لا بد - قبل أن نتحدث عن السلاح النووي في الشرق الأوسط والسياسيات الأمريكية الجديدة - لا بد أن نقف قليلا عند موضوع السلاح النووي بشكل عام؛ فالسلاح النووي عند الدول ذات السيادة السياسية الذاتية هو جزءٌ من قوة هذه الدول، وإحدى وسائل الردع والحماية؛ للمحافظة على سيادتها، وحدودها ومصالحها، وسياساتها الخارجية، لكن هذا الأمر يختلف اختلافاً كليّاً عند الدول مسلوبة السيادة والقرار السياسي؛ أي عند الدول التابعة للدول الكبرى الاستعمارية؛ في سياستها الداخلية والخارجية، وفي شؤون الحرب والسلم والتسلح... وغير ذلك في أمور الاستقلال في السيادة والسياسة... فمثل هذه الدول لا تملك قراراً مستقلاً؛ في موضوع التسلح والحرب، وشؤون السياسة الخارجية؛ سواء من كان منها في دائرة التبعية والعمالة المكشوفة، أو المتخفية؛ وتظهر بالمظهر القومي، أو الإسلامي، أو غيره!!...
فموضوع التسلح عند هذه الدول - فيما هو دون السلاح النووي - يخضع لسياسات الغرب، ومصالحه السياسية؛ وقد حصل أن اعترضت الولايات المتحدة؛ في أكثر من مرة على موضوع تسلّح بعض البلاد بأسلحة متطورة؛ كما حصل عندما أرادت إيران أن تتزود بصواريخ (ss300) روسية الصنع سنة 2010، وقد يحصل أكثر من ذلك عندما تريد أمريكا أن تنعش الركود الاقتصادي لدى بعض شركات السلاح في أمريكا؛ فتلجأ إلى السعودية ودول الخليج، وتجبرها على شراء كميات من السلاح تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، من أنواع معينة من الأسلحة.. فقد ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنالالأمريكية في 14/09/2010: أن السعودية أبرمت اتفاقاً مع أمريكا لشراء أسلحة بقيمة 60 مليار دولار وهي أكبر صفقة من نوعها في تاريخ السعودية..
والحقيقة أن موضوع السلاح النووي بالذات في دول الشرق الأوسط، أو غيرها من بلاد المسلمين - في شبه القارة الهندية كباكستان -... هذا الموضوع له خطوط حمر لدى السياسة الخارجية الأمريكية، وله أهداف سياسية ترتبط بالسياسات والمصالح الأمريكية، في المنطقة؛ مثل موضوع السلم والحرب، والعلاقات بين الدول.. وحتى نقف على أهداف السياسة الأمريكية من هذا الموضوع، لا بد أن ننظر إلى هذا الموضوع من أبعاد وزوايا عدة، منها:
1- السلاح النووي لدى الكيان اليهودي... فهذا السلاح قد سمحت به أمريكا لدى هذا الكيان لأهداف تتعلق بسياستها في منطقة الشرق الأوسط، حتى يكون هذا السلاح حسب نظرة أمريكا والكيان اليهودي أداة تهديدٍ دائمة للجيوش العربية، وأداة من أدوات إقناع الشعوب بضرورة إيجاد السلام والعلاقات مع هذا الكيان..
2- السلاح النووي الباكستاني: هذا السلاح كان له نظرة التوازن الاستراتيجي مع الهند التي كانت تسير في خط سياسيٍّ معاكسٍ لسياسات أمريكا في شبه القارة الهندية، وكانت تهدّد تابعتها الرئيسة والمخلصة باكستان.. وقد حصلت الهند على السلاح النووي، فكان لا بد لإيجاد توازن عسكري مع هذا السلاح بتمكين باكستان من ذلك؛ وقد دعمت أمريكا هذا المشروع الباكستاني وغضّت الطرف عنه، على مدى ثلاثين عاما...
3- السلاح النووي الإيراني... فرغم أن إيران لم تصل إلى درجة التصنيع العسكري في هذا المجال، إلا أن الهدف لم يكن إيصال إيران إلى التصنيع العسكري، وإنما كان التهديد والتخويف لدول الخليج والسعودية، حتى تبقى تحت جناح أمريكا، وتبقى كل أدواتها الاقتصادية وأسواقها تحت تصرف أمريكا وغاياتها.. وفعلا هذا ما كان طوال السنوات الماضية منذ بداية هذا المشروع الشكلي وليس الحقيقي..
4- السعودية وغيرها من دول في المنطقة مثل مصر وتركيا.. فهذا الأمر لا يخرج عن سياسات أمريكا كذلك ونظرتها في رسم المنطقة سياسيا.. فالمرحلة الآن تتطلب إظهار مثل هذه الدول بشكلٍ قويٍّ نسبيا (السعودية، مصر، تركيا)؛ وذلك لتواكب هذه القوة ما ترسمه، وما تخططه للمنطقة سياسيا، وخاصة في قضايا المغرب العربي وسوريا ودول الخليج واليمن وغيرها.. وهذا الأمر ينسجم مع موضوع إنشاء قوة الردع المشتركة التي دعت لها بعض الدول على رأسها مصر والسعودية في قمة القاهرة 2015..
وأخيرا نقول: بأن السيادة الذاتية للدول، هي قبل موضوع السلاح والتسلح؛ سواء أكان هذا السلاح نوويا، أم تقليديا عاديا، أم تقليديا متطوّراً؛ فالدول دون سيادة سياسية تستند إلى فكرها ومبدئها وشعوبها، فإنها لا تساوي شيئا، حتى لو ملكت ألف قنبلة نووية، أما إذا كان لديها السيادة والاستقلالية السياسية، فإنها تستطيع أن تبني ترسانة من أنواع السلاح خلال أقل من عقد من الزمان، وأن تصبح قوةً عالمية؛ تؤثر في السياسة العالمية بدل أن تتأثر بها وتسير في ركابها.. وهذا الأمر لا يكون إلا إذا حكّمت الشعوب في العالم الإسلامي الإسلام، وخلعت كل العملاء السياسيين عن رقابها؛ واجتمعت في ظل دولة واحدة هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.. عندما تعود هذه الأمة كما كان سابق عزّها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وهارون الرشيد، والسلطان سليمان القانوني، ومحمد الفاتح.. وغيرهم من القادة العظام...
رأيك في الموضوع