وصلنا في الحلقة السابقة عند تشخيص الوضع داخل مصر، والخطط بعيدة المدى التي وضعها الاستعمار؛ من أجل تطويق حصول تحول جذري داخل أرض مصر؛ بحيث لا تنفلت فيه الأمور من أيادي الاستعمار، وفي الوقت نفسه محاولة منع الانفجار العام عند الشعب؛ بسبب ازدياد الضغوط في جميع المجالات. وقبل ذكر الخطط والأساليب الاستعمارية ضد أرض الكنانة لا بد من تشخيص الواقع الذي تعيشه في هذه الأيام، وأهم الأمور التي تُشّخص واقعها هذه الأيام، وتؤثر في تسارع الأحداث، وفي السياسات والخطط التي يرسمها الغرب لها:
- التوجه العام نحو الإسلام في مصر؛ فقد ذكرنا قصة ميدان التحرير، وهي شاهد حي على التوجه الكبير عند أهلها نحو الإسلام، وبالأخص نحو تطبيق الشريعة، عند الوقفة التي حصلت وشهدها مليون أو يزيد سميت "جمعة تطبيق الشريعة" في ميدان التحرير. وهذا الأمر يكشف عن خير عظيم عند أهل الكنانة؛ فأهلها خيرون طيبون رغم كل وسائل التضليل والتجهيل والصد والكيد للإسلام. وتاريخ مصر الحديث شاهد على هذا الأمر؛ من حيث الحركات العديدة التي برزت فيها، وحملت شعار الإسلام ولواء التغيير على أساسه. وقد كان التوجه العام عند معظم قادة الجيش المصري عبر السنين السابقة هو الحرب من أجل تحرير الأقصى وفلسطين؛ انطلاقا من حبهم للإسلام، وكرههم ليهود الأعداء. وما زال الأمر كذلك رغم الظلم والقهر والتسلط والسجون؛ ما زالوا يحبون الإسلام، ولو حصل أي استفتاء على ذلك لكان المطالبون بالإسلام يزيدون على 95% من عامة الناس أو يزيد.
- ما خلفته الثورة سنة 2011 من نقمة عارمة على النظام ورجالاته؛ خاصة عمليات القمع الوحشية التي جرت في ميدان التحرير وغيره من الأماكن. وكذلك ما يقوم به النظام من محاولات نشر الفتن بين أبناء مصر؛ خاصة مسألة التفجيرات ضد الأقباط، ومحاولة إلصاق ذلك بالمسلمين، وما يجري كذلك في العريش وسيناء بسبب العمليات العسكرية ضد كيان يهود من تلك المنطقة، ومن وجود معارضة قوية للنظام عند القبائل الموجودة هناك. فما زال أهل مصر يعيشون آلام الأحداث والجرائم التي اقترفها النظام في ميدان التحرير وغيره في المدن المصرية.
- الفقر المدقع والبطالة المتنامية بين أبناء مصر، وخاصة في فترة كورونا وما رافقها من إجراءات، وفي فترة الحرب الأوكرانية الحالية، وما رافقها أيضا من إجراءات تتعلق بتوريد القمح، وارتفاع الأسعار، ومن نقص شديد في الحبوب داخل مصر. والحقيقة أن مسألة الفقر داخل مصر تنذر بكارثة حقيقية، وتنذر أيضا بالانفجار، حيث تشير بعض الإحصاءات أن نسبة الفقر بلغت هذا العام حسب الجهات الرسمية 30%، مع أن النسبة الحقيقية كما يقول بعض الخبراء الاقتصاديين تتجاوز هذا الرقم مقارنة مع الحد الأدنى للمبلغ الكافي لسد احتياجات الفرد؛ وهو ما يسمى بخط الفقر، وهو 857 جنيها مصريا؛ أي ما يقارب 44 دولارا أمريكيا شهريا! وهذه النسبة الموصوفة من مراكز الإحصاء الرسمية معناها أن حوالي 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، مع أن النسبة الصحيحة أعلى من ذلك بكثير؛ لأن نسبة البطالة حسب الإحصاءات الرسمية تزيد 7% وهذه النسبة تضاف إلى نسبة الفقر فتصل إلى حوالي 37%، مع أن هذه الإحصاءات الرسمية هي غير دقيقة لأن الأنظمة في العالم العربي لا تكشف حجم المأساة التي تعيشها شعوبها. ففي بعض المناطق في مصر تصل نسبة الفقر إلى 40% ونسبة البطالة إلى 50%، ففي تقرير لمديرة الوحدة المركزية لـ"مبادرة حياة كريمة" بوزارة التنمية المحلية 2020، ولاء جاد الكريم قالت: "إن عدد القرى التي تزيد فيها نسبة الفقر في مصر عن 50% بلغ 1000 قرية". وفي دراسة عن البنك الدولي 2020 جاء فيها: "أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجاً"، والحقيقة أن نسبة الفقراء في مصر في ازدياد، وليس في تباطؤ كما يدعي بعض الإعلاميين الناعقين باسم الحكومة؛ والدليل على ذلك أن الدولة كلما اقترضت من المؤسسات الدولية، رفعت الغطاء عن بعض السلع، وزادت الضرائب ورفعت الأسعار؛ حسب شروط صندوق النقد الدولي والهيئات المقرضة الأخرى. وقد بلغت قيمة الديون الخارجية فقط نحو 157.8 مليار دولار للعام الحالي 2022، كما بلغت قيمة أقساط ما يترتب على هذا الدين من ربا وخدمات حوالي 20 مليار دولار؛ وذلك وفقاً لبيانات البنك المركزي، وكانت مصر قد أبرمت اتفاقا مع صندوق النقد الدولي في نهاية العام 2016 حصلت بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار، لمدة ثلاث سنوات، مقابل إجرائها إصلاحات اقتصادية؛ شملت تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم عن الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. كما حصلت على قرض آخر في أعقاب انتشار وباء كوفيد-19 لمواجهة الآثار الاقتصادية للوباء، بقيمة حوالي 8 مليارات دولار.
- ازدياد دائرة القمع والظلم؛ فقد قام النظام في مصر على مر السنين السابقة بحملات وحشية من القمع والإرهاب والسجن والإعدامات. ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي شهدت سجون مصر حملات من القمع رهيبة، وإعدامات بالجملة كان على رأسها ما قام به عبد الناصر من إعدام العالمين سيد قطب وعبد القادر عودة رحمهما الله. وفي عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بلغت أحكام الإعدام منذ 2014 أكثر من 1000 حكم، نُفّذت منها 43 حالة خلال أربع سنوات فقط، وأُيّد حكم الإعدام نهائيا على 50 آخرين، وذلك حسبما ذكره موقع الجزيرة نت بتاريخ 28/2/2019. وذكر موقع عربي 21 بتاريخ 18/9/2021 عن منظمات حقوقية مصرية: "أشارت إلى ارتفاع حصيلة وفيات المعتقلين داخل السجون المصرية، إلى 1095 معتقلا، النسبة الأكبر منهم من السياسيين المعتقلين منذ الانقلاب العسكري عام 2013". ولفت تقرير لمنظمة "كوميتي فور جستس"، إلى رصد 10 وفيات خلال 36 يوما فقط، في العام 2021، بواقع وفاة كل 3 أيام تقريبا. وفي تقرير للجزيرة نت بتاريخ 11/4/2021 جاء فيه: "كشف تقرير لمنظمة حقوقية مصرية مستقلة عما وصفها بالأوضاع الصعبة في السجون المصرية، مشيرا إلى تزايد أعداد السجون والسجناء منذ ثورة 2011. وجاء التقرير الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: تحت عنوان "في انتظارك: 78 سجنا، بينهم 35 بعد ثورة كانون الثاني/يناير.. عن الأوضاع الصعبة للسجناء والسجون في مصر". وأوضح التقرير أن عدد السجون الجديدة التي صدرت قرارات بإنشائها بعد ثورة كانون الثاني/يناير وحتى الآن، بلغ 35 سجنا، تضاف إلى 43 سجنا رئيسيا قبل ثورة كانون الثاني/يناير؛ ليصبح عدد السجون الأساسية 78 سجنا. وقدّرت المنظمة الحقوقية عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية آذار/مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، ونحو ألف محتجز لم تتوصل لمعرفة أسباب احتجازهم. كما قدرت أن عدد السجناء المحكوم عليهم إجمالا بلغ نحو 82 ألف سجين، فيما يبلغ عدد المحبوسين احتياطيا حوالي 37 ألف محبوس".
يتبع...
رأيك في الموضوع