خلق الله الكون بأجرامه المتناهية، والحياة بأشكالها المختلفة من حيوان ونبات في البر والبحر خدمةً للإنسان، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. كانت الأرض ببرها وبحرها وغلافها الجوي نظيفة، وجعل الله لها نظاماً تمضي عليه يحقق للإنسان رغد العيش، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾، ولم يجعل للإنسان الحق في الخروج عن هذا النظام، لما في ذلك من عواقب وخيمة، وآثار مدمرة للإنسان وحياته وحياة غيره من المخلوقات.
عادة ما ارتبط ظهور النفايات بالتصنيع، كان الإنسان ذو العقل والبصيرة تأتي نفايات تصنيعه آمنة، لا ينتج مخلفات خطرة على حياته وحياة البيئة التي يعيش فيها، وأما الطاغي فتكون نفايات تصنيعه ضارة مدمرة.
ظهرت النفايات الملوثة للبيئة والخطرة على حياة الإنسان والحيوان والنبات بظهور المبدأ الرأسمالي، فبظهوره ازدادت أعداد الصناعات المختلفة النفطية والكيميائية والنووية، حتى بلغت مئات الآلاف، وحرص الرأسماليون دائماً على زيادة أرباحهم عن طريق زيادة إنتاج مصانعهم.
تعد الصناعات الكيميائية والنووية التي تستخدم اليورانيوم ونظائره المشعة من أخطر الصناعات على البيئة والتربة والصخور والهواء والنباتات والإنسان، ونفاياتها من أخطر النفايات، وقد استخدمت أمريكا في حربها على العراق في 1991م اليورانيوم المنضب في ذخائرها بديلاً عن فلز الرصاص، واليورانيوم غير المنضب في أفغانستان في 2001م، ما أدى إلى تلويث البيئة في البلدين، وانتشار الأورام السرطانية، والمواليد المشوهين.
تشمل النفايات السامة والخطرة الصناعات الكيميائية للأدوية والأسمدة والسموم الزراعية، والصناعات النووية، تقدر المفاعلات النووية حول العالم بـ439 مفاعل منها 104 في أمريكا وحدها.
لقد ظهرت الآثار السلبية لنفايات المصانع، مع ارتفاع وعي الناس في البلدان الصناعية، بعد ظهور الأمراض ذات الصلة بنفايات التصنيع، ففرضت القيود على تلك الصناعات ونفاياتها تلزمها بسلامة التخلص من نفاياتها، فهربت تلك المصانع بنفاياتها إلى خارج حدود تلك الدول الصناعية، حيث لا رقيب ولا حسيب عليها هناك، إما لجهل الناس بخطورة نفايات تلك المصانع، أو بتواطؤ الحكام في البلدان المتخلفة اقتصادياً.
تذكر التقارير أن 34 بلداً أفريقياً قد حلت بها نكبة النفايات السامة للدول الصناعية "أوروبا، وأستراليا، وروسيا، وأمريكا". ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في 2013م أن المافيا الإيطالية تتقاضى 20 مليار يورو سنويا مقابل إغراق شحنات من النفايات الخطرة في سواحل ليبيا، وهذا ما يفسر نفوق الحيتان قبالة السواحل الليبية. كما تولت عصابات المافيا عقد صفقات مشبوهة مع بعض المسئولين في البلدان الفقيرة لدفن النفايات النووية. وبحسب دراسة لخدمة إنتر برس الإعلامية العالمية، فإن تكلفة دفن طن واحد من النفايات الخطرة في إحدى دول أفريقيا يكلف الدول الغنية 2.5 دولار، فيما يكلف دفنه في أوروبا أكثر من 250 دولارا.
لقد عانت أفريقيا وما زالت تعاني من دفن النفايات السامة في أراضيها، ما جعل المحلل السياسي الكاميروني باتريس دافيد دولمبا يضع كتاب "لا تدفنوا نفاياتكم عندنا". وأشار إلى أنه في عام 1989 نشرت المنظمة الدولية للصحة أن أسباب موت الأطفال في أفريقيا وتحديدا في الكاميرون وموزمبيق وأفريقيا الوسطى والغربية يرجع إلى دفن النفايات النووية في تلك الدول مقابل المليارات من الدولارات. فدول مثل ألمانيا وأستراليا كتبت صحفها عن تجار النفايات النووية الذين يجدون القارة الأفريقية مثالية لدفن نفاياتهم.
كشفت مجلة لوسولاي السنغالية في تقريرها عن تجار النفايات النووية في القارة الأفريقية، أن دولاً أفريقية مثل موزمبيق وأفريقيا الوسطى تشكل بنسبة 33% من مساحة حقيقية ترمي فيها الدول الغربية نفاياتها. وأشارت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير لها سنة 2003 عن سوق النفايات النووية إلى موزمبيق معتبرة أن هذا البلد المصاب قرابة 39% من أطفاله بالإيدز، و33% بسرطان الدم، الغارق في الفقر، يشكل جغرافية "مرفوضة" في عالم النفايات النووية التي تلقي بها الدول الصناعية الكبرى على أرضه.
وترجع الزيادة الكبيرة في حجم التجارة الدولية للنفايات الخطرة إلى ارتفاع معدلات التصنيع بالعالم المتقدم، والذي تصاحبه زيادة النفايات، وتقلص المواقع الآمنة لدفنها لديها. وتحدثت جريدة "لوسوار" البلجيكية أن دولاً مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان بالإضافة إلى دول غربية، مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا، "مهتمة" بالأسواق الأفريقية الحرة لرمي النفايات النووية بها.
وكما كانت أفريقيا بلداً مستباحاً للنفايات النووية من الدول الأوروبية الصناعية، كانت أمريكا الجنوبية محطاً للنفايات السامة الأمريكية، فقد ذكرت منظمة جرين بيس الدولية، في دراسة لها، أن هناك 115 شحنة من النفايات النووية السامة، أرسلت بين عامي 1987 و1998 إلى دول أمريكا الجنوبية وأفريقيا.
ولفتت صحيفة التيلجراف البريطانية، إلى الكشف عن سفن تحوي نفايات نووية، إلى السواحل الصومالية وبعض الدول الأخرى. هذه السفن إما كانت تغرق وإما يتم إغراقها قبالة السواحل الصومالية، أو تنقل الشحنات، وتدفن في مناطق بالصحراء. دمرت البيئة البحرية في الشواطئ الصومالية بسبب نفايات الدول الصناعية، النووية، ومن بين عشرات السفن، تم الكشف عن سفينتين إحداهما إيطالية والأخرى سويسرية، قامتا بإلقاء حمولتهما بالقرب من الساحل الصومالي، كشفتهما أمواج تسونامي حين وصلت الشواطئ الصومالية في عام 2004، وتعرض أهالي القرى الساحلية، لأمراض سرطانية نتيجة لطفوّ الحاويات السامة، المحملة بالنفايات النووية.
رأيك في الموضوع