لقد أحدث انهيار بضعة مصارف أمريكية وسويسرية هزةً ماليةً كبيرة في الأوساط المالية العالمية أثارت ذعراً شديداً لدى المودعين، ولولا اتخاذ الدول الكبرى والبنوك المركزية إجراءات مالية ترقيعية سريعة، واستحواذ البنوك الكبرى على البنوك المنهارة لكانت تداعيتها مُرعبة، وربما تُشبه تداعيات ما حصل في أزمة الرهن العقاري عام 2008.
ومن أهم أسباب الانهيار:
1- رفع سعر الربا 2- الأسهم والسندات 3- البورصة
فمنذ 15 سنةً كان سعر الربا في وضع شبه ثابت لم يتجاوز نسبة 0.5%، ثمّ بدأت ترتفع نسبته في السنة الأخيرة لتصل هذه الأيام إلى 5%، أي تضاعفت تسع مرات في غضون عام واحد، وذلك لمعالجة مشاكل التضخم المُرتفع والنمو المتباطئ وزيادة الإنفاق الحكومي وبلوغ سقف الدين في أمريكا حاجز الـ31 تريليون دولار.
فمثلاً كان بنك سيلكون فالي يملك 189 مليار دولار منها 80 مليار في السندات الحكومية بعائد ربوي بنسبة 1.5%، وعندما بدأت نسبة الربا بالارتفاع المفرط صار البنك يدفع نسبة أعلى للمودعين بحسب سعر الصرف الجديد، بينما كانت اقتراضاته بنسبة منخفضة قريبة من الصفر، فلم تعد عنده سيولة كافية لمواجهة الطلبات المتزايدة للمودعين الذين يسحبون أموالهم، خاصةً مع تراجع الاستثمارات في حقل التكنولوجيا وتراجع الإيداع، فاضطر البنك عندها لبيع سندات بقيمة 21 مليار دولار بخسارة 1.8 مليار دولار.
ولكن هذا البيع بخسارة أيضاً لم يكف لتلبية طلبات السحب للمودعين، فأعلن عن نيته إصدار سندات جديدة بقيمة 2.25 مليار دولار وذلك لسد الفجوة التمويلية، فانكشفت حقيقة وضعه المالي الصعب، وعجزه عن توفير السيولة، ما أدّى إلى انتشار حالة من الهلع في صفوف زبائن البنك أسفرت عن فقدان الثقة بالبنك نهائياً، فتدفقت طلبات آلاف المودعين لسحب أموالهم، وسُحب في يومٍ واحد من البنك 42 مليار دولار فانهارت أسهم البنك بالبورصة.
وانهار أيضاً ثاني أكبر بنك سويسري وهو بنك كريدي سويس الذي عمره 167 سنة لأسباب مماثلة.
وانهار كذلك بنكان أمريكيان آخران هما سيغنتشر وسيلفرغيت وحصل لهما ما حصل لبنك سيلكون فالي، وكاد أن يسقط بنك أمريكي رابع هو بنك فيرست ريبابليك المتعثر لولا أنّه دُعم من 11 بنكاً أمريكياً كبيراً بقيادة جي بي مورغان وسيتي غروب الذين ضخّوا 30 مليار دولار فيه ما حماه من السقوط.
وقامت 6 بنوك مركزية رئيسية في العالم بتنسيق خطواتها وتوفير السيولة وتعزيز تدفق الدولار الأمريكي عبر النظام العالمي لمنع انتقال عدوى الانهيار إلى بنوك تجارية أخرى، وهذه البنوك المركزية هي: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان وبنك كندا وبنك سويسرا الوطني.
وكان ضخ الأموال والاستحواذ في النظام المالي الرأسمالي هو أهم علاج لمشكلة البنوك المنهارة، فاستحوذ بنك يو إس بي السويسري على بنك كريدي سويس السويسري المنهار واستحوذت بنوك أمريكية على نظيرتها المنهارة.
نتائج هذه الانهيارات:
1- ألغت شركات التكنولوجيا الناشئة أكثر من 330 ألف وظيفة منها 90 ألف وظيفة منذ مطلع العام فقط، وهذا أدّى إلى زيادة البطالة.
2- تبخرت أموال صغار المودعين بالملايين، أمّا كبارهم الذين يودعون مبالغ تزيد عن 250 ألف دولار فهي مؤمّنة ولا تخسر.
3- خسارة أموال كثيرة تخص البنوك الخليجية المساهمة في بنك كريدي سويس وهي ثلاثة: البنك الأهلي السعودي وبنك قطر للاستثمار ومجموعة العليان السعودية.
أمّا مجموعة هاريس فقد باعت كل حصتها في بنك كريدي سويس قبل ثلاثة أشهر من انهياره، وفي ذلك دلالة على تآمر كبار الربويين على البنوك الخليجية التي تمّ تغييبها عن حقيقة انهيار البنك المذكور.
4- البنوك الكبيرة في العالم الرأسمالي الربوي أصبحت تبتلع البنوك الصغيرة فلا حياة في هذا العالم المتوحش إلا للحيتان الكبيرة.
أمّا ما هو العلاج؟
إنّ العلاج لهذه الانهيارات البنكية وضياع الأموال لا يوجد إلا في الإسلام، لأنّه الوحيد الذي يمتلك رؤية شرعية واضحة تحمي أموال المالكين الصغار والكبار على حدٍ سواء، فهو يُحرّم الربا، ويُحرّم البورصات والشركات المساهمة، ولا يجيز الأوراق المالية الإلزامية، ونقده يجب أن يكون ذهبا أو فضة أو كليهما أو ما ينوب عنهما، فلو وجدت الدولة الإسلامية التي تطبق هذه الأحكام الشرعية في الاقتصاد، فلا يمكن أن يجري فيها أي ضياع للأموال كما يحصل في النظام الرأسمالي، وذلك لهذه الأسباب التي ذكرناها أعلاه.
رأيك في الموضوع