أعلن عبد ربه هادي ليلة الخميس 07/04/2022م إعفاء نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، وتنازله عن السلطة في اليمن، وتعيين مجلس رئاسي يضم ثمانية أشخاص يرأسهم مستشاره رشاد العليمي ووزير الداخلية الأسبق في عهد علي صالح، لفترة انتقالية غير محددة الزمن، والإبقاء على حكومة معين عبد الملك، ومجلسي النواب والشورى. وبهذا ينهي هادي فترة انتقالية دامت عشر سنوات - بدلاً من سنتين - من توليه رئاسة نظام الحكم في اليمن بالتزكية في العام 2012م، خلفاً لعلي صالح وفق المبادرة الخليجية، التي جاءت لتخمد ثورة شباط/فبراير 2011م وتلتف عليها بالحفاظ على النظام الجمهوري وإسناده من الملكيات والإمارات والسلطنات المجاورة، وليس إسقاطه وتبديل نظام آخر جديد به، ليس له صلة بالنظام الجمهوري والديمقراطية الزائفة.
يأتي إعلان هادي، وبريطانيا التي تقف وراءه، بالتنحي، عقب إطلاق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ مبادرة أممية بهدنة لوقف إطلاق النار بين طرفي الصراع الرئيسيين في اليمن لمدة شهرين قابلة للتمديد بهدف عقد مفاوضات والتوصل إلى تسوية سياسية وإنهاء الحرب، وبعد انتهاء المؤتمر الذي دعا إليه رئيس مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف في مقر الأمانة العامة بالرياض، وانعقد من الفترة 30/03- 07/04/2022م. وفي أول ردة فعل دولية ظهر السفير البريطاني لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم ليفصح عن عقد مفاوضات بين المجلس المعين والحوثيين في الصيف المقبل، مبنية على الحل النهائي باتفاق الرياض والحوثيين.
يهدف إعلان هادي إلى لملمة حالة التشظي التي تشهدها شرعيته المهترئة في المحافظات الجنوبية، من خلال تسمية رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي في عضوية المجلس الرئاسي الذي عينه عبد ربه هادي، ودعوة هادي المبطنة إلى وقف المواجهات التي يتولاها ضده المجلس الانتقالي في عدن والمحافظات الجنوبية، خصوصاً بعد وصول قوات العمالقة إلى محافظة شبوة تحت قيادة طارق محمد عبد الله صالح، واغتيال ثابت جواس، الداعم للمجلس الانتقالي، فقد انتهت مهمة مجلس الحراك الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي من طمس مجلس الحراك الثوري الذي يرأسه حسن باعوم التابع لأمريكا. ودعوة هادي الصريحة إلى إجراء مفاوضات مع الحوثيين، بهدف إنهاء الحرب الدائرة منذ العام 2014م وحتى اليوم.
مع احتفاظ بريطانيا بورقة حزب المؤتمر المتحالف مع الحوثيين في العاصمة صنعاء، والمشارك بالمناصفة مع الحوثيين في حكومة الإنقاذ منذ العام 2016م، ويدعمهم في رئاسة مجلس النواب، الذي لم يعقد انتخابات منذ العام 2006م. كما أن بريطانيا لا تزال تحتفظ بشرعية هادي ومن سيخلفه، وعدم إعطاء ثوب الشرعية الذي يفتقر إليه الحوثيون في العلاقات الدولية، وفي حكم ما تحت أيديهم، من دون تحقيق مكاسب مقابلة، بتطويل ماراثون المفاوضات لسبع سنوات.
أما الدور الأمريكي فيبرز في جعل الحوثيين يقبلون بمبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ بالهدنة، والضغط الأمريكي الذي مورِسَ منذ مؤتمر الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2019م بلملمة الرؤوس المتشعبة في المحافظات الجنوبية في مقعد واحد، في مواجهة الحوثيين على طاولة المفاوضات القادمة، مع العلم أن واشنطن قد عينت تيموثي ليندركنغ مبعوثاً لها إلى اليمن مطلع العام 2021م، بغرض تعجيل الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن.
يأتي إعلان هدنة المبعوث الأممي إلى اليمن غروندبيرغ لإيقاف إطلاق الصواريخ على المنشآت النفطية في أرض نجد والحجاز، بما يتواءم مع ما تريده أمريكا من زيادة إنتاج الرياض النفطي، لتغطية النقص في حاجة أوروبا من النفط، لتجعل أمريكا يدها على النفط الذي يصل لأوروبا. واستفادة الحوثيين في رفع الحصار المفروض عليهم منذ قدوم التحالف الذي تقوده الرياض لتثبيتهم في الحكم في 26 آذار/مارس 2015م، عبر فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
كما تأتي تهدئة الصراع بين بريطانيا وأمريكا في اليمن، في ظل التداعيات المحتملة للحرب الروسية على أوكرانيا، لتأمين إمدادات النفط والغاز إلى الغرب الأوروبي والأمريكي، إذا علمنا أن نصف احتياجات أمريكا النفطية على مدى عقود، تأتي من المنطقة الشرقية الواقعة تحت سلطة الرياض، التي من جهتها سبقت هدنة المبعوث الأممي، بالطلب من أمريكا إذا أرادت زيادة إنتاج النفط، أن توقف الهجمات التي يشنها الحوثيون على منشآتها النفطية، وفي ظل التقارب المعلن في العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، طلبت الرياض رسمياً من إيران التوسط للوصول إلى تسوية في اليمن. ما يعني أن الرياض تُدْفَعُ للوصول إلى تسوية مع الحوثيين.
المتتبع للحرب في اليمن يرى بوضوح بأن تحريكها كان خارجياً، بالصراع بين بريطانيا التي تقف وراء هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبين أمريكا التي تريد إقصاء بريطانيا والحلول محلها عن طريق الحوثيين والحراك الثوري الجنوبي برئاسة حسن باعوم. فقد تعجلت في فترة هادي الانتقالية، وفي إرباك ترتيب انتخابات رئاسية تشبه إعلان هادي، لتجعل لنفسها تأثيراً في الانتخابات الرئاسية بعد هادي، وإجراء الانتخابات الرئاسية في ظل الحوثيين الذين قادهم المبعوث الأممي جمال بن عمر صوب صنعاء.
أليس حرياً بنا نحن المسلمين في ظل الأحداث الدولية الحالية في العالم، أن نظهر في الساحة الدولية بكياننا السياسي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نُحْكَمُ بالإسلام ونضع أيدينا على النفط والغاز سلعة استراتيجية نتحكم في بيعها بدلاً من أن ينهبها الغرب سلعة نقدية بأبخس الأثمان؟!
رأيك في الموضوع