في جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير، العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله، قبل أكثر من سنتين، بتاريخ 23/09/2019م، وعقب توقيع طرفي الحكم المتناقضين، للوثيقة الدستورية وتشكيلهما معاً؛ العسكر والمدنيين لمجلس السيادة، جاء فيه: "إن الحكم في السودان وفق الوثيقة الدستورية يكاد يكون مُشكَّلاً من فريقين بصلاحيات متفاوتة وبولاءات خارجية متصارعة وسينعكس هذا الأمر على عملهما في حل مشاكل الناس وسلامة عيشهم، وسيكون هَمّ كل منهما خدمة الاتجاه الذي يواليه، ومن ثم يتربص أحدهما بالآخر ليُقصيه بوسائل داخلية وخارجية... والمعروف عن إنشاء مثل هذه المجالس في السودان أنها لم تكن تُنشأ إلا مرتبطة بالفترات الانتقالية والأزمات... وذلك إلى أن يتمكن الجيش من ترتيب أوراق الدولة وحل المجلس وفرض رئيس للبلاد من ضباط الجيش"، إنه الوعي السياسي الذي يُري السياسي المبدئي ما لا يراه السياسيون الواقعيون، وهذا ما حدث، حيث بدأ البرهان، ومنذ وقت مبكر، بترتيب أوراق الدولة، حيث وضع يده على ملف السلام المزعوم، واستخدمه أداة لزرع الشقاق في شرق السودان، إلى أن وصل به إلى التمرد والإغلاق الكامل، وخنق الحكومة، ثم استخدم من يسمون بشركاء السلام في شق صف الحرية والتغيير، وحشد الجماهير في صف العسكر ضد المدنيين، وعلق اجتماعات مجلس السيادة، وشل حكومة حمدوك تماماً، حيث خرج حمدوك ليعلن أنها أخطر أزمة تمر بها الحكومة الانتقالية، فأوفدت سيدته بريطانيا وزيرة الشئون الأفريقية ومبعوثها لدعم حمدوك، لكن أوراق اللعبة لم تكن في أيديهم، لذلك كان وصول المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان حاسماً.
فعشية مغادرة طائرته لمطار الخرطوم شرع العسكر بتعليمات من أمريكا في الانقلاب وحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعلان حالة الطوارئ، لذلك فأول رد فعل لأمريكا كان تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الذي قال: "إن الولايات المتحدة تعتبر ما حدث في السودان هو سيطرة عسكرية، وإن كلمة "انقلاب" تحتاج إلى تقييم قانوني" (قناة الحرة 26/10/2021)، ثم لما بدأت أصابع الاتهام تشير إلى المبعوث الأمريكي فيلتمان في الانقلاب رد في حديث لقناة سكاي نيوز قائلاً: "إنه غادر الخرطوم مطمئناً إلى أن البرهان قد وعده بالالتزام الكامل بما اتفقا عليه، وبالتمسك بالتحول المدني الديمقراطي، ولكن اتضح أن البرهان كذب على الشعب السوداني"، والإدارة الأمريكية لا تصف ما حدث في السودان بأنه انقلاب، ففي مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء 27/10/2021 وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض جيك سوليفان الانقلاب بأنه "انتكاسة كبيرة مثيرة للقلق" (رويترز). وأورد موقع عربي 21 بحسب صحيفة نيويورك تايمز أن كارين جان بيير، المتحدثة باسم الرئيس بايدن، قالت للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "نحن نرفض تصرفات الجيش وندعو إلى الإفراج الفوري عن رئيس الوزراء والآخرين الذين وضعوا قيد الإقامة الجبرية" فهي بذلك لا ترفض الانقلاب إنما تحتج على اعتقال رئيس الوزراء وطاقم حكمه فقط.
أما روسيا التي تتحرك بضوء أخضر من أمريكا، فقد وصفت خارجيتها الانقلاب بأنه "دليل على أزمة حادة ناجمة عن اتباع سياسة فاشلة على مدى عامين"، كما أن نائب مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير ديمتري بوليانسكي قبيل لحظات من بدء جلسات مشاورات بمجلس الأمن الدولي حول تطورات الوضع في السودان قال: "لماذا نقول على ما حدث في السودان انقلاباً عسكرياً؟! لماذا لا يكون انتقالاً للسلطة كما تم عند عزل البشير قبل سنتين؟" (عربي بوست) وهو يعني أن يظل الفيتو الروسي مصلتاً لإفراغ أي بيان يصدر عن مجلس الأمن من الإدانة والضغط على انقلابيي السودان ما أدى لتعطيل مشروعي قرار!!
أما بريطانيا وصويحباتها في القارة العجوز، فقد طار صوابهم، وردوا بعنف شديد على انقلاب الجيش، فقد قالت فيكي فورد وزيرة الشئون الأفريقية في تغريدة على تويتر: "الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان خيانة غير مقبولة للشعب السوداني" (رويترز). أما فرنسا فقد غرد رئيسها ماكرون قائلاً: "تدين فرنسا بأشد العبارات محاولة الانقلاب في السودان". أما ألمانيا فقد قال وزير خارجيتها هايكو ماس: "إن الانقلاب العسكري في السودان يعتبر تطوراً كارثياً للأحداث"، وأضاف: "أدين بشدة أعمال العسكريين المشاركين في الانقلاب". وعلى خلفية دعوته للشباب للتظاهر، أمهلت الحكومة يوم الأحد 31/10/2021م السفير البريطاني جايلز ليفر 21 يوماً لمغادرة البلاد.
هذه هي قصة انقلاب رجال أمريكا في الجيش، ووأدهم لمشروع رجال أوروبا، وبخاصة بريطانيا، والذين غرتهم أحلامهم باستلام السلطة من رجال أمريكا من خلال مطالبتهم وضغطهم لتسليم رئاسة السيادي للمدنيين، وهيكلة المؤسسة الأمنية ووضعها بيد رئيس الوزراء، ولا عزاء لهم في انزعاج أسيادهم في أوروبا، ولا نفاق أمريكا لهم، فأمريكا التي وضعت السيسي، ودعمت انقلابه على رئيس منتخب في مصر، وهو يسفك الدم الحرام لآلاف المدنيين المعتصمين، بل وصفه الرئيس السابق ترامب بأنه دكتاتوره المفضل، أمريكا هذه سوف تدعم هؤلاء الانقلابيين حتى يشتد عودهم في الوقت الذي تنافق فيه المدنيين وتنافق العالم، وبحسب فرانس 24، فقد اتصل وزير خارجيتها بلينكن على رئيس الوزراء حمدوك في مقر إقامته الجبرية يوم الأربعاء 27/10/2021، وتحدث معه مرحباً بإطلاق سراحه، ومطالباً بإطلاق سراح جميع المحتجزين.
إن الحكومة المدنية التي سيشكلها البرهان تحت حراب الجيش، سوف تكون امتداداً للحكومة الانتقالية المقبورة، ستنشط في تحقيق أجندة الكافر المستعمر، وتحقيق مصالحه في السودان، وذلك كما يلي:
- استمرار فصل الدين عن الحياة، وتصفية التشريعات والأنظمة من الأحكام الشرعية، والدخول في حضارة الغرب الكافر كافة بمساواة المرأة بالرجل، وتقديس اتفاقية سيداو، وإباحة المثلية والعهر، وكل ما من شأنه أن يشفي غليل الكافر المستعمر في خير أمة أخرجت للناس، ومن ذلك حديث البرهان في مؤتمره الصحفي يوم 26/10/2021، حيث قال إنهم لن يسمحوا لأي جماعة أيديولوجية بالسيطرة على البلاد.
- الاستمرار في تطبيق أوامر صندوق النقد والبنك الدوليين، وما يسمى برفع الدعم عن السلع والخدمات، برفع أسعار الوقود والخبز والكهرباء وكل الخدمات وإفقار العباد، وتسليم ثروات البلاد للشركات الرأسمالية الناهبة للثروات.
- المسارعة في حلف التطبيع مع كيان يهود، وتوقيع الاتفاق معه في البيت الأبيض في أقرب وقت ممكن.
بعد أن استدارت ثورات الربيع العربي في بلاد المسلمين، ورجعت إلى حيث بدأت يتبلور الخلاص الآن في طريق ذي اتجاه واحد يفضي إلى الإسلام العظيم، الذي صاغه أنظمة حياة باجتهاد صحيح حزب التحرير، تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بين فكرتها وواقعها، تنزل نصر الله سبحانه وتعالى باستجابة نفر من أهل القوة والمنعة المخلصين، يردون سلطان الأمة المغتصب، فتقلع جذور الاستعمار الغربي، ويُطبق الإسلام، فيفيض خيراً وبركة على العالم فهلمّ أيها المسلمون.
رأيك في الموضوع