بعث الله عز وجل محمدا ﷺ رحمة للعالمين، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وجعله شاهداً ومُبشراً ونذيرا، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً﴾، فقام ﷺ ومنذ اللحظة الأولى يدعو الناس للإسلام، والصبر على أذاهم حتى أذن الله تعالى بإقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، ومن لحظة وصوله ﷺ وضع لبنات الأنظمة التي ستسير عليها دولة الإسلام، فبدأ بوضع ميثاق المدينة الذي يبين طبيعة العلاقة المحلية بين المسلمين وغير المسلمين، ثم انتقل للمحيط الإقليمي في جزيرة العرب من خلال السرايا والغزوات وعقد المعاهدات والتحالفات، حتى أصبحت الجزيرة العربية كلها تحت حكم الإسلام، لينتقل بعدها إلى الموقف الدولي المتمثل في الفرس والروم في ذلك الوقت.
وباستقراء ما سار عليه ﷺ، ومن بعده من الخلفاء بهدف نشر رسالة الإسلام للعالم تتضح لنا معالم سياسة حربية منبثقة من العقيدة الإسلامية. فالسياسة الحربية في الإسلام - والتي تعني رعاية شؤون الحرب على وضع من شأنه أن يجعل النصر للمسلمين والخذلان لأعدائهم - تقوم على ركنين أساسيين هما تحقيق الأمن الداخلي ونشر دعوة الإسلام للعالم، وهذا ما حققه رسول الله ﷺ وما سار عليه من بعده أمراء المسلمين وخلفاؤهم.
كان رسول الله ﷺ يبين في كل غزوة أو سرية ما يجب أن يسير عليه المسلمون، وما هو خاضع للرأي والمشورة؛ ففي صلح الحديبية أمر ﷺ أصحابه بالتحلل والرجوع مع ما كان من عدم قبول من بعضهم ليُبين أنه حكم شرعي واجب الاقتداء به، على عكس ما حدث عند ذهابه إلى بدر فأخذ بمشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه وغيّر موقعه، ليُبين أنه الرأي والمشورة. وكان في حروبه ﷺ يُجيز أشياء محرمة في غير الحروب مثل الكذب والتجسس، ويحرم أشياء مباحة في غيرها مثل اللين مع الجيش، وكان ﷺ يقف على تجهيز الجيش وإعداده ويختار القيادة المناسبة له إن لم يقم بقيادته بنفسه، وكان يوصيهم بتقوى الله وعدم مخالفة أمره، ويطلب منهم الدعوة للإسلام أولاً لمن سيلاقون وأن يتحولوا لدار الإسلام، أو أن يدفعوا الجزية، فإن لم يتحقق ذلك، فعليهم الاستعانة بالله وقتالهم لتكون كلمة الله هي العليا، وكان يوصيهم بعدم قتل الأطفال والنساء غير المحاربات وكذلك الشيوخ، وعدم قطع الأشجار وتدمير البلاد، إلا أنه ﷺ قد أجاز أن يُعامَل العدو كما يُعامِل هو المسلمين، فقد أقسم ﷺ أن يفعل بكفار قريش مثل ما فعلوا بشهداء معركة أحد، وقام بحرق نخل بني النضير بعد أن ظهرت منهم الخيانة، وقام المسلمون بقتل دريد بن الصمة الذي تجاوز عمره المئة سنة لمشاركته المقاتلين بالرأي والمشورة حيث عُدَّ من المقاتلين، وقد يضطر الجيش الإسلامي لتخريب العامرة، أو قتل أطفال أو نساء أو قتل البهائم في حالة القصف البعيد، أو لحسم المعركة لصالح المسلمين. وكان ﷺ يعقد بنفسه الهدن والمعاهدات بما يراه في مصلحة الإسلام والمسلمين، وكان لا يقبل مشاركة أي كيان غير مسلم جيش المسلمين، حيث قال ﷺ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ»، ويلاحظ من كل ما قام به رسول الله ﷺ جواز أن يعقد الخليفة أو من ينيبه هدنة مؤقتة أو معاهدة مؤقتة، أو حتى أن يضطر أن يعقد معاهدة ويُعطي لعدو لتخذيله عن نصرة عدو آخر.
وكان صحابة رسول الله ﷺ يفرقون بين ما هو حكم شرعي لا تجوز مخالفته وما هو من الرأي والمشورة، فيلتزمون بالشرع، ويطرحون الرأي في غيره، ولم تكن دولة الإسلام تعرف حدوداً دائمة أو تسمح بقواعد عسكرية لأي جهة على أرض الإسلام، ولا تعقد أي معاهدة أو هدنة فيها ما يخالف شرع الله، باذلة الوسع في حفظ الأمن ونشر الدعوة للعالم.
واستبشاراً بعودة دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة القريبة بإذن الله، فإن خليفة المسلمين سيطبق السياسة الحربية الإسلامية كما بينها رسول الله ﷺ، فيلتزم بالإعداد امتثالاً لأمر الله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، ويلتزم بكل ما هو حكم شرعي، باذلاً الوسع بالمشورة لأهل الرأي بما يقع في دائرة الرأي والمشورة واضعاً قواعد للتجنيد والتدريب على القتال للمسلمين، متابعاً بنفسه بصفته القائد العام للجيش أو لمن يُنيبه الالتزام بما يصدر عنه من قوانين وأحكام غير مخالفة للشرع إن كانت تتعلق بعقد هدنة أو معاهدة أو الجهاد بما يضمن انتشار دعوة الإسلام إلى جميع الدول والشعوب.
وهنا لا يفوتنا أن دولة الإسلام الثانية القائمة قريباً بإذن الله ستكون لها نقطة ارتكاز أولى تنتشر بعدها لضم غيرها أو دعوة غيرها من الدول القائمة حالياً، والتي يخالف واقعها ما كان عليه واقع دولة الإسلام الأولى، فاليوم ومن لحظة قيام الدولة بإذن الله ستعمل على ضم بقية البلاد الإسلامية القائمة، ومحاربة أي نظام قائم يمنع هذا الانضمام، وسيتم التمييز بين الدول الأخرى من حيث كونها محاربة حكماً أم محاربة فعلاً، فقد تعقد معاهدات واتفاقات وحسن جوار مع الدول المحاربة حكماً لمدد يراها خليفة المسلمين تساعد في الاستعداد والتهيئة لمواجهة الدول المحاربة فعلاً كأمريكا وبريطانيا وغيرها، مبيناً من يجوز أن يدخل الدولة الإسلامية أو من يمنع من دخولها، ومتخذاً حالة الحرب الفعلية المباشرة مع أي كيان يحتل جزءاً من أرض الإسلام ككيان يهود، وفي كل ذلك دون أن يخالف أي حكم شرعي، فلا يقيم تحالفات عسكرية، ولا يسمح بوجود قواعد عسكرية في بلاد الإسلام، متابعاً ومراقباً لأي نقض أو غلبة ظن لنقض أيّة معاهدة أو اتفاقية محركاً الجيوش والسرايا بعد إعدادها الإعداد اللازم لنشر الإسلام في كل أرجاء الأرض، ناصراً للدين في إقامة شرع الله على أرضه، محسناً تطبيق الإسلام في الداخل ونشره في الخارج دون أن يسمح لفرد أو جماعة بعقد اتفاقات أو معاهدات مع الدول الكافرة، ليس تسلطاً، بل التزاماً بما شرع الله بأنه أعطى قيادة وإدارة السياسة الحربية لخليفة المسلمين أو من يُنيبه فقط. فعلى المسلمين العمل على عودة الإسلام وعودة دولته مع العاملين، واثقين من نصر الله لعباده المؤمنين كما نصر رسله، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
فسلطان الإسلام امتد على كل الجزيرة العربية في أقل من عشر سنوات من عمر دولة الإسلام الأولى، وسيمتد بإذن الله ليبلغ ما بلغ الليل والنهار كما قال رسول الله ﷺ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ».
لهذا ندعو المسلمين بشكل عام، وأبناءنا من أهل القوة والمنعة ليعطوا النصرة لحزب التحرير بإمرة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة ليعلنها خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ تنشر العدل والطمأنينة بين الناس.
الدكتور عبد الله ناصر - ولاية الأردن
رأيك في الموضوع