قامت السعودية في الآونة الأخيرة باستحداث بطولة رياضية جديدة غير معروفة على مستوى الجماهير، ولا يوجد لها أي حضور شعبي في المنطقة، ألا وهي بطولة الغولف، وقد تكفلت السعودية بدعم هذه اللعبة بكل بذخ، والتزمت بدفع مبلغ 100 مليون دولار بشكل دوري لتمويلها.
وبالتدقيق في هذا الخبر الغريب يتبيّن أنّ سر هذه العلاقة تقف وراءه أصابع رئيس أمريكا السابق دونالد ترامب الذي اعترف صراحة بحاجة منظمته للغولف لملايين الدولارات السعودية في مُقابل حاجة محمد بن سلمان لحمايته من السقوط وهذا ما دفعه لتبني هذه اللعبة المكلفة، فهو إذاً نوع جديد من الابتزاز الأمريكي لحكام آل سعود، وقد قال ترامب ذلك بوضوح: "إنّ كل الأغنياء الذين أعرفهم أموالهم محدودة، ولا يريدون أن يخسروا 100 مليون دولار لبقية حياتهم، وإنّ السعوديين على استعداد للإنفاق في هذا الشأن، ولديها جيوب غير محدودة"، وزعم أنّ: "السعودية تحب الغولف"!
فالسعودية التي استحدثت هذه البطولة التافهة ستنفق الملايين على أحداثها المغمورة التي وصلت إلى الحدث الثالث منذ تأسيسها في تموز/يوليو الماضي، وتُشكّل حلقاتها الكثيرة المُرهقة ما يُسمّى بسلسلة: "Live Golf Invitational" ويُشاركها نادي ترامب المعروف باسم بيد مينيستر.
ولم تكتفِ السعودية بتمويلها لهذه البطولة وحسب، بل إنّها قامت أيضاً ومن خلال شركة دار الأركان بتوقيع صفقة مع منظمة ترامب بقيمة 1.6 مليار دولار لبناء مشروع ضخم للعبة الغولف في دولة عُمان يتكون من 3500 وحدة سكنية، وملعب غولف، وفندقين يضمان 450 غرفة، ومنتجع، وتمّ في هذه الصفقة استخدام العلامة التجارية لترامب الذي سيتم منحه أرباحاً مُقابل استخدام اسمه في المشروع.
ويأتي توقيع هذه الصفقة في التوقيت نفسه الذي أعلن فيه ترامب عن ترشحه رسمياً لمنصب الرئيس في انتخابات 2024.
إنّ هذا الإنفاق السخي من محمد بن سلمان لمنظمة ونادي ترامب ما هو في الحقيقة إلا عبارة عن تمويل قام به ابن سلمان لدعم حملة ترامب في الترشح للرئاسة بعد سنتين، إذ أصبحت السعودية بهذا المشروع من أكبر الممولين لحملة انتخابات الحزب الجمهوري، وأصبحت وكأنّها جزء من اللعبة الانتخابية الأمريكية.
وليس غريباً أنْ تقوم الحكومة الأمريكية بعد هذا الإنفاق السعودي السخي على ترامب وحزبه، وعلى الشركات الأمريكية المتعاقدة مع السعودية، ليس غريبا أن تقوم بمنح الحصانة القانونية لمحمد بن سلمان بما يضمن عدم ملاحقته ومساءلته على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي مستقبلا.
قد يقال إنّ الرئيس الحالي بايدن والحزب الديمقراطي لا يستفيد من هذا التمويل السعودي لترامب وللحزب الجمهوري فلماذا تقبل إذاً إدارة بايدن بمنح الحصانة لابن سلمان، والجواب نجده في طبيعة الانتخابات الأمريكية التي تسمح للممولين بدفع أموالهم لصالح الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، فالموضوع ليس ترامب وحزبه، أو بايدن وحزبه، بل الموضوع هو أمريكا بكل أحزابها، فما تدفعه السعودية من أموال ضخمة للعبة الغولف لا يستفيد منها ترامب فقط، بل تستفيد منها الشركات الأمريكية، واللاعبون الأمريكيون، والدولة الأمريكية نفسها، لذلك كانت عملية الابتزاز الأمريكي لابن سلمان تعود بإيرادات مالية ضخمة على الدولة الأمريكية لا مجال لرفضها.
وهكذا يُهدر ابن سلمان أموال المسلمين في مثل هذه الألعاب لا لشيء إلا لأجل تلبية مصالح أمريكا ولا يخدم أحداً في البلد إلا نفسه للحفاظ على منصبه، ولرفع اسمه من القائمة السوداء التي وضعتها أمريكا لملاحقة المطلوبين في ارتكاب جرائم واضحة من الصعب التكتم عليها.
فلو أنّ ابن سلمان استخدم هذه الأموال في بناء المصانع الحقيقية، وفي سد حاجات الناس الضرورية، وفي الاستثمار الجاد في البُنى والمرافق الحيوية لدولته، لو أنه فعل ذلك لتحولت السعودية إلى دولة مستقلة أو حتى دولة عظمى، أو لو أنّها أنفقت مثل هذه الأموال على فقراء المسلمين لما بقي فقير واحد في الأرض.
أمّا إنفاقها على ملاعب الغولف والمنتجعات التي يتمتع بها اللاعبون الأجانب فهذا لا يخدم إلا أعداء الأمة، بل ويجعل من النظام السعودي أضحوكة أمام العالم يُضرب بها الأمثال على حجم تبذير وإضاعة الأموال على الآخرين بكل سفاهة وبلاهة.
رأيك في الموضوع