وصلنا إلى الأعمال الإجرامية التي قامت بها عصابات يهود الوافدة إلى بيت المقدس؛ تحت غطاء ومساعدة الصليبيين الجدد الإنجليز، وذلك خلال فترة ما سمي بالانتداب، والسنوات التي أعقبتها بعد التهجير القسري سنة 1948. وسنكمل في هذه الحلقة ما قام به الصليبيون الجدد، والصهاينة المغتصبون ضد أرض وأهل المسجد الأقصى وأكنافه المباركة.
لقد بلغت المجازر التي قام بها يهود في بيت المقدس وأكنافه تحت مظلة الإنجليز عن طريق المنظمات الإرهابية السرية والعلنية والتي أسستها الحركة الصهيونية في فلسطين، ما يزيد على السبعين مجزرة قبل سنة 48، واستمرت بعد ذلك في مطلع الخمسينات؛ استشهد فيها المئات من أهل فلسطين، وجرح الآلاف؛ ما أشاع الخوف والهلع بين السكان العزل، الذين سلبهم الإنجليز أسلحتهم، وتآمر عليهم حكام المسلمين وخذلوهم، وأسلموهم ليهود بلا حرب يفعلون بهم الأفاعيل؛ بلا رحمة ولا هوادة. وتسبب ذلك وغيره من أعمال إجرامية، في تشرّد الآلاف من أهل فلسطين من أرضهم وديارهم، إلى البلاد المجاورة والشتات. ومن هذه المذابح الجماعية على سبيل المثال لا الحصر: بتاريخ 26/7/1938م، ألقى أحد عناصر عصابة "إتسل" قنبلة يدوية في أحد أسواق حيفا؛ فاستشهد جراء ذلك 47 ممن وجدوا في السوق. وفي 31/12/1947م، قامت قوة من "البالماخ" قوامها 170 مسلحاً بهجوم على قرية بلد الشيخ، حيث طوقوا القرية، ودمروا عشرات البيوت والممتلكات؛ ما أسفر عن ارتقاء 60 شهيداً؛ من بينهم العديد من الأطفال والنساء. وفي 31/3/1948 لغَّمت عصابة "شتيرن" الإرهابية قطار القاهرة حيفا السريع؛ فاستشهد 40 شخصاً، وجرح 60 آخرون. في 22 كانون الثاني/يناير 1949وجَّه ضابط عمليات منظمة "الهاجاناة" ييجال يادين أمراً لقائد "البالماخ" ييجال آلون بالقيام بعملية عسكرية ضد قرية اليازور. وأسفر هذا الاعتداء عن مقتل 15 فلسطينياً، لقي معظمهم حتفه وهم في فراش النوم. وفي عام 1937، ألقى أحد عناصر منظمة "إتسل" الصهيونية قنبلة على سوق الخضار المجاور لبوابة نابلس في مدينة القدس؛ ما أدى إلى استشهاد عشرات من الناس، وإصابة الكثيرين بجروح. وبتاريخ 29/12/1947م، استشهد 14 مسلما، وجرح 27، في باب العامود في القدس بانفجار برميل محشو بالمتفجرات؛ وضعته عصابات "أرغون". وفي اليوم التالي، وعلى يد العصابات نفسها وبالطريقة نفسها وفي المكان ذاته استشهد 11 عربيا.
هذا غيض من فيض المجازر التي حصلت، وهنا ذكرنا فقط بعض النماذج؛ لأن الحديث عنها يطول في تفصيلاتها؛ لأنها تزيد عن السبعين قبل عام 48؛ وهي تحتاج إلى بحث كامل بحيثياتها وتفصيلاتها.
وبالإضافة لتلك المجازر والأعمال الإرهابية قام اليهود بهدم قرى بأكملها، وإزالتها من الوجود وبنوا مكانها قرى ومدناً يهودية؛ وغيّروا أسماءها كلية وبلغ عدد القرى المدمرة في فلسطين تدميرا كاملا سنة 48 حوالي 531 قرية كان يقطنها نحو 807 آلاف نسمة، وتتوزع على 14 قضاء في 6 ألوية. ومن المدن اليهودية التي أقيمت على أنقاض قرى عربية (بيت حتكفا) مكان قرية ملبس، (وهرتسيليا) مكان قرية أبو كشك، (وتل أبيب) مكان قرية تل الربيع، (وإيلات) مكان قرية أم الرشراش في الجنوب. (وأشكلون) مكان مدينة عسقلان، (وبير شيبع) مكان مدينة بئر السبع، و(أشدود) مكان مدينة أسدود. إلى غير ذلك من عشرات بل مئات القرى المدمرة؛ والتي أقيم مكانها مدن وقرى يهودية وكيبوتسات. كما أنهم هدموا الكثير من المساجد؛ وحولوا قسما منها إلى حظائر للخنازير، أو ملاهٍ ليلية وخمارات!! وبلغت المساجد المدمرة في فلسطين سنة 48 حوالي 1200 مسجد ومقام، ومثلها من المقابر. ومثال ذلك: حوّل مسجد قرية البصة قضاء عكا إلى حظيرة لتربية الأبقار ومكب للنفايات. ومسجد عين الزيتون في قضاء صفد إلى حظيرة للأبقار، والمسجد الأحمر إلى ملهى ليلي وقاعة أعراس، والمسجد اليونسي إلى معرض تماثيل وصور، ومسجد القلعة في صفد جعل مقرا لمكاتب البلدية، ومسجد عين حوض قضاء حيفا إلى مطعم وخمارة. وهناك مساجد كثيرة حولها يهود إلى كنس، منها المسجد اليعقوبي في صفد، ومسجد ياقوق قضاء طبريا، ومسجد العفولة قضاء الناصرة، ومسجد كفريتا، ومسجد طيرة الكرمل قضاء حيفا، ومسجد العباسية، ومسجد يازور قضاء يافا، بالإضافة إلى العشرات من المساجد والمقامات. وبالمجمل فإن يهود قد عاثوا فسادا وإفسادا في فلسطين ومساجدها وشعبها، ولم يسلم منهم إنسان ولا شجر ولا حجر ولا حيوان. وهذا مصداقا لقوله جل جلاله: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
4- قام الإنجليز بالقضاء على كل أشكال الثورات والمقاومة بالمشاركة مع اليهود؛ وخاصة ثورة موسم النبي موسى عليه السلام سنة 1920 وثورة البراق سنة 1929، وثورة الشيخ عز الدين القسام سنة 1935، وثورة سنة 1936 المسماة الثورة الكبرى. وهذه الثورات قامت ضد الإنجليز واليهود معا، وضد سياساتهم في تهويد فلسطين، وفي الوقت نفسه منعوا تسلح أهل البلاد، وكانت عقوبة الإعدام لكل من يوجد عنده سلاح، وفي المقابل سمحوا لليهود بإنشاء التنظيمات العسكرية؛ مثل عصابات (البالماخ والهاجانا وشتيرن والأرجون وإتسل..)، وشراء الأسلحة بأنواعها. وقاموا كذلك بتزويدهم بالسلاح وتدريبهم في مراكز الجيش البريطاني.
5- قام الإنجليز بالتعاون مع الدول الاستعمارية النصرانية، باستصدار عدة قرارات دولية وأخرى بريطانية في عهد الانتداب تُمكن اليهود من فلسطين؛ كان منها: الكتاب الأبيض سنة 1930؛ والذي يؤكد على وعد بلفور، وإقامة الوطن القومي لليهود، وتنظيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقرار التقسيم سنة 1947؛ والذي قسم فلسطين إلى ثلاثة كيانات واحد لليهود، والثاني للعرب والثالث يتعلق بتدويل الأماكن الدينية ومنها مدينة القدس.
6- اصطنع الإنجليز الهزائم المتتالية للجيوش العربية؛ وذلك بعد مسرحية إنهاء الانتداب سنة 1948، فحدثت بعد ذلك حرب 1948 وقد اشترك في هذه الحرب سبعة جيوش حسب الأكاذيب التي أشاعتها الدول العربية. وكان على رأسها جيش الإنقاذ الذي تشكل بقرار من الجامعة العربية سنة 1947، وكانت النتيجة الهزيمة المبرمجة حسب خطة الإنجليز والدول الأوروبية وعلى إثر ذلك أعلن عن قيام كيان يهود بشكل رسمي، واعترف به الغرب وعلى رأسه الأمم المتحدة بأغلبية 163 دولة من أصل 193، ثم قُبل هذا الكيان عضوا في الأمم المتحدة سنة 1949 بالقرار رقم 273.
هذا ما حصل من مؤامرات تجاه فلسطين بعد هدم الخلافة العثمانية، وسيطرة الإنجليز على فلسطين حتى إعلان قيام كيان يهود، وجلب إخوان القردة والخنازير إليها بمؤامرات دولية، وخيانات إقليمية. فهل وقف الأمر عند هذا الحد في التآمر على القدس وأكنافها ومسجدها؟! ونصل إلى الزاوية السادسة والسابعة وهي: (استمرار المؤامرة بعد الانتداب البريطاني، وتسليم فلسطين كاملة ليهود، وموقف حكام المسلمين من هذه المؤامرات). وفي هذه الزاوية نكمل الحديث عن المرحلة التي تلت قيام دولة يهود واعتراف الدول النصرانية بها؛ في هيئة الأمم المتحدة.
يتبع ...
رأيك في الموضوع