ختمت نهاية الشهر الماضي في مدريد قمة الناتو الـ32؛ والتي ضمّت حوالي 41 عضوا من أصل 44، فضلا عن وزراء الخارجية والدفاع؛ وقد خرجت هذه القمة بقرارات تؤسس لمرحلة جديدة من التحدي الأمريكي لروسيا والصين وأحلافهما، ومحاولات لوضع أسس لرسم سياسات جديدة مستقبلية لهذا الحلف، تقوم على المفاصلة والعداء؛ من أجل إنهاء التهديد الروسي والصيني - حسب زعمهم - للغرب كما جاء في قرارات هذه القمة الختامية، ومن هذه القرارات:
1- تعزيز الوجود العسكري للناتو في أوروبا: فقد أعلن الرئيس الأمريكي بايدن: أن بلاده ستعزز وجودها العسكري في أوروبا؛ كي يتمكن حلف الناتو من الردّ على التهديدات الآتية من كافة الاتجاهات، وفي كلّ المجالات: براً وجواً وبحراً!! فقد نقل موقع بي بي سي في 29 حزيران 2022 تحت عنوان: "الولايات المتحدة تقرر تعزيز وجودها العسكري في أوروبا" خبرا جاء فيه: "إن رئيس الولايات المتحدة أكد التزام الحلف بالدفاع عن كل شبر من أراضي الدول الأعضاء"، وأضاف "نحن نعني كل حرف عندما نقول إن هجوما على عضو واحد هو هجوم علينا جميعا"؛ ومن بين الإجراءات الجديدة، دعم أسطول البوارج والمدمرات الأمريكي في إسبانيا، ليضم 6 بوارج بدلا من 4. فيلق إضافي بحجم مناسب في رومانيا، يتشكل من نحو 3 آلاف مقاتل، علاوة على ألفين من قوات الاشتباك. دفاعات جوية إضافية ومعدات إلى ألمانيا وإيطاليا".
2- اعتبار روسيا تهديدا مباشرا لأمن أوروبا بشكل عام، حيث اعتبر الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرغ، أن روسيا تمثل تهديداً مباشراً لأمن دول الناتو جميعا، وأن دول الناتو تسعى إلى تعزيز جناح الحلف الشرقي رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال: "إن حرب بوتين خلفت أكبر أزمة أمنية منذ الحرب العالمية الثانية. هذا الأمر أدى إلى تغيير جوهري في كيفية توزيع الحلف لقواته في مهمات الردع والدفاع... وسوف نعزز قواتنا القتالية على الجانب الشرقي، ونزيد قوات الرد السريع لدينا إلى 300 ألف، وسننشر المزيد من المعدات والمزيد من مراكز القيادة..." وقال أيضا: "سنقول بوضوح: إن روسيا تمثل تهديداً مباشراً لأمننا".
3- دعوة فنلندا والسويد للانضمام للحلف؛ وذلك بعد وضع تسوية مع تركيا؛ لرفع معارضتها تجاه هذه الخطوة؛ حيث وافقت تركيا على التصويت لصالح عضوية كل من السويد وفنلندا، وهذا بعد اجتماعات في مدريد على هامش قمة الحلف. ووصفت روسيا هذه الخطوة بأنها تزعزع الاستقرار في المنطقة. جاء في موقع الجزيرة نت 30/6/2022: "تمثل دعوة الحلف للسويد وفنلندا للانضمام إليه أحد أهم التحولات في الأمن الأوروبي منذ عقود، إذ تخلت هلسنكي وستوكهولم عن وضع الحياد التقليدي بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا".
4- اعتبار أن الصين تمثل تحديا لقيم الناتو ومصالحه؛ حيث صرح الأمين العام للناتو ستولتنبرغ في ختام قمة مدريد 30/6/2022 قائلا: "إنّ الصين تمثّل تحدياً لقيم حلف شمال الأطلسي ومصالحه، مؤكداً أنّ على الحلف أن يأخذ بالحسبان التبعات الأمنية التي ستترتب عليه نتيجة استثمار الصين في الأسلحة الحديثة بعيدة المدى"، وتابع: "كدليل على القلق، دعا الحلف قادة اليابان وكوريا الجنوبية للمرة الأولى إلى المشاركة في قمته هذا العام".
5- زيادة الدعم المالي والعسكري لأعضاء الحلف في أوروبا الشرقية؛ فقد جاء في صحيفة رأي اليوم 29/6/2022: "إن الناتو سيتخذ قرارا بالتوقيع على حزمة دعم كبير لأعضاء الحلف في أوروبا الشرقية؛ لإظهار موقف موحد في مواجهة العملية العسكرية الروسية. وصرح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أمس الثلاثاء، في قمة الحلف التي ستستغرق ثلاثة أيام أن "القرار يمثل تحولا جوهريا في الردع والدفاع في سياسة الحلف.. ووصف الأمين العام هذه الخطوة بأنها أكبر إصلاح شامل لردعنا ودفاعنا الجماعي منذ الحرب الباردة".
فماذا يريد الغرب وعلى رأسه أمريكا من خلال هذه القرارات؟ وما هي سياسته الجديدة تجاه الصين وروسيا على وجه الخصوص؟
إن الناظر في القرارات الجديدة للناتو؛ يرى أنها تكشف وبشكل صريح سياسات أمريكا وحلف الأطلسي تجاه روسيا والصين. فما هي هذه السياسات وما هي أهدافها على المدى البعيد وهل تنجح أمريكا خلال السنوات القادمة في تحشيد الغرب خلفها لتحقيق هذه السياسات؟!
أولا: إن أمريكا تعزز تفعيل الحرب بالوكالة ضد روسيا، وتقرب ساحة الصراع إلى حدود روسيا لإدخال دول جديدة في هذا الصراع؛ وذلك كخطوة جديدة لإجبار روسيا على الخضوع لسياسات أمريكا في العالم، ولكسر شوكتها، وإجبارها على إنهاء شراكتها مع الصين.
ثانيا: وضع الخطط والتصورات المستقبلية؛ لضمان بقاء أوروبا تحت جناح أمريكا، وذلك بعد أن خرجت بعض الأصوات التي تحاول إنشاء حلف أوروبي، وقوة مشتركة عسكرية. وبعد محاولات فرنسا على وجه الخصوص التفلت من سياسة هيمنة الدولار، والدعوة لإنهاء هذه الهيمنة في اجتماعات قمة العشرين؛ في أكثر من مرة.
ثالثا: محاولات أمريكية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي؛ الذي يعاني تضخم المديونية، وكساد الأسواق والتضخم النقدي المتزايد. فهذه الخطوات تفتح المجال أمام أمريكا؛ لتوريد الأسلحة لأوروبا، وبالتالي إنعاش شركات الأسلحة. كما أنها تنعش المصانع الأخرى التي تدعم انتشار قوات الناتو هنا وهناك. وهذه خطوة افتعلتها أمريكا؛ تماما كما فعلت من قبل عندما دخلت الحرب العالمية الثانية بعد أزمة الكساد الكبير سنة 1929.
رابعا: تعزيز الحلف المحيط بالصين، ودعم دوله في الوقوف ضد الصين، وذلك عندما اعتبرت القمة الصين تحديا للغرب بشكل عام. وبالإضافة إلى تعزيز الأحلاف العسكرية المحيطة بالصين؛ فإن أمريكا تحرض دول أوروبا كخطوة مستقبلية لتحجيم علاقاتها الاقتصادية مع الصين؛ وبالتالي ضرب الاقتصاد الصيني في مقتل.
إن سياسات أمريكا الجديدة تجاه الصين وروسيا، هي سياسة محاطة بالمخاطر، وإن كانت تؤثر تأثيرا قويا على كلا البلدين، ومن هذه المخاطر اشتداد أوار الحرب وتطورها داخل أوروبا، وربما أدى ذلك إلى استخدام بعض الأسلحة المتطورة فوق التقليدية في هذه الحرب. وهذا خطر كبير على العالم.
والخطر الثاني هو تفاقم النواحي الاقتصادية في أرجاء العالم، وخاصة نواحي الغذاء وزيادة أسعار المواد الاستهلاكية والوقود، وغير ذلك بسبب الحرب؛ وبالتالي حرمان الكثير من دول العالم من القدرة على تلبية حاجات شعوبها الضرورية للعيش.
أما الخطر الثالث فهو تهديد أسواق المال؛ كنتيجة لارتفاع أسعار البترول والصناعات، وربما فاقم الأمر أيضا أزمة كساد عالمية تضرب الأسواق. وهذا يجر أمورا كثيرة مثل البطالة وزيادة عدد الفقراء.
وفي الختام نقول: بأن النظام الرأسمالي لا يبالي بعواقب أعماله وسياساته، وربما تسبب بالدمار والخراب والفقر من أجل أهدافه السياسية؛ تماما كما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكما حصل في حرب أفغانستان والعراق، أو في حالة تأجيج الصراع اليهودي بالشرق الأوسط.
إن النجاة من هذه الشرور التي تهدد العالم، هي فقط بتطبيق النظام الرباني الهادي المستقيم العادل؛ فهو وحده الذي ينقذ البشرية من هذه الشرور المتزايدة في كل يوم. وهذا فيه بشارة أن هذه النظم مصيرها الانهيار؛ ليعود حكم الله إلى الأرض مرة أخرى، نسأل الله أن يكون ذلك قريبا.
رأيك في الموضوع