في الثامن والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2022 اجتمع في موسكو وزراء دفاع روسيا سيرغي شويغو وتركيا خلوصي أكار والنظام السوري علي محمود عباس، ومعهم رؤساء أجهزة استخباراتهم، وبحثوا جميعاً في مسألة واحدة حصراً هي المسألة السورية، وركزوا فيها على نقطتين تحديداً هما مكافحة المنظمات (الإرهابية) وإعادة اللاجئين، واتفقوا على أنّ المباحثات كانت إيجابية وبنّاءة، وأكدوا على ضرورة استمرار الاجتماعات في المستقبل بزعم استقرار المنطقة، وعينوا الاجتماع القادم في موسكو بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وبين وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد.
وبعد هذا اللقاء الثلاثي قال الرئيس التركي أردوغان بأنه لم يستبعد لقاء بشار الأسد، لكن الأخير يفضل الاجتماع بالرئيس التركي بعد إجراء الانتخابات التركية المقرر إجراؤها في شهر حزيران/يونيو القادم.
وأوضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو موقف تركيا من النظام السوري بقوله "إنّه يحترم وحدة وسيادة الأراضي السورية، وأنّ بلاده عازمة على نقل السيطرة في مناطق وجودها حالياً إلى النظام السوري حالما يتحقق الاستقرار"، والتقى أوغلو بعد اللقاء الثلاثي برئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة المعارض سالم المسلط وقادة آخرين، وأكد على دعم تركيا للمعارضة بموجب القرار الأممي 2254 والذي ينص على وقف إطلاق النار ومراجعة الدستور وتنظيم الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
ولكنّ الذي يطبق من هذا القرار الدولي هو فقط بند وقف إطلاق النار.
وبينما يتم التغاضي عن إجراء الانتخابات ومراجعة الدستور، تقوم تركيا بمنع الفصائل بكل صرامة من القيام بإطلاق النار على قوات الطاغية بشار بحجة التقيد بالقرار، بينما قوات روسيا والنظام لا يتورعون عن قتل السوريين اللاجئين في المناطق المحررة ولا أحد يحاسبهم على جرائمهم.
إنّ هذا التقارب وبخطا حثيثة بين النظام التركي ونظام المجرم بشار برعاية المحتل الروسي يأتي في ظل تهالك الدولة السورية وافتقادها لقواها العسكرية والسياسية وعدم قدرتها على توفير أبسط المتطلبات المعيشية لرعاياها.
كما يأتي هذا التوافق أيضاً في ظل غرق روسيا في المستنقع الأوكراني، وعدم قدرتها على تقديم ما يحتاج إليه نظام بشار من احتياجات لبقائه على قيد الحياة، فالفرصة باتت سانحة ومهيأة لتوجيه ضربة ولو بسيطة تؤدي إلى إسقاط نظام الطاغية بشار من دون أية خسائر.
ولكن وبدلاً من أنْ تنتهز تركيا هذه الفرصة التاريخية الثمينة للإجهاز على ذلك النظام الآيل إلى السقوط والقضاء عليه، فهي تقوم بمدّه بإكسير الحياة الضروري اللازم لإحيائه وإنعاشه وإطالة عمره.
فالأهداف السياسية لدى السياسيين الأتراك باتت مقلوبة لا منطق فيها خاصة فيما يتعلق بجوارها الحيوي، فلا يوجد أي معنى سياسي لقيام تركيا بدعم النظام السوري في هذه الأثناء بالذات، لذلك فليس من الحصافة ولا الحكمة أنْ تقوم تركيا بإحياء نظام يعيش في حالة سريرية ويوشك أنْ يلفظ آخر أنفاسه.
فمن مصلحة تركيا لو كانت تملك قرارها بيدها أنْ تستغل فترة ضعف نظام بشار، وضعف داعميه، خاصة الداعم الروسي المنشغل بحربه في أوكرانيا، والداعم الإيراني المنشغل في حربه الأهلية، فمن مصلحة تركيا في هذا التوقيت بالذات أن تقوم بإسقاط النظام السوري الهش بالضربة القاضية الخاطفة، فلا تعطي المجال لأحد غيرها بملء الفراغ، فتحفظ ما تسميه بأمنها القومي بقيامها بذلك.
أمّا وقد فعلت تركيا عكس ما يجب القيام به فدعمت النظام بدلاً من إسقاطه، فهذا يدل على أنّها مأمورة، وأنّ قادتها لا يملكون الخروج من فلك تبعية دولتهم لغيرها في السياسة الخارجية.
والمدقق في سبب قيام النظام التركي بهذا التقارب مع نظام طاغية الشام في هذا الوقت بالذات لا يجد فيه سوى الولاء والخنوع لأمريكا التي وظفت كل القوى التابعة لها، والمتعاونة معها لحماية نظام بشار من السقوط، وذلك ابتداء باستخدام إيران ومليشياتها، ومروراً باستخدام الأردن وقطر والسعودية في توجيه الفصائل للانسحاب وترك الساحة لبشار وزمرته، وانتهاءً باستخدام روسيا وما تملك من قوة عسكرية كبيرة لدعم نظام بشار وحمايته من السقوط، ثمّ أخيراً باستخدام تركيا للتطبيع مع هذا النظام المتهالك ومنحه الفرصة الذهبية للنجاة من السقوط.
فتفسير هذا التقارب التركي الغريب مع النظام الفاشل في دمشق لا يمكن أن يخرج عن كونه امتثالاً للرغبة الأمريكية في إبقاء نظام الأسد، وفي إطالة عمره خوفاً من حدوث تخلخل رهيب يجتاح المنطقة حال سقوطه.
رأيك في الموضوع