انعقد مؤتمر باريس 3 لدعم الحل في ليبيا بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد نُشر البيان الختامي يوم الجمعة 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وجاء البيان باهتا مغرقا في العموميات، ويعكس حالة الصراع الدولي والاستقطاب للأطراف المحلية كل حسب الجهة التي تموله أو تحتويه.
وحض البيان على ضرورة إتمام العملية الانتخابية بلغة فضفاضة ليس فيها كيفية معالجة المشكلات الحاصلة والتي تحصل قبل وأثناء وبعد العملية الانتخابية.
هذا فيما يتصل بالعملية الانتخابية في داخل ليبيا، أما في علاقات الدول الكبرى فقد ظهر الصراع بين الدول الكبرى، وقد كان المؤتمر "منصة" للتصريحات المتضادة، وظهر الانزعاج الشديد عند الإيطاليين من الدور الفرنسي، ثم جاءت التصريحات الروسية على لسان وزير الخارجية الروسي لافروف مهاجما أوروبا وفرنسا بالخصوص فيما يقومون به من دعم وتدخل في أوكرانيا ضد روسيا البيضاء وضد روسيا الاتحادية في البحر الأسود الذي تعتبره روسيا مجالها الحيوي.
وهذا "المنحى" في المؤتمر هو تشويش على المؤتمر أولا، وصرف له عن موضوعه ثانيا، وبالتالي يصبح التساؤل المشروع ملحاً، هل مؤتمر باريس للحل في ليبيا؟ أم لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى والإقليمية فيما بينها؟!
فماكرون دعا حليفه رئيس وزراء اليونان العدو اللدود لتركيا إلى مؤتمر يبحث الملف الليبي الذي لا دور لليونان فيه، وأجلسه إلى طاولة يجلس عليها رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا محمد المنفي والذي طردته أثينا في كانون الأول 2019 عندما كان سفيرا لليبيا في اليونان، (بسبب الاتفاقية الليبية التركية لترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا).
ويتساءل البعض هنا هل كان المؤتمر مناسبة لأمريكا لتوجيه صفعة جديدة لماكرون بعد صفعة إفشالها لصفقة الغواصات الأسترالية؟
في الأساس لم تكن واشنطن متحمسة لقيام فرنسا بعقد مؤتمر باريس 3 المتعلق بدعم حل الأزمة الليبية بدليل ظهور الخلاف الحاد في المؤتمر بين الموالين لأمريكا وبين الموالين لفرنسا. فقد هاجمت إيطاليا فرنسا واتهمتها بالاستحواذ، وتركيا ظهرت في شكل المعترض على المؤتمر من قبل حتى انعقاده وشاركت بوفد من وزارة الخارجية دون الوزير، وترنح الألمان بين الحضور وعدمه ابتداء. ومارست روسيا أثناء المؤتمر على لسان وزير خارجيتها هجوماً على أوروبا وفرنسا بالخصوص، في مسألة أوكرانيا وروسيا البيضاء، وتتواصل الأمور في داخل المؤتمر بما لا تود فرنسا.
وقد كان لكلمة دبيبة رئيس الوزراء وما ظهر فيها من نيته الترشح بعد احتجاج ماكرون بأن ذلك مخالف للقانون، ورد دبيبة بتفسير آخر للقانون وضرب مثلا بالسيسي ومصر سنة 2013.
أما في ليبيا فتتسارع الأحداث بعد مؤتمر باريس وخروج سيف القذافي من جحره على شاشات التلفزيون يقدم ملف ترشحه إلى مفوضية الانتخابات في إقليم سبها في الجنوب لرئاسة الدولة أريد بها ضربة لأطماع حفتر. وتقدم الكثيرون إلى المفوضية بملفات ترشحهم للرئاسة بشكل معيب لأن بعضهم لن يتحصل حتى على 10 أصوات، فما بالك بعشرات الآلاف؟!
وفي هذا الخِضم لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
1- نورلاند السفير الأمريكي في ليبيا: واشنطن تدعم الليبيين الذين يريدون الانتخابات.
2- صحيفة التايمز الأمريكية: ليبيا منقسمة للغاية ولا يمكن أن ينقذها ابن القذافي.
3- صمت رسمي مطبق لكيان يهود حيال علاقاته السرية التاريخية مع العقيد القذافي، والتي كان ابنه سيف هو مهندسها وناسجها عبر رجال مالٍ يهود من أصل ليبي أمثال رجل الأعمال الفلاح ونمرودي. وصِلات كيان يهود الآن مع المشير حفتر رغم تواتر الأخبار بذلك المدعمة بالصور والفيديوهات عن لقاءات في عمّان مع الموساد، وعن زيارة صدام ابن حفتر لكيان يهود منذ أسبوعين متعهدا نيابة عن أبيه أنه إذا ما ساعدت دولة يهود أبيه في الوصول إلى الحكم فإنه يتعهد بالتطبيع الكامل معها.
4- هذا الصمت مفهومة أسبابه ودوافعه، حتى لا يحصل التشويش على حفتر أثناء العملية الانتخابية.
5- إن دولة يهود لا ترغب في استفزاز تركيا التي لها مصالح في ليبيا.
6- دولة يهود تتحضر إذا ما حُسمت الانتخابات في ليبيا بفوز أحد من المرشحَين ابن القذافي أو حفتر لإعلان القيادتين في ليبيا ولديها علاقات دبلوماسية كاملة علنية بينهما تطبيقا لاتفاقية "أبراهام".
7- بحسب الصحفي اليهودي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطرون: "إن العلاقات الليبية (الإسرائيلية) الخفية كانت قائمة، وجرى التكتم عليها لتجنب غضب الشعب الليبي المناصر للقضية الفلسطينية".
وبعد مؤتمر باريس 3 تتسارع الأحداث في داخل ليبيا وقد تأزم الوضع على إثر خروج سيف القذافي من جحره مرتبكا تبدو عليه مظاهر الخوف. وبعد تقديمه ملف الترشح أُخرِجَ من الباب الخلفي للمفوضية، قام الأهالي في العديد من المدن بإقفال مكاتب المفوضية رافضين استمرار عملية التسجيل للمترشحين حتى شطب ملفي حفتر وسيف القذافي، وتنادت بعض القوى المحسوبة على ثوار فبراير للقاء والاجتماع في مدينة ترهونة "بعدم السماح بترشح هذين المجرمين" حفتر وسيف القذافي، وفي اليوم نفسه قام عبد الحميد دبيبة رئيس الحكومة بزيارة انتخابية إلى مدينة زوارة وهي إحدى مدن الأمازيغ في ليبيا ووعدهم بتقديم العديد من المشاريع في دعاية انتخابية ظاهرة لم تخف حتى على المستقبلين له، وذكروا ذلك علنا في كلماتهم "رغم ذلك هذه حقوقنا نحن الأمازيغ نطالب بها".
- ثم تصريح إدارة المفوضية: بأن استلام طلبات الترشح ليس يعني قبولها.
وبعد هذه التطورات التي حصلت في البلاد بعد مؤتمر باريس 3 أصبح من المرشح تأجيل الانتخابات إلى السنة القادمة مع انفتاح البلاد على تطورات في اتجاهات أخرى محتملة.
ولذلك نقول: إن هذا العبث الذي تمارسه القوى الكبرى بمساعدة بعض الجهات المحلية العميلة لا ينتج عنه حل صحيح للمشكلة الليبية المصنوعة بفعل الأجنبي وإنما حلها يكمن في الرجوع إلى منهج الإسلام وإقفال هذه الدكاكين التي تفتح كل يوم برعاية الأجنبي ومنظومته الحضارية والسياسية وتعاظم أثرها السلبي على البلاد والعباد ولا بد من أن يأخذ الناس وقتهم والرجوع لمنطق الإسلام في حل النزاع القائم ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾.
فالإعراض عن منهج الله في حل القضايا والمشكلات لا يورث إلا الشقاء والضنك، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾. اللهم اهدِ قومنا إلى سواء السبيل.
رأيك في الموضوع