تحدثنا في الحلقات السابقة عن الأعمال الإجرامية الشريرة التي قام بها يهود بحق المسجد الأقصى المبارك وأرضه الطاهرة المقدسة من حوله منذ ما سمي بعهد الانتداب البريطاني، مرورا باغتصاب جزء من فلسطين سنة 48 ثم اغتصاب الجزء المتبقي منها سنة 67 وحتى يومنا هذا. والسؤال بعد كل ذلك: ما هو واجب أمة الإسلام تجاه ما يجري بحق بيت المقدس؟! ما هو واجب الملياري مسلم من غانا إلى فرغانا ومن جاكرتا حتى طنجة؟! ما هو واجبهم تجاه المسجد الأقصى المبارك الذي يستصرخهم صباح مساء مع كل تكبيرة (الله أكبر) تعلو من مآذنه الأربع؟!
وقبل أن نتحدث عن واجب المسلمين يجب أن نُذكر ببعض الحقائق المهمة المتعلقة بأعمال الغرب الصليبي والصهيونية العالمية تجاه الأقصى وأكنافه المباركة وموقف أمة الإسلام منها:
1- أراد الغرب لمشروع كيان يهود أن يكون قوياً ومستمراً لأجل طويل؛ وذلك لينوب عن الغرب الصليبي في حراسة مصالحه أولا في بلاد المسلمين، وليقف في وجه أي تغيير يقوم به المسلمون في المنطقة الإسلامية المحيطة؛ أي ليكون رأس حربة أولى تتلقى الصدمة، وتحاول القضاء عليها؛ أي القضاء على قوة المسلمين الناهضة، وليكون كذلك رأس جسر سريع في جلب القوات الغربية من وراء البحار والمحيطات عبر موانئه ومطاراته وقواعده العسكرية في فلسطين، وعمل الغرب من أجل هذين الأمرين بشكل مستمر ومتواصل؛ لتهيئة الظروف من أجل أن يكون هذا الجسم الغريب في البلاد الإسلامية مقبولا، وأن تتغير النظرة تجاهه بدل العداوة إلى الصداقة الحميمة، وبدل الخصومة إلى التعاون، وبدل التنافر إلى المشاركة. وقد عمل أموراً عدة لتحقيق هذه الغاية، ولكنها في النهاية فشلت جميعا، باستثناء ما فرضه بالقوة عن طريق عملائه ومؤسساته الإقليمية والدولية.
2- لقد عمل الغرب جاهدا وبكل الوسائل والأساليب الدولية والإقليمية لجعل اليهود جسما مقبولا في البلاد الإسلامية إلا أنه فشل في هذا المشروع فشلا ذريعا. وكان من الأمور التي عمل من خلالها لدمج كيان يهود في منظومة المنطقة الإسلامية:
1- إبراز يهود كقوة متفوقة في البلاد الإسلامية؛ ليوجدوا القناعة عند الشعوب أنه لا بد من التعامل مع هذا الواقع؛ لأنه لا يمكن إزالته ولا تغييره. ومن ذلك أن أشاعوا الأخبار بأن يهود يملكون العشرات من القنابل النووية، وغير ذلك من الأسلحة الفتاكة.
2- فرض القوانين الدولية وحراستها من خلال منظومة الأمم المتحدة وذلك ليكون هناك رأي عالمي ودولي بضرورة التعامل مع كيان يهود؛ لأنه عضو في الأمم المتحدة، وغيرها من منظمات دولية، واستصدروا لهذه الغاية قرارات دولية كما ذكرنا منها قرار 181 سنة 1947، وقرار 242 سنة 1967، ثم قرارات إقليمية صادرة عن الجامعة العربية؛ منها قرار الاعتراف بكيان يهود في قمة بيروت سنة 2002.
3- عقد اتفاقات سلام مع المحيط القريب (أهل فلسطين)، والبعيد من البلاد الإسلامية. وقد بدأت أولى الاتفاقات بكامب ديفيد سنة 1978 بين قادة مصر واليهود، ثم امتد ذلك إلى مؤتمر مدريد بين الممثلين الدوليين لأهل فلسطين واليهود، ثم أعقب ذلك معاهدة أوسلو سنة 1993، ثم وادي عربة سنة 1994م. والحقيقة أن المعاهدات تهدف إلى أكثر من هدف منها: تشجيع الهجرة إلى فلسطين، وإشعار اليهود في الخارج بإنهاء حالة الحرب، وإغراء أهل فلسطين للاعتراف بكيان يهود؛ من خلال المشاركة في انتخابات رئاسية وبرلمانية تعطي الثقة لممثلين رسميين يوافقون على ما أُبرم من اتفاقات، وفتح الطريق للدول غير المشاركة في علاقات مع اليهود للقيام بذلك، وقبل كل ذلك إضفاء الصبغة القانونية على وجود اليهود في الأرض المغتصبة سنة 48، وأجزاء كبيرة من الأرض المغتصبة سنة 67. وكل هذه الأمور تشارك ويعاضد بعضها بعضا في تقوية شوكة يهود، وإمدادها بدفعة للأمام في خدمة مشاريع الغرب وسياساته.
لم يستطع الغرب والصهيونية العالمية، ومعهم سطوة الحكام إقناع الشعوب المسلمة بقبول يهود، ولا في أية خطوة من هذا القبيل، ونجاحهم كان فقط عن طريق ما فرضوه بقوة السلاح والحراسات والقوانين الدولية. وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو عام 2017 أمام الكنيست، في الذكرى الأربعين لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين اليهود ومصر 1978 حيث قال: "إن الزعماء العرب حولنا ليسوا العقبة أمام توسع علاقات (إسرائيل) من خلال السلام، وإنما الرأي العام العربي... إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت (إسرائيل) بشكل خاطئ ومنحاز..."!!
إن بيت المقدس لا ينزعها من قلوب المسلمين معاهدات ولا مواثيق دولية، ولا يغير واقعها أكاذيب ملفقة من هنا وهناك. ولا يغير نظرة المسلمين ليهود المغتصبين المحاربين للأقصى والمقدسات، فالقدس والأقصى هما عقيدة عند أمة الإسلام. وقد كانت سببا كما ذكرنا على مر التاريخ في توحيد الأمة ضد الغزاة والمعتدين. وستكون كذلك في قابل الأيام إن شاء الله. إن كل المعاهدات والمواثيق والقرارات الدولية والإقليمية وكل ألوان التطبيع والخيانات لا تغير من الواقع شيئا. والسبب أن الشعوب أصلا لا تؤمن بحكامها، فكيف ستؤمن بما يعملونه من خيانات مع اليهود؟!
- إن من أبرز مظاهر الفشل لكل سياسات الغرب واليهود ومعهم الحكام العملاء هو:
1- رفض الشعوب التعامل مع اليهود في حلهم وترحالهم في بلاد المسلمين، وإذا قاموا بذلك فغالبا ما يكون تحت غطاء جنسيات أجنبية، أو ضمن حراسات مشددة.
2- العلاقات القائمة بين بلاد المسلمين وبين كيان يهود لا تتعدى الناحية الرسمية فقط. فلا توجد علاقات تجارية أو ثقافية أو حتى رياضية مع أفراد أو مؤسسات إلا نادرا وبشكل لا يذكر.
3- حدثت أعمال عدة ضد اليهود في المحيط العربي، ووصفها عامة المسلمين بأنها عمليات بطولية.
4- هناك مقاطعة شبه شاملة للبضائع والمنتجات اليهودية في البلاد الإسلامية.
5- يرفض أهل فلسطين رفضا قاطعا تمليك أي شبر من أرض فلسطين لليهود؛ حتى ولو دفع مقابله ووزنه ذهبا.. وحتى الأرض التي اغتصبوها سنة 48 ما زال 99% منها إما ملك وقفي ومشاع من أيام الدولة العثمانية، وإما أملاك مغتصبة منذ التهجير القسري.. وما تم بيعه داخل تلك المنطقة كان بعمليات تحايل عبر تجار ينتحلون ويتقمصون أشخاصاً عرباً من المناطق المجاورة لفلسطين. أو عن طريق الزعامات والحكام الموالين لليهود أصلا. وهذه البيوع لا تتعدى 2% من أرض فلسطين سنة 48.
6- إن نظرة المسلمين بشكل عام للأقصى وفلسطين هي أنها أرض مغتصبة يجب عليهم تحريرها. وإن العائق أمامهم هم حكامهم خدم اليهود والصليبيين الغربيين. ولو دعي الناس للجهاد في فلسطين للبّى النداء مليار مسلم يصطفون على حدود فلسطين؛ ينتظرون الإذن بالجهاد. وهذا ما عبر عنه أحد حاخامات يهود في نظرته لنهاية دولة يهود.
يتبع...
رأيك في الموضوع