تسارعت الأحداث الميدانية والسياسية المتعلقة بالثورة في سوريا؛ من هزائم كبرى لقوات سفاح دمشق في الجنوب والشمال، إلى انهيار قيمة الليرة السورية، إلى ما زعمه الإعلامي السعودي جمال خاشقجي عن قرب انهيار نظام دمشق بناء على تنسيق سعودي قطري تركي سيترجم في ضخ سلاح ثقيل نوعي للثوار، ونصيحته بالتحضير لليوم التالي لسقوطه وعدم تكرار مآسي الاقتتال بين المجاهدين الأفغان بعد سقوط النظام الشيوعي فيها، إلى إعلان جريدة زمان الوصل بتاريخ 2/5/2015م عن لقاء ضم زهران علوش مع هاشم الشيخ قائد حركة الأحرار الشامية وعيسى الشيخ قائد صقور الشام، التي سبق أن انضمت إلى حركة الأحرار، حيث تم البحث ليس فقط في دمج الأحرار وجيش الإسلام، وإنما البحث في طبيعة النظام السياسي لمرحلة ما بعد سقوط الأسد. وإلى تصريح خالد خوجة بعد اجتماعه بجون كيري حيث طالب بإقامة مناطق آمنة في المناطق المحررة، كما نشرت تسريبات عن قيام نظام الأسد برهن موجودات ضخمة لصالح إيران لتغطية كلفة التمويل الإيراني لحرب النظام وما نقله أمير موسوي عن توعك صحة اللواء علي مملوك الذي يرأس «مكتب الأمن الوطني» بعد وفاة رستم غزالي بعد أسابيع من عراك حصل بينه وبين مدير شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء رفيق شحادة الذي تم عزله... فكل هذه المؤشرات تشير إلى انهيار ركائز النظام في دمشق، والتمهيد لمرحلة ما بعد الأسد.
طبعا ليست هذه المرة الأولى التي يسارع فيها المراقبون إلى نعي الأسد، فقد تكررت عشرات التصريحات من أوباما وجون كيري وأضرابهما عن أن أيام الأسد أصبحت معدودة، ليتبين بعد ذلك أن غياب البديل لقيادة المرحلة الانتقالية يمنحه مهلة أخرى يصارع خلالها الزفرة الأخيرة بقوة البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي وكل ما تطاله يداه من فنون في القتل والتشريد مستخدما حتى المرتزقة، في محاولة يائسة لقهر إرادة الشعب الذي انتفض عليه وعلى داعميه في واشنطن.
فقد حذر نائب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جيف راثك من أن إقامة مناطق عازلة أو حظر طيران فوق سوريا ستنجم عنه تحديات كبيرة عسكرية وإنسانية ومالية. وأوضح في 2 أيار/مايو أن هذا الأمر يتطلب إعادة نظر في إطار السياسة الأمريكية حيال سوريا. ردا على تصريح الخوجة أن الولايات المتحدة تبذل جهودا في سبيل "توفير آلية لإقامة مناطق آمنة" في سوريا، وموضحا "لمسنا تحركا من قبل الإدارة الأمريكية من أجل المساعدة على إيجاد هذه المناطق. تفاصيل الآليات لا نعرفها، لكن حصلنا على جواب قوامه أن هناك عملا جاريا على آلية تساعد على إيجاد المناطق الآمنة بمعنى وقف عربدة طيران النظام". فجاء تصريح راثك ليحد من رفع سقف الآمال بتوفير مناطق آمنة.
إلا أن أخطر ما في هذه التطورات هو ما تطبخه الرياض من الترويج للمرحلة الانتقالية القادمة عبر علوش والترويج له بأنه رجل المرحلة القادمة الكفيل بتأمين صمام الأمان لعدم انهيار مؤسسات الدولة (أي المؤسسات الأمنية التي تتفانى في قمع الشعب). وقد لفت العرض العسكري الذي استعرضه علوش في الغوطة على بعد كيلومترات من القصر الرئاسي نظر المراقبين الذين تساءلوا عن غياب أي رد فعل من النظام تجاه العرض الحاشد، بينما براميله المتفجرة لا ترحم صغيرا ولا كبيرا في أرياف حلب وإدلب، وفي مدينة حلب حيث ألقيت البراميل على مركز "سيف الدولة التعليمي" في حي سيف الدولة، ما أدى لمقتل 10 مدنيين على الأقل وجرح العشرات من الطلاب والكادر التعليمي، متسبباً بمقتل خمسة أطفال، كل هذا بينما علوش مشغول باعتقال حملة الدعوة من حزب التحرير في الغوطة وتغطيته لمحاولات الاغتيال التي تريد عبثا قمع صوت الحق.
إن المتابع لهذه الأحداث يدرك أن أمريكا هي التي تماطل وتمانع في إسقاط بشار، ريثما تتمكن من صناعة البديل الذي يخدم مصالحها. فإلى الآن لا زالت تتردد في إقامة مناطق آمنة، مع أنها أعلنت عن المضي بتدريب قوات من الجيش الحر المقرر أن يبدأ في تركيا في 9/5/2015 بتدريب 2000 مقاتل في المرحلة الأولى وهذا يدل على طول عمر النظام لدى أمريكا.
ما نريد أن نحذر منه هو أن تقع الثورة في سوريا في شرك التآمر الدولي كالذي وقعت فيه انتفاضات مصر وتونس وليبيا. فشعار الشعب يريد إسقاط النظام لا ينتهي عند استبدال شخص الطاغية بشار (أو مبارك أو بن علي أو القذافي أو صالح) بشخص آخر يسير على نهجه نفسه في خدمة مصالح أمريكا والغرب. وإذا صح ما نقلته زمان الوصل عن لقاء علوش مع الأحرار ، ومع وجود ضبابية في موقف الأحرار فإن هذا ينذر بسير الأحرار في مشروع الرياض لمرحلة ما بعد الأسد. ولقد سبق لنا أن ناشدنا الأخوة في حركة الأحرار، ومعهم سائر الفصائل المخلصة العاملة لنصرة دين الله ورفع رايته أن يتبرؤوا من حول أمريكا ويجاهروا برفضهم لسم حلها السياسي الذي يمكّنها من رقاب المسلمين في سوريا برغم ما بذلوه من تضحيات جسام، وأن يلتفوا حول ميثاق الخلافة الذي قدمه حزب التحرير، فإن يفعلوا فازوا برضوان الله وإن يتولوا يستبدلهم الله بقوم يحبهم ويحبونه(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ )، فثورة قامت على "شعار هي لله هي لله"، وشعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، لا ينبغي لها أن تثق لا في أعداء الله، ولا في عملائهم الذين يروجون لسمومهم القاتلة في جنيف 2 و3 و4 وفي اجتماعات اسطنبول والرياض والقاهرة وسواها...
إن النصر لا يكون إلا من عند الله، وإلا فهو الهزيمة المحققة، ومن توهم أن أعداء الأمة الذين هدموا دولة الخلافة، وفرضوا الأنظمة القمعية التي أهلكت الحرث والنسل وسامت الناس سوء العذاب يمكن أن يلبسوا لبوس "أصدقاء الشعب" فهو جاهل مضلِّل أو خدّاع أشِر ... فيجب على المسلمين في سوريا، ومعهم كل المسلمين، الانطلاق من أمر لا يمكن أن ينجح هذا المشروع من دونه، وهو يشكل الأساس الذي سيبنى عليه نجاح مشروعهم، وبدونه لن يحصلوا إلا على المزيد من المآسي والذل والفقر والضلال. أما المشروع فهو مشروع إقامة الخلافة على منهاج النبوة، وأما الأساس الذي يبنى عليه فهو العقيدة الإسلامية. والناظر في واقع الصراع الجاري يجد أنه صراع حضاري مبدئي، تتزعمه من الطرف الآخر إمبراطورية الشر أميركا على أساس مبدئها، وهي تتخذ أسلوب المكر والدهاء على المسلمين حين تدعي أنها تحارب الإرهاب وهي في حقيقة الأمر تحارب الإسلام، وتحارب أن يكون للمسلمين دولة خلافة راشدة تجمعهم. وأمام هذا الصراع الشرس الدامي الذي لا يرحم، فإن المسلمين ليس لهم إلا سبيل واحد للانتصار؛ الاعتصام بحبل الله والتبرؤ من حبل الناس. وليتدبر المسلم آيات الله تعالى ليدرك بإيمانه أن جند الله هم الغالبون، وما أكثر آيات القوة والغلبة التي تعطي القوة للمسلم وتضمن له التأييد والتوفيق والنصر من الله. قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ وقال سبحانه: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾ وقال جلَّ من قائل: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
رأيك في الموضوع