في بيان بثه التلفزيون الرسمي يوم الاثنين 25/10/2021م، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء، وإعفاء جميع الولاة، ووكلاء الوزارات، واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأعضاء في حكومته ومسؤولين آخرين، مشيرا إلى التمسك باتفاق جوبا للسلام الموقع عام 2020. وتعهد بالتزام القوات المسلحة بـما سماه بــ"الانتقال الديمقراطي" حتى تسليم الحكم للمدنيين من خلال انتخابات عامة، كما تعهد بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة حتى موعد إجراء الانتخابات في 2023.
ليس بمستغرب أن يكون هذا الانقلاب العسكري قبل ساعات من مغادرة المبعوث الأمريكي الذي كان حاضراً يشرف على إتمام فصول استلام البرهان للسلطة كعادة أمريكا في تأييد عملائها ومباركة جرائمهم، فقد نشر موقع سودان تريبيون في 24/10/2021م ما نصه: "استقبل البرهان المبعوث الأمريكي للمرة الثانية خلال 24 ساعة.. وأشار المبعوث إلى أن تدبير أو تنفيذ انقلاب عسكري سيؤدي إلى نتائج وخيمة. وبعد لقاءاته بكل من البرهان ونائبه حميدتي اجتمع فليتمان إلى حمدوك للمرة الثالثة خلال 24 ساعة ونقل إليه تفاؤله بإمكان وجود مخرج من الأزمة الحالية"، ولم تمض ساعات حتى حصل الانقلاب.
وقبل شهر تقريبا تواترت التصريحات الأمريكية الكاذبة عقب المحاولة الانقلابية في 21/9/2021م التي كانت بالأحرى مراناً ساخناً لاستلام البرهان للسلطة، حيث بينت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريح السبت 2/10/2021م أن المبعوث الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان أجرى محادثات في الخرطوم خلال الفترة من 28 أيلول/سبتمبر إلى 1 تشرين الأول/أكتوبر لتسليط الضوء على "التزام الولايات المتحدة الثابت بالانتقال السياسي المستمر في السودان". (سودان تريبيون 2/10/2021م). وقال فليتمان: "إن محاولات الانقلابات العسكرية قد توقف دعم الكونغرس للسودان". (سودان تريبيون 29/9/2021م).
وفي 24/9/2021م حذر مسؤولون أمريكيون من أي محاولة من الجيش للاستيلاء على السلطة في السودان، وأبدوا تأييدهم للحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، منهم مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي السيناتور بوب مينيديز، والسيناتور الجمهوري بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيم ريش. ويوم الخميس 23/9/2021م أدان مجلس الأمن الدولي المحاولة الانقلابية الفاشلة وتعطيل الانتقال بقوة، وقال إنه يجدد دعمه الكامل لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك. كما أعلن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس عن رفض الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لـ"أي حديث عن تبديل الحكم المدني بالسودان إلى حكم عسكري".
لكن بالرغم من الوصايا الجوفاء والتهديدات بقطع المساعدات الأمريكية، وفرض العقوبات على السودان التي لا يتأذى منها إلا الشعب فقط، بالرغم من ذلك حصل الانقلاب، أما تصريحات السياسيين الأمريكيين، بحماية ما سموه إرادة الشعب، و(بالانتقال الديمقراطي للسلطة) فهي مجرد شعارات جوفاء تخدع بها أمريكا السذج والبسطاء، فأين إرادة الشعب في اجتياحها للعراق وسحق أهله الكرام، ووقوفها في صف مدمر الشام بشار الأسد؟!
لقد بلغ هذا الصراع أشده حين كشف حمدوك عن مبادرته (الطريق إلى الإمام) يوم الثلاثاء 22/6/2021م وكان من أقوى بنودها: (إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية)، وفي بيان عقب المحاولة الانقلابية في 21/9/2021م قال حمدوك إن المحاولة الانقلابية "كشفت ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية". وها هي أمريكا تشرف على الانقلاب لتحمي نفوذها ومصالحها في السودان عبر عملائها.
لقد أوصلت أمريكا عميلها محمد بن سلمان إلى سُدة الحكم في السعودية بعد الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف، فيقول ترامب مفتخراً: "لقد وضعنا رَجُلَنا في القمة". ذكر ذلك الكاتب الأمريكي مايكل وولف في كتابه "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" الصادر الجمعة 5/1/2017م. وبرغم ما تردد عن دور ابن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي، إلا أن ترامب ما انفك يقول: "أداء الأمير محمد بن سلمان مذهل ولقاؤه يشرِّفني وأعتبره صديقا له". (بي بي سي 29/6/2019م). إنه النفاق الأمريكي!
وإن ما فعله السيسي بمصر وأهلها الكرام، وتضييقه على أهل قطاع غزة، وقتله لأهل سيناء، ومحاربته للإسلام ونصوصه، وتماهيه من كيان يهود، جرائم يندى لها الجبين. ولكن ما ردة فعل الأمريكان دعاة الحرية وحقوق الإنسان؟!
ففي ليلة مجزرة ميدان رابعة العدوية أوفدت أمريكا مبعوثيها جون ماكين - وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي - والسيناتور ليندسي غراهام، لإكمال فصول مسرحية السيسي وتثبيت انقلابه مع التصريحات الماكرة المنافقة التي فقط تدين وتشجب الانقلاب، حيث وصفا في مؤتمر صحفي بالقاهرة ما جرى في مصر بعد الثالث من تموز/يوليو 2013م، بأنه انقلاب عسكري، وردا على سؤال أحد الصحفيين: "لماذا يصف ما حدث بأنه انقلاب وليس ثورة؟"، قال بسخرية: "لست هنا لتعريف ما حدث من القاموس، سموها ما شئتم؛ لكن إذا كانت تمشي كالبطة وتصدر صوت البطة فهي ببساطة بطة". كما دعوا إلى وضع جدول زمني لتعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وإطلاق حوار وطني يستوعب الجميع.. (وهذا بالضبط الذي صرح به جيفري فليتمان مبعوث أمريكا للسودان)، أما تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري وكانت من باكستان: "إن الجيش المصري "استعاد الديمقراطية". (الجزيرة نت 7/8/2013م). إنه النفاق والخبث الأمريكي!
إن أمريكا يمكنها أن تسحق البشر والحجر والشجر تحقيقاً لأهدافها ولإيصال عملائها إلى الحكم طالما أنهم ينفذون أجندتها، فقد نشرت الجزيرة نت في 25/10/2021م تحت عنوان: "الدبابات تحركت بالتزامن مع وساطة فيلتمان.. "انقلاب السودان" يثير موجة تساؤلات في واشنطن يعتقد المراقبون أن الجيش السوداني قد يلعب ببطاقة التطبيع مع (إسرائيل)، مقابل عدم تصنيف الولايات المتحدة ما وقع في الخرطوم انقلابا عسكريا".
لقد بين الله سبحانه للمسلمين: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾. فأمريكا دولة حاقدة على الإسلام وأهله ولا تريد لأهل السودان لا أمناً ولا أماناً، وستظل أمريكا تصنع المكائد وتحوك المؤامرات ضد أهل السودان، حتى يقيموا الدولة التي تطبق الإسلام وتقطع دابر الكافرين وتخزي عملاءهم أجمعين، وقد أمر الإسلام بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فهي وحدها التي ترد السلطان للأمة لتختار منها حاكمها ببيعة شرعية ليقيم الشرع ولا شيء غيره، فلا مدنية ستطبق الإسلام ولا عسكرية سترضي الرحمن، فهلا اتعظ أهل السودان من مكائد الشيطان؟!
* مساعد النطاق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع