رفع مصرف سـوريا المركزي، الأحد 5 شباط، سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية، من 6650 إلى 6800 ليرة. وجاءت التسعيرة الجديدة بعد مضي ثلاثة أيام فقط، من رفع المركزي سعر صرف الدولار من 4522 إلى 6650 ليرة سورية. وفي شهر كانون الثاني/يناير الماضي، رفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار الرسمي إلى 4522 ليرة سورية، بدلاً من 3015 ليرة، وتهاوى سعر صرف الليرة السورية، في افتتاح تعاملات الأحد 5 شباط/فبراير، بنحو 50 ليرة متجاوزا عتبة 7 آلاف ليرة، أمام الدولار الأمريكي.
يأتي هذا الانهيار في قيمة الليرة السورية في ظل شلل البلاد وغياب الخدمات وانقطاع الكهرباء المتواصل وفقدان الوقود في الوقت الذي تمر به البلاد بموجة برد وثلوج تغطي معظمها. ويترافق الانهيار الاقتصادي مع التصريحات التركية الوقحة والمتواصلة عن التطبيع والمصالحة مع نظام بشار السفاح الذي دمّر البلاد وهجّر الناس وأوصل الحالة الاقتصادية لمن بقي منهم إلى حافة الهاوية، فحوّل البلاد إلى أرض لا يمكن العيش فيها.
وفي هذا المقال أريد تسليط الضوء على الجانب الاقتصادي بسبب التحذيرات الكبيرة التي بدأت تصدر بداية عام 2023 وتوقّع انهيار النظام السوري اقتصاديا، وقبل ذلك يجب معرفة واقع هذا الاقتصاد وبنيته والأساس القائم عليه.
فقد أصدر طاغية الشام قانون الموازنة العامة لعام 2023م بمبلغ إجمالي 5,4 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 3015 للدولار الواحد، وكان مصرف سوريا المركزي قد أعلن في 2/1/2023 أنه خفض سعر صرف الليرة الرسمي مقابل الدولار إلى 4522 ليرة، واتبعه بعد أيام قليلة قرار مصرف سوريا المركزي خفض سعر صرف الليرة إلى 6650 ليرة سورية للدولار وهو قريب من سعر الصرف الحقيقي في السوق السوداء والمستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية والبالغ حاليا 6900 ليرة، وهي نتيجة كان لا بد من الوصول إليها بعد شن النظام حربه المجنونة على أهل الشام المطالبين بتغيير النظام، واستدعاء المليشيات والجيوش من الخارج وصرف أموال الدولة على تمويل هذه الحرب.
يصنف البنك الدولي الاقتصاد السوري على أنه ذو أدنى مستوى دخل متوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالاقتصاد السوري تديره الدولة بشكل أساسي، ومع استلام بشار دفة الحكم خلفا لأبيه عام 2000م قام بخصخصة عدد من القطاعات الاقتصادية، ومع ذلك بقي الاقتصاد السوري يرزح تحت مجموعة من القوانين الاقتصادية الاشتراكية التي تلغي جميع الملكيات وتحافظ على ملكية الدولة، وبوصول بشار للحكم بدأت حقبة جديدة من التحول نحو الاقتصاد الحر والسماح بالملكية الخاصة ما فتح جزئيا وبشكل بسيط للاستثمارات الخارجية ودخول البنوك الخاصة حتى وصلت إلى 14 بنكا عدا عن البنوك العامة التابعة للدولة.
تقول بيانات البنك الدولي إن الناتج المحلي لسوريا بلغ 57,2 مليار دولار عام 2010، وتمثل الزراعة ما نسبته 32% منه، والصناعة 30%، والخدمات 46%، وفق إحصائيات عام 2009، وقد كان للحرب التي شنها النظام على أهل الشام منذ عام 2011م أثر كبير على الاقتصاد السوري حيث أشارت التقديرات إلى عطالة ما يزيد عن 60% من الأيدي العاملة بالتزامن مع وصول خط الفقر الكلي إلى 83% عام 2014 مقارنة مع 12,4% عام 2007 وهو ما تسبب في انعدام القدرة الشرائية، وهذه الإحصائية قديمة فما بالنا بالعام 2023، وبحسب البنك الدولي فإن الأسباب الأساسية للفقر في سوريا هي فقدان الممتلكات والوظائف وانعدام إمكانية الحصول على الخدمات العامة وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتشير أبحاث إلى أن الخسائر الاقتصادية المتراكمة منذ اندلاع الثورة عام 2011م وصلت إلى 229% من الناتج الإجمالي المحلي لسوريا في عام 2010م، حيث كانت صادرات السلع والخدمات 35% من الناتج المحلي أو 20,9 مليار دولار، وتصدّر سوريا الوقود بشكل أساسي وخامات الحديد والمعادن وبعض المنتجات الزراعية كالفواكه وألياف القطن والملابس واللحوم والقمح والحيوانات الحية، أما وارداتها بشكل أساسي فهي الآلات ومعدات النقل والكيماويات، وهذا يؤشر إلى أن التوازن المالي لسوريا سلبي منذ سنوات، ونظرا لاستمرار العنف وتدهور الاقتصاد أصبح الميزان المالي أسوأ من أي وقت مضى، ومع تراجع الإيرادات وبقاء مستوى الإنفاق الحكومي عاليا أدى لزيادة العجز المالي، فقد هبطت إيرادات السياحة التي تشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010م بشكل عمودي، حيث هبط شغل الفنادق في دمشق من 90% إلى 15% خلال عام واحد، فبينما شهد العام 2010 نموا كبيرا مقارنة بالعام 2009 بزيادة 40%، فقد بلغ عدد السياح 8,5 مليون لكنه سرعان ما تراجع عام 2011 إلى 5 ملايين سائح و2,9 مليون عام 2012 وكل هذه الإحصائيات بحسب المجلس العالمي للسياحة والسفر، التي تحدثت عن اختفاء 190 ألف وظيفة خلال عامين.
أما الزراعة وهي جزء مهم من الاقتصاد السوري وكانت تمثل 22,9% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2009. فإن حوالي ثلاثة أرباع المساحة الكلية للأراضي هي أراضٍ زراعية، معظمها يستخدم كمراعٍ، 25% من المساحة الكلية للأراضي صالحة للزراعة ولكن مساحات واسعة منها مهملة بسبب نقص المياه، وتمتد الأراضي الزراعية على مساحة 13,864 هكتار، 10% منها أراضٍ مروية، و67% بعلية، و11% أراضٍ بور، وتتركز الأراضي الزراعية في الغالب على طول نهر الفرات وبشكل أقل على نهر العاصي وفي المناطق الساحلية والوسطى، وتشكل المراعي 45% من الأراضي وتشمل هذه النسبة الصحراء السورية. والمنتجات الزراعية هي القمح والقطن وحليب البقر وحليب الغنم والزيتون والبندورة والبطاطا والفستق وبيض الدجاج، وبلغت الصادرات من المنتجات الزراعية عام 2010 ما مجموعه 2 مليار دولار.
وعلى المستوى الصناعي فإن الاقتصاد السوري مشوّه بعد أن تحوّلت معامل القطاع العام إلى خردة، بينما فكّك القطاع الخاص ما استطاع من معامله ونقلها إلى تركيا ومصر والأردن. كما دمّرت الحرب معظم الجسور والطرق والخطوط الحديدية، في حين تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 90%، وكذلك الغاز والنفط الذي استعاد النظام جزءا منه ولكنه أصبح بيد الدول الداعمة إيران وروسيا، ويقوم النظام بشراء النفط من إيران التي بدأ شغلها الشاغل تحصيل الديون من حكومة النظام، حيث تتجه للاستحواذ على ما تبقى من مؤسسات ومصانع واستثمارات ما يعني خسارة الدولة لما تبقى من قطاعات إنتاجية وخدمية كانت تدر بعض العائدات المالية، في الوقت الذي تبدو فيه روسيا قد اكتفت بما حصلت عليه من موانئ وحقول غاز ونفط وفوسفات ومطارات إدراكا منها لحجم الانهيار الاقتصادي المقبل على النظام المجرم. فقد قدّر المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 800 مليار دولار أمريكي.
وبعد هذا الاستعراض البسيط لواقع البلاد السيئ قبل انطلاق الثورة والأعوام الأولى لانطلاقتها، فكيف حالها اليوم وقد تحوّلت إلى جحيم في ظل تصنيفها البلد الأول في إنتاج وتهريب المخدرات دوليا، حيث تشير بعض التقارير أن إيرادات النظام من صناعة وتجارة المخدرات تبلغ نحو 17 مليار دولار تدخل في حسابات وجيوب الطاغية وأزلامه في الوقت التي يزداد فقر أهل الشام وتصل بهم الحال لأن لا يجدوا الغذاء والدواء ويقتلهم البرد.
إن المصالحة التي يدعو لها النظام التركي مع النظام السوري المشلول بدفع من أمريكا ومباركة روسيا هي إنقاذ لبشار المجرم، وظلم كبير لأهل الشام، حيث يقوم نظام تركيا أردوغان بالحديث عن عودة آمنة وطوعية إلى كنف نظام هزيل غير قادر على تأمين الخبز والكهرباء لمواليه، فكيف سيكون مصير العائدين إلى بلد أقل ما يقال فيه إنه لم يعد صالحا للعيش البشري؟!
إن نظام الطاغية أسد نظام مهترئ آيل للسقوط رغم دعم كل دول ومنظومات المكر والتآمر والإجرام، وما على صادقي الأمة إلا أن ينظموا صفوفهم ضمن عمل جماعي منظم خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة تقودهم على هدى وبصيرة لإسقاط هذا النظام المجرم، وتتويج التضحيات بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع