراطية ليبرالية إلى دينية دكتاتورية تقصي الطرف الثاني ولا تستوعبه، بينما الأول يرى بأن هؤلاء يريدون الحيلولة دون المشروع اليهودي على كامل هذه الأرض ودون بناء الهيكل. إذاً لدينا انقسام على مستوى الشعب اليهودي، وهذا الانقسام سوف يبقى في تزايد واتساع ويعبر عنه الاحتجاجات الواسعة ضد توجهات معسكر اليمين وليس فقط التعديلات القضائية.
وهنالك انقسام على مستوى الوسط السياسي؛ طرف يعتبر أن الوقت قد حان لتنفيذ مشاريع وخطط تعتبر جزءاً من أحلام يهود في هذه الأرض ويرى بأنه صاحب القرار في ذلك دون الحاجة إلى ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية وغير مهتم برغباتها الحالية في تهدئة المنطقة ولا يقيم وزنا لرؤيتها السياسية لتسوية الصراع وإنهائه وهو ما عبر عنه بن غفير بقوله "لسنا نجمة إضافية في العلم الأمريكي"، وطرف يرى مصلحة كيانهم تكون في مسايرة أمريكا والانسجام مع سياستها وخَطب ودها والاستفادة من رغبتها في إنهاء الصراع.
وهكذا الشعب منقسم على نفسه والأوساط السياسية منقسمة على مصلحة الكيان وكيفية تحقيقها والأسلوب المتبع والتوقيت المناسب، قسم يتحرك بثمالة توراتية، وآخر يتحرك بتوجيهات أمريكية، وهذا يظهر مدى ضعف وهشاشة كيان يهود، فلا يوجد تماسك داخلي ولا انسجام في سياسته الخارجية، وقبل ذلك كله هو مرتبط بأمريكا ارتباطا عضويا وليس كياناً قائماً بذاته فإن رفع عنه الغطاء سقط وانتهى، ولذلك هو أوهن من بيت العنكبوت.
ولكن رغم ذلك الضعف لا يقال إن ما يحصل يهدد بزواله ضمن عملية تدمير ذاتي؛ لأن ما يحصل من صراع وما يفرزه من أعراض تفكك وانقسام يبقى مضبوطاً ضمن حدود لا يتخطاها لأن المصلحة المشتركة بين جميع أحزاب يهود وأمريكا والدول الكبرى وعملائها هي أن يبقى هذا الكيان كالسرطان الخبيث في جسد الأمة، فمثلاً أمريكا تريد لجم نتنياهو وتعطيل مخططاته التي ترى أنها سوف تشعل المنطقة وتشكل خطرا على يهود أنفسهم، ولذلك هي دعمت الاحتجاجات والأحزاب المعارضة وهذا أعطى زخما لتلك التحركات، وبالمناسبة أمريكا ليست حريصة على الديمقراطية كما تدعي بل على عدم حصول التعديلات القضائية التي سيكون لها فوق تحصين نتنياهو من تهم الفساد تبعات سياسية على الأرض متعلقة بالضم والمسجد الأقصى، ولكن ما إن تراجع نتنياهو حتى رحبت أمريكا ودعت إلى التفاوض لأنها تدرك أن المطالبة الشعبية بإسقاط الحكومة المنتخبة بالقوة قد يقود إلى حرب أهلية أو أزمة خطيرة.
ولذلك مهما كانت اللعبة خطرة ولكنها تبقى مضبوطة ولا تشكل خطرا وجوديا على كيان يهود ويبقى الذي يشكل الخطر الوجودي الحقيقي هو أمة الإسلام وجيوشها وليس ما يحصل داخل الكيان.
وفي الختام: من الخطأ والضعف والاستسلام انتظار سقوط العدو من الداخل حتى ولو كان يترنح، ولكن من الوعي إدراك مكامن ضعفه وإظهارها لتحفيز أصحاب القضية، وهنا الحديث عن الأمة الإسلامية للتحرك لإغلاق هذا الملف بكل تفصيلاته وجعل هذا الكيان أثراً بعد عين، فما نشاهده الآن يذكر بقول الله تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ وما نتوق إليه وندعو الأمة وجيوشها للقيام به يتجسد في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الارض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع