منذ احتلال أمريكا للعراق عام 2003م، والبلد غارق في المشاكل، وأبرز هذه المشاكل هي المشكلة السياسية التي تولدت من النظام السياسي الذي فرضه المحتل الأمريكي ودستوره المشؤوم الذي زرع الفرقة بين أبناء المسلمين في هذا البلد بالتصنيف الطائفي والقومي، وهذه الدعوة الخبيثة كانت سلاح بريطانيا سابقا ومعول الهدم في إضعاف الخلافة العثمانية وتفككها.
وعلى ضوء هذا التقسيم الطائفي والقومي أعطى المحتل رئاسة الحكومة للشيعة كمكون أكبر ويليه المكون السني بمنحه رئاسة البرلمان وأخيرا رئاسة الجمهورية للمكون الكردي ولكل رئاسة نائبان من المكونين الآخرين، وفي جميع الدورات السابقة يجتمع ما يسمونه البيت الشيعي وتجري بينهم توافقات وتقاسم المناصب، ولم يشهد البلد أي تغيير أو إصلاح في أوضاعه، بل على العكس يكون الحال من سيئ إلى أسوأ، وفي كل دورة يتم فيها خداع الأمة وإطلاق الشعارات والوعود بتحسين الحال، وكلما عزفت الأمة عن المشاركة في الانتخابات يتم خداعها عن طريق المراجع وعلماء الدين بضرورة المشاركة وانتخاب الأصلح وعدم تركها للفاسدين، والمجرب لا يجرب، وغيرها من التصريحات التي لا يعنيها بيان الحكم الشرعي في الأمر كما هو المفروض، ومع شدة الحال وأنه لم يعد يُحتمل انطلقت مظاهرات عمت بغداد والمحافظات الجنوبية وعرفت بانتفاضة تشرين التي أطاحت برئيس الوزراء عادل عبد المهدي وتكليف مصطفى الكاظمي الذي قام بقرار إجراء انتخابات مبكرة، وهكذا خُدعت الأمة ولدغت من الجحر نفسه مرة أخرى.
وكانت نتائج الانتخابات مفاجئة حيث تصدرت "الكتلة الصدرية" الانتخابات، بـ73 مقعدا، تلاها تحالف "تقدم" بـ37، وائتلاف "دولة القانون" بـ33، ثم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بـ31، ولم تحصل التحالفات التي تمثل الحشد الشعبي على شيء يذكر.
وقد أعلن التيار الصدري الفائز بالانتخابات أنه يسعى لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من خلال استبعاد بعض القوى، وعلى رأسها ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والذي ترفضه بقية القوى الشيعية المتمثلة بـ"الإطار التنسيقي"، والتي تطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.
وهكذا وبعد مضي خمسة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، لم تنجح القوى السياسية حتى الآن إلا في انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان في 9 كانون الثاني، ولا تزال القوى السياسية الفائزة عاجزة عن استكمال تشكيل السلطات، بسبب الخلافات الكبيرة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري وكذلك خلاف الحزب الديمقراطي مع الاتحاد الوطني حول ترشيح رئيس الجمهورية، حيث رشح الحزب الديمقراطي ريبر أحمد، وقد يكون أوفر حظا للفوز بمنصب الرئاسة من برهم صالح مرشح الاتحاد الوطني، على اعتبار أن الحزب الديمقراطي متحالف مع الكتلة الصدرية وتحالف السيادة.
ومن المعلوم أن حال هذه الدورة الانتخابية هو كسابقتها من الدورات، ولكن الذي جرى في هذه الدورة أن المحتل الأمريكي قرر إبعاد الحشد الشعبي وتحجيمه، من خلال النتائج المعلنة للانتخابات، فقد حصل تحالف الفتح، الممثل الرئيسي لفصائل الحشد الشعبي داخل البرلمان بعد اعتراضه على النتائج الأولية بدعوى حدوث تزوير على 17 مقعدا، بعدما كان يشغل 48 مقعدا في البرلمان، وحاول الخاسرون تغيير النتائج عن طريق المظاهرات والتهديدات والدعوى لدى المحكمة الاتحادية ولكنها باءت بالفشل، وقد لعبت إيران دورا مهما لتهدئة الوضع والقبول بالنتائج وعدم التصعيد الذي قد يقود إلى صراع شيعي شيعي.
فحال هذه الدورة الانتخابية وإن اختلفت نتائجها بعض الشيء لكنها لن تغير شيئا من حال البلد، ولا تشكل أي علاج لوضعه.
فالمتابع لما يجري الآن في العراق وما يشهده من صراعات وخلافات بين الكتل السياسية، يرى أنه ليس له أية علاقة بحال الأمة ومعاناتها، ووضعها السيئ لا يغيره حكومة أغلبية وطنية أو حكومة توافقية، فالكل يبكي على ليلاه، والأمة في وادي والحكومة في وادٍ آخر، ويرى واضحا فقدان هذا البلد لسيادته من خلال التدخل الإيراني الواضح والزيارات المكوكية والاجتماعات المفتوحة والمغلقة تحت ذريعة المحافظة على وحدة البيت الشيعي.
أيها المسلمون في العراق: إن مشكلة العراق الأساسية أنه بلد محتل وأن جميع الكتل السياسية على اختلافها عميلة لهذا المحتل، فهي تحرص على المحافظة على نظامه وتقديس دستوره، إضافة إلى مصالحها الشخصية ومكاسبها المادية، فخلافاتها هي خلافات اللصوص على المسروقات، ولا تعنيهم معاناتكم، وقد عهدتم هذه الوجوه منذ عام 2003م إلى الآن فهي نفسها كقطع الدومينو تخلط كل أربع سنين وتوزع، وطالما أن المشكلة الأساسية قائمة فلا يمكن أن يكون هناك تغيير مهما تبدلت الوجوه وتغيرت المواقع.
فخلاص العراق ليس بحكومة وطنية أو حكومة توافقية وليس برئيس الجمهورية برهم أم ريبر ولا برئيس الحكومة جعفر الصدر أم غيره، فهؤلاء جميعهم متفقون على الحكم الاتحادي الفيدرالي الذي فرضه المحتل وعلى دستوره الوضعي العلماني، وكل هذه الخلافات هي خلافات على المنفّذ لهذا النظام والمطبق له، وما جرى ويجري لحد الآن من مآسٍ وحاجة وحرمان سببه الرئيسي هو النظام السياسي الذي يُحكم به البلد، ولا خلاص إلا بتغييره تغييرا جذريا، ولا يكون ذلك إلا بتحرير البلد من الاحتلال بكل أنواعه العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي، فيتحقق الاستقلال بجعل السيادة لشرع الله والسلطان للأمة بانتخاب من يطبق شرع الله ممن تثق الأمة بعدالته وقدرته على القيام بأعباء الحكم، تتساوى الأمة بحقوقها بعيدا عن الطائفية المقيتة أو القومية النتنة.
نعم هذا هو العلاج الناجع الوحيد لمشكلة العراق وغيره من بلاد المسلمين وهو الحكم بما أنزل الله بنظام الخلافة الذي يجعل السيادة لله وشرعه، وليس بالنظام الجمهوري أو الملكي أو الاتحادي الفيدرالي أو غيره من الأنظمة التي تجعل السيادة للإنسان وعقله.
بقلم: الأستاذ مازن الدباغ – ولاية العراق
رأيك في الموضوع