"صمود وتنمية" كان العنوان الذي اختارته جامعة الدول العربية لمؤتمرها الأخير في القاهرة حول القدس، والذي جاء تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في دورته الأخيرة العام الماضي، وكذلك القمة العربية في الجزائر، وقد أكدت الجامعة العربية، أن دعم المقدسيين سياسياً واقتصادياً من خلال الاستثمارات، واجب على العرب، وعلى كل محبي وأنصار السلام في العالم، وهو ما اعتبرته الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين والسلطة والفصائل الفلسطينية انتصاراً للقضية ولمدينة القدس، في نفاق سياسي وتضليل مكشوفين مفضوحين، وسوف نبين خلال هذه المقالة حقيقة تلك القمة والدور الذي بات يلعبه النظام المصري في الآونة الأخيرة.
ونبدأ مع الجانب السياسي للمؤتمر والدافع وراء عقده:
يأتي هذا المؤتمر عقب التحركات الأمريكية الأخيرة في المنطقة، التي جاءت بشكل مكثف لضبط الأوضاع وإدارة الملف بعيداً عن وقائع سياسية من قبيل الضم أو تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وغيرها من المخططات الموضوعة على طاولة كيان يهود، والتي قد تفجر الأحداث بشكل يجعل قضية فلسطين تفرض نفسها على أولويات السياسة الأمريكية المشغولة حالياً بملفات كبرى وعلى رأسها الصين وروسيا وما يحصل في أوروبا، وهذا المؤتمر يأتي ضمن ذلك الإطار ولكن هنالك خصوصية لملف القدس.
فالأنظار حالياً موجهة إلى القدس خاصة مع اقتراب شهر رمضان الذي يتزامن مع الأعياد اليهودية المزعومة وارتفاع احتمالية تفجر الأوضاع في ظل وجود حكومة يمينية نشأت بناءً على تحالفات واتفاقات وتوصيات وتعهدات جانب منها متعلق بالقدس والمسجد الأقصى، وهي جادة في مخططاتها، فها هو نتنياهو رغم الظهور بشكل إيجابي أمام المطالبة الأمريكية بمنع أي إجراءات تقضي على حل الدولتين سياسياً إلا أنه على الأرض ماضٍ في تلك السياسات التي يرى أن الوقت قد حان لتنفيذها، وليس آخر ذلك المصادقة قبل أيام على 10 آلاف وحدة استيطانية في الضفة، إضافة إلى الأزمة الداخلية المتصاعدة في كيان يهود واحتمالية لجوء نتنياهو وحكومته للهروب منها بالتصعيد في الضفة والقدس، ولذلك يأتي هذا المؤتمر كنوع من الضغط الخجول والذليل على كيان يهود لمنع مزيد من التهور.
وهذا ظاهر في تصريحات السيسي وعبد الله واستجدائهم كيان يهود لمنع مزيد من التصعيد ومنع تفجر الأوضاع في الضفة والقدس، ومنع تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وعدم القضاء على أفق السلام وفق حل الدولتين الذي يعتبر في نظر تلك الأنظمة الحل الأنسب لإنهاء الصراع وتصفية القضية والحفاظ على بقاء ووجود كيان يهود وعروشهم المهترئة أطول فترة ممكنة، وكذلك محاولة خداع الرأي العام في بلاد المسلمين بأن الأنظمة تتحرك ولا تقف ساكتة على ما يقوم به كيان يهود، ولكن هذا الجزء بات مكشوفا وواضحا حتى للبسطاء.
نأتي إلى طبيعة دور النظام المصري الراعي للمؤتمر:
نظرة سريعة إلى دور النظام المصري في المنطقة، وبخصوص قضية فلسطين يتضح أنه دور متآمر وعميل، وبشيء من التعمق في تحركاته يتضح أنه خطير وخبيث بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لوزن ذلك النظام في المنطقة وكذلك للأهداف التي يسعى لتحقيقها، فالنظام المصري يحكم بلداً له وزن سياسي في المنطقة وتأثير قوي بخصوص قضية فلسطين، فهو على اتصال جغرافي مباشر مع الأرض المباركة، وله تأثير كبير على الفصائل في قطاع غزة وقد استدعاهم قبل أيام إلى القاهرة للجلوس وتدارس الوضع وتنسيق التحركات مع جهاز المخابرات وقادته، وهو يتحكم بمعبر رفح الشريان الرئيسي للقطاع، وله علاقات وثيقة مع كيان يهود لا تتوقف، بل ودون خجل كان هنالك اجتماع بالتزامن مع مؤتمر دعم القدس للتباحث مع كيان يهود حول زيادة كميات الغاز المسال الذي ينهبه كيان يهود من شرق المتوسط ويحوله إلى محطات الإسالة في مصر لبيعه وضخه إلى أوروبا.
أما الأهداف، فهو يخدم بإخلاص وتفانٍ الولايات المتحدة في إدارة الملف ومنع تفجر الأوضاع، وذلك بالضغط على كيان يهود لمنع مزيد من التصعيد، وكذلك الضغط على الفصائل لمنع التصعيد رداً على جرائم كيان يهود هو الحاصل رغم كثرة وقسوة الجرائم التي يرتكبها بشكل شبه يومي في الأرض المباركة، ولكن الأخطر من ذلك كله هو تحويل قرار الفصائل ليكون ضمن توجهاته السياسية وهذا أمر شديد الخطورة وعلى الفصائل الحذر منه، فإن أصبح قرار الفصائل في يد النظام المصري فإن ذلك يعني تجميد عملها كما هو حاصل الآن، وإن حصل وكان هنالك ضوء أخضر منه للرد فسيكون ضمن توجهات أمريكا في التعامل مع حكومة يهود والضغط عليها أو إسقاطها، وهكذا يعمل النظام المصري المجرم على تحويل المعارك والتضحيات والأعمال الجهادية بأمر أمريكا إلى ورقة للتأثير على السياسة الداخلية لكيان يهود بدل أن تكون تلك التضحيات لتحرير الأرض المباركة باستنهاض الأمة وجيوشها، أي تحويل الصراع من صراع مع كيان يهود ككيان مغتصب للأرض المباركة تجب إزالته إلى صراع مع حكومة تحكمه، وهذا أمر خطير جداً على الفصائل الحذر منه.
وفي الختام: إن هذا المؤتمر والتوصيات التي خرج بها تعبر عن مدى خيانة تلك الأنظمة وتفريطها بقضية فلسطين ليس حديثاً بل منذ نشأة جامعة الدول العربية؛ ففي عام 1946 عقد أول اجتماع لها "قمة أنشاص" وكان عنوانها "قضية فلسطين عنوان العرب"، وأن الهدف منها هو منع الهجرة اليهودية، وبعد عامين سلمت تلك الأنظمة فلسطين ليهود بمسرحية هُزِمت فيها ست جيوش عربية! وهي اليوم تكرر الشعارات ذاتها، وهي في الحقيقة تريد تثبيت كيان يهود على معظم فلسطين بمطالبتها بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومشروع الدولتين، وتريد للأرض المباركة احتلالاً ثانياً وثالثاً ورابعاً بمطالبتها بما يسمى بالحماية الدولية، وهذا لا يغطيه ذلك التسول الرخيص بجمع بعض فتات المال من المستثمرين والصناديق السيادية بذريعة دعم القدس!
إن هذه القمم هي جزء من التآمر على هذه القضية، وهي لا ترد معتدياً ولا تمنع خطراً، والأوضاع في فلسطين جد خطيرة، وأهل فلسطين يستنصرون الأمة وجيوشها لإنهاء هذه المهازل والتحرك الفوري لتحريرها قبل أن يذكر في تاريخ هذه الأمة مزيد من الذل والهوان في أرضها المباركة ومسرى نبيها ﷺ.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع