قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة هود الآية 80: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾، جاء في تفسير الطبري: "القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه حين أبوا إلا المضي لما قد جاؤوا له من طلب الفاحشة، وأيس من أن يستجيبوا له إلى شيء مما عرض عليهم: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾، بأنصار تنصرني عليكم وأعوان تعينني، ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾، يقول: أو أنضم إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم، لحلت بينكم وبين ما جئتم تريدونه منِّي في أضيافي.
وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾، أي: عشيرة تمنعني أو شيعة تنصرني، لحلت بينكم وبين هذا.
وحدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "رحمة الله على لوط، إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾، ما بعث الله بعدَه من نبيّ إلا في ثَرْوة من قومه"، قال محمد: و"الثروة، الكثرة والمنعة".
فالركن الشديد هو هنا العشيرة المانعة التي تنصر وتحمي وتذود، وهم أهل النصرة والمنعة.
واليوم الأمّة الإسلامية في أشدّ وأمسّ الحاجة لركن شديد تأوي إليه!
فجسد الأمّة نهشته كلاب دمويّة مسعورة أطلقها الغرب الكافر المستعمر لتنال من خير أمّة أخرجت للناس.
وهذا الحقد والكره الدفين ما هو إلا بسبب هذه الخيرية التي حباها الله سبحانه في قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 108]
أمّة محمد ﷺ خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وفي أيامنا هذه لا نرى أعظم من منكر الحكم بغير ما أنزل الله، لا نرى أخطر من منكر غياب دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي هدمت على يد مجرم العصر مصطفى كمال بدعم من الغرب الكافر وعلى رأسه بريطانيا عدوّة الإسلام الأولى.
وللآن لم يهدأ ولن يهدأ للكفار المستعمرين بال، فحتى بعد إسقاط خلافتنا، واحتلال أراضينا وسلب ثرواتنا، والتنكيل بإخواننا المسلمين في كل مكان على يد أراذل القوم الذين نصبوهم حكاما عبيدا لهم لا يتوانون في تقديم القرابين من جماجم المسلمين. حتى بعد كل هذا الجبروت والطغيان تجدهم خائفين من هذه الأمّة العظيمة ومن نهضتها التي ستدكّ عروشهم قريبا بإذن الله.
كيف لا وقد قيّض لها الله حزب التحرير، هذا الحزب العظيم الذي نشأ استجابة لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]
فترى شباب الحزب بقيادة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة يصلون ليلهم بنهارهم في سبيل دعوة الخير آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر متبنين لقضيّة الأمة المصيرية، وناذرين لذلك الغالي والنفيس من النفس والمال والولد.
ورغم ما يتعرّض له شبابنا من اعتقالات وتعذيب وتشويه وافتراءات فإنهم ماضون لا يخافون في الله لومة لائم، سافرين غير مداهنين، صادعين بالحق في سبيل إقامة شرع الله في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
ومع عظم هذه الأمانة وثقلها لم يغفل حزب التحرير أثناء شقّ طريق الدعوة عن معاناة المسلمين في العالم فكانت حملات الحزب وفعالياته تهزّ العالم من الشرق إلى الغرب لإماطة اللثام عن مكر وإجرام الغرب الكافر وعملائه بحق المسلمين.
فتركستان الشرقية تنزف تحت وطأة الصين المجرمة، وكشمير تذبح على يد الاحتلال الهندوسي، ومسلمو الروهينجا في مواجهة دائمة مع الهجمات الدموية لجيش نظام ميانمار المجرم، ويهود الغاصبون المعتدون أوغلوا في دماء المسلمين في فلسطين ودنسوا مسرى رسول الله وأولى القبلتين.
ونظام باكستان الخائن يعتدي على حملة الدعوة الأتقياء الأنقياء ومن جرائمه نذكر سجنه للناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية باكستان الأخ المهندس نفيد بوت بعد اختطافه بصورة تعسفية إجرامية منذ أكثر من تسع سنوات وذلك لمطالبته باستئناف الحياة الإسلامية ولحمله الدعوة متأسيا برسول الله ﷺ، ومثله الكثير يعانون من طواغيت جثمت على صدر الأمة مثل السيسي فرعون مصر وحسينة في بنغلادش وميرزياييف في أوزبيكستان وغيرهم من الظالمين المجرمين بحق المسلمين.
وكان استصراخ الجيوش على رأس كل هذه الحملات التي أطلقها حزب التحرير نصرة لإخواننا المسلمين المضطهدين في كل مكان.
فلتتفكّروا أيتها الجيوش وتعوا عظم مسؤوليتكم ودوركم تجاه أمتكم! فمن غيركم يمنع هذا الظلم والإجرام بحق المسلمين؟!
يا جيوش المسلمين: من غيركم يحقن الدماء ويقف سدا منيعا أمام غطرسة الكفار المستعمرين؟!
يا جيوش المسلمين: أنتم إخواننا وآباؤنا وأبناؤنا وأصدقاؤنا، من غيركم نلجأ إليه بعد الله سبحانه وتعالى؟!
يا جيوش المسلمين: انهضوا وانفضوا عنكم الوهن وأيقنوا أن ما عند الله خير وأبقى!
يا جيوش المسلمين: كونوا الركن الشديد للأمّة، كونوا أهل العزّ والمنعة ومدّوا أيديكم لنصرة حزب التحرير ومشروعه العظيم؛ تحكيم شرع الله في الأرض وإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة فيعزّ الإسلام وأهله ويذلّ الكفر وأهله.
ونذكّركم بما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام لما دعا قومه: «يَا عَمِّ، أَفَلَا أَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ؟» قَالَ: وَإِلَامَ تَدْعُوهُمْ؟ قَالَ: «أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمَ».
ونحن ندعوكم إلى العمل مع حزب التحرير لإقامة دولة الحق، الخلافة الراشدة، التي بها وحدها يسود المسلمون العالم ويطهّرونه من نجس الكفر وعفن نظامه الرأسمالي المتوحّش الذي يسحق الضعيف ليزداد جبروت القوي.
بينما في ظل حكم الإسلام يُكف الظالم ويُؤخذ الحق للضعيف، فيرتدع القوي، ويأمن الضعيف، ويعتصم الناس بالدولة بدلا من أن يعتصموا منها.. هكذا كنا وهكذا سنعود قريبا بإذن الله.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
بقلم: الأستاذة ابتهال بن الحاج علي
رأيك في الموضوع