هذا المصطلح ظهر حديثاً، ويكاد أن لا يكون معروفاً عند الغالبية العظمى من السياسيين ولكنه مصطلح موجود، ومفهومه هو دوران دولة أو دول في فلك دولة أو دول أخرى، وذلك لتحقيق مصالحها ومصلحة دولة أو دول الفلك (الرابط الحقيقي لهذا الدوران هو المصلحة).
والحقيقة التي من أجلها وجد هذا المفهوم هو تفاوت الدول من حيث القوة والمكانة الدولية وأثر هذه الدولة أو تلك في المسرح الدولي، ما يدفع الدول الأقل شأناً أن تدور في فلك هذه الدولة أو الدول التي لها نفس المكانة والسمة مثل بريطانيا وروسيا وأمريكا وفرنسا والصين، فهذه دول مؤثرة في المسرح الدولي والأحداث العالمية، وتكاد أن تكون هي التي ترسم السياسة العالمية.
وتقسم الدول الدائرة في الفلك إلى ثلاثة أقسام وهي:
- دولة لها وزنها في المسرح الدولي وقد تكون من دول الفلك ولكن اقتضت مصلحتها أن تدور في فلك دولة أخرى دوراناً مؤقتاً لتحقيق بعض مصالحها أو للتأثير على سياسة الدولة المراد الدوران في فلكها أو اختراق تلك الدولة لمعرفة مشاريعها، وهذه قد تبقى سائرة بهذا الدوران ما اقتضت الحاجة لذلك. ومثال ذلك بريطانيا مع أمريكا، وإن كان يظهر للرائي أن هذه تبعية وليست دوراناً، ولكنها في الحقيقة هي دوران؛ إما من أجل مشاركة الدولة الأولى في مشاريعها أو عدم السماح لها بالتفرد، وهو ما فعلته في غزو أمريكا للعراق وأفغانستان.
- دولة تملك الإرادة السياسية المطلقة ما يجعلها في اصطدام مصالحها مع مصلحة دولة الفلك أن ترفض البقاء والاستمرار في هذا الدوران، وعادة يكون هذا التعارض المخرج لهذه الدولة صاحبة الإرادة المستقلة هو تعارض في أساسيات السياسة العامة والخارجية، ومما يؤثر على كينونة النظام، وهذه تحددها الخطوط العريضة لسياسة الدولة الخارجية الدائرة في الفلك. ومثال ذلك كندا فهي تدور في فلك بريطانيا وأمريكا وفرنسا وتملك أطول حدود في العالم مع أمريكا وأضخم تجارة حرة معها، ومع هذا فقد عارضت أمريكا في غزوها للعراق ورفضت المشاركة بذلك وكان صوتها عالياً، ولكنها شاركتها في حربها على الإسلام. وكذلك اليابان من هذه الدول صاحبة الإرادة ولكنها بإرادتها أبقت نفسها في الدوران في فلك أمريكا لشعورها بأن هذا الدوران يحقق لها مصالحها ويمنع دول المحيط من الاصطدام معها لوجود اتفاقيات دفاع مشترك ومصالح مشتركة يحققها دورانها في فلك أمريكا، وبناءً عليه فقد خففت أمريكا من القيود المفروضة عليها بعد الحرب العالمية الثانية وسمحت لها بتغيير العقيدة القتالية والتي تجيز للقوات المسلحة اليابانية المشاركة خارج الأراضي اليابانية، ومن طبيعة الشعب الياباني أنه من الشعوب العريقة المتطلعة للنهوض، فقد استطاعت اليابان خلال عقود بسيطة أن تكون من أكبر اقتصادات العالم ولديها قاعدة صناعية متينة تؤهلها أن تستعيد مكانتها العالمية إذا أرادت.
- دولة تملك الإرادة السياسية ولكنها ليست مطلقة لوجود عوامل اقتضتها الظروف السياسية والاقتصادية والتي تمنعها من الخروج والانفكاك عن الدولة التي تدور في فلكها. ومثال ذلك إيران التي تدور في فلك أمريكا، فهي تحقق لها مصالحها والتي تستخدمها كفزاعة في منطقة الشرق الأوسط والخليج وكيان يهود حتى لا تخرج هذه الدول المستهدفة وتبقى تحت عباءتها أو حتى لا تتجاوز الحدود المرسومة لها ما يؤثر على مصالح أمريكا. إن إيران الشاه كانت دولة تدور في فلك بريطانيا وكانت أمريكا تزاحمها عليها حتى استطاعت بمساعدة الخميني من طردها وتمكين الملالي من الاستيلاء على إيران، وهي بذلك مكنت لرجالاتها من أن تكون لهم المكانة في قيادة إيران، ولذلك نجد إيران تدور في فلك أمريكا وتحقق لها مصالحها وتحقق هي مصالحها من ذلك، فأمريكا هي التي تقف في وجه كيان يهود من أن يوجه ضربات قاتلة للبنى التحتية والصناعية الإيرانية. وكذلك تركيا فهي تدور في فلك أمريكا، وقد مكنت أمريكا حزب العدالة والتنمية من قيادة تركيا وتحجيم النفوذ الإنجليزي في مرافق ومفاصل الدولة حتى استتب الأمر له، وهي التي منعت المؤسسات التقييمية الأمريكية من تقييم الاقتصاد التركي وإعطائه نقاطاً إيجابية حتى تبقى فاتورة التسهيلات الإقراضية مفتوحة والتي بها استطاعت أن تكون لها اليد الطولى في القضاء والجيش والأمن وحتى السياسة الخارجية، وهو ما يُخشى إن استمرت تركيا بهذا النهج أن تفقد وصف الدولة الدائرة في الفلك. إن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية اعتمدت عليها أمريكا في ضرب الثورة السورية والمحافظة على النظام السوري من الانهيار، وما قدمته تركيا لأمريكا يجعلها ركناً ركيناً في السياسة الخارجية الأمريكية التي تعتمدها وتؤمنها لتحقيق مصالحها. وكذلك الدول الأوروبية مجتمعة استطاعت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية من تكبيلها بقيود ومشاريع منها مشروع مارشال الذي ظاهره الإعمار وباطنه الاستعمار، حيث قيدت الدول الأوروبية بحلف شمال الأطلسي بعد إطلاق البعبع الشيوعي زمن الاتحاد السوفيتي واتفاقهما على سياسة الحرب الباردة وتقاسم النفوذ، ما همش دور أوروبا على المسرح الدولي وساعد على طرد نفوذها من مستعمراتها في العالم، وتقييد حرية الأوروبيين الذين هم بطبيعتهم وعقليتهم وعقيدتهم شعوب تتطلع للاستعمار الذي يجري في عروقهم ويمدهم بالحياة ولذلك وقفت أمريكا في وجه أي تطلع للقارة العجوز للتفلت وبناء قوتها العسكرية الذاتية بعيداً عن حلف شمال الأطلسي، وما الحرب الأوكرانية التي ورطت أمريكا روسيا بها وورطت أوروبا معها إلا مثال حي لسياسة أمريكا تجاه أوروبا التي تستنزفها بحلفها الأطلسي.
- إن الدول الدائرة في فلك الدولة الأولى والدول الكبرى إنما تريد من دورانها تحقيق مصالحها وهي بذلك تحقق لدولة الفلك مصالحها، وحتى تكون صاحبة قرار وإرادة مستقلة بحيث يمكنها من معارضة جزئية في السياسة الخارجية لدولة الفلك لا بد أن يكون بيدها أوراق عديدة وإرادة سياسية مستقلة ووسط سياسي مستقر في ولائه لبلده ونظامه ودولة عندها القدرة والديناميكية في المناورة بحيث لا تجعل لدولة الفلك سلطاناً عليها واختراقاً لوسطها السياسي وحدوداً لا يجوز لدولة الفلك تجاوزها لأن ذلك يعتبر تدخلاً في شؤون الدولة وقرارها السياسي وانتقاصاً من مكانتها وهيبتها، ومن هذه الأوراق الاقتصاد المتين والقوة العسكرية الذاتية والعقيدة القتالية والعقيدة السياسية التي تبنى عليها الدولة ويؤمن بها الوسط السياسي والقيادة السياسية، فإن وجدت كانت هناك إرادة سياسية مستقلة وندّية في التعامل بالمثل لتحقيق المصالح، وإذا كانت مصلحة الدولة تتناقض مع عقيدة الدولة نبذت تلك المصلحة لأنها ستكون أولى حلقات التنازل عن الإرادة السياسية.
- لذا لن يكون هناك في مصطلح دولة الخلافة الدوران في فلك الدول وإنما ستكون هناك معاهدات حسب وصف الدول (محاربة أو معادية أو تابعة أو مسالمة)، وبناءً عليه تبنى العلاقات بينها وبين الدول على أساس ما يمليه الشرع في ذلك. إن دولة الخلافة ليست دولة استعمارية ولا يوجد في مفهومها مصطلح الاستعمار وليست هي دولة ناهبة لمقدرات الشعوب، بل هي دولة راعية تحمل لواء الرحمة للعالم.
بقلم: الأستاذ سالم أبو سبيتان
رأيك في الموضوع