في الأول من شباط/فبراير 2021م فوجئ الناس باحتجاز القيادة العسكرية البورمية لمستشارة الدولة ووزيرة الخارجية أونغ سان سو كي، والرئيس وين مينت، وشخصيات بارزة أخرى في حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الحاكم، وبالإضافة إلى ذلك أعلن المجلس العسكري حالة الطوارئ لمدة عام على الأقل، يتم بعده إجراء انتخابات جديدة.
يبدو أن الانقلاب الحالي مدفوع بعاملين: الأول هو الصراع المستمر على السلطة بين الجيش وحزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، والثاني هو التنافس الجيوسياسي بين أربع جهات: (أمريكا، وبريطانيا، والهند، والصين).
منذ استقلال بورما عن بريطانيا عام 1948م والجيش هو الوصي على السلطة فيها، وكان يرعى بدقة المصالح البريطانية، ومع ذلك، وبسبب ضعف بريطانيا العالمي، تم تشجيع الجيش على مشاركة السلطة مع المعارضة المدنية، وكانت البطل الرئيسي للديمقراطية في بورما وللحد من قوة الجيش هي أونغ سان سو كي التي دعمتها كل من أمريكا وبريطانيا.
تم التحريض على المواجهة الحالية بين الجيش وسو كي بعد نتائج الانتخابات العامة التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2020م، حيث فازت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بـ396 مقعداً من أصل 476 مقعداً في البرلمان، أي 83٪ من إجمالي المقاعد، وكان أداء الرابطة الوطنية للديمقراطية أفضل بكثير مما كان عليه في انتخابات عام 2015م، حيث حصلت على 70٪ فقط من المقاعد.
لم يتسبب الانتصار الأخير في الانتخابات في إحراج القيادة العسكرية فحسب، بل جعل الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في وضع يسمح لها بمراجعة الدستور وتقليص سلطة الجيش بشكل أكبر، لذلك من غير المستغرب أن يطعن حزب الاتحاد والتضامن والتنمية الموالي للجيش، والذي حصل على 33 مقعداً فقط في الانتخابات الأخيرة في نتائج الانتخابات؛ ويزعم حدوث مخالفات واسعة النطاق، بينما رفضت لجنة الانتخابات الاتحادية إلى جانب مراقبين محليين ودوليين مراراً وتكراراً هذه المزاعم.
في قلب الصراع بين الجيش والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية يكمن الخوف في أن يفقد الضباط العسكريون الأحكام القوية الواردة في الدستور الذي كتبه في عام 2008م؛ حيث يضمن الدستور للجيش 25٪ من مقاعد البرلمان، مما يتيح له استخدام حق النقض ضد أية تغييرات على تعديلات الميثاق، وبالإضافة إلى ذلك، يمكّن الدستور الجيش من ممارسة السيطرة على وزارات الدفاع والداخلية وشؤون الحدود، ويكرّس الحق في ترشيح أحد نائبي الرئيس، وبالنظر إلى حقيقة أن الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية كانت قد ألغت قانون أحكام الطوارئ في عام 2016م والذي منح الجيش على مدى عقود صلاحيات واسعة لاحتجاز الأشخاص دون تهمة فإن الجيش بات يخشى أن يصبح مستهدفا؛ فالرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية ستشجع على المضي قدماً إلى أبعد من ذلك وإزالة معظم الأحكام المؤيدة للجيش من الدستور، وإعادة هذه الامتيازات للسلطة السياسية غير مقبول للجيش وداعمه الرئيسي بريطانيا.
إلى جانب السياسة الداخلية، فإن ظهور الصين كقوة صاعدة في أوراسيا يمثّل مصدر قلق كبير لكل من بريطانيا وأمريكا، فضلاً عن الهند التابعة لأمريكا، وقد استثمرت الصين بكثافة في مشروعها حزام واحد وطريق واحد، والذي يهدد بتقويض الهيمنة الأمريكية في أوراسيا، ويحد أيضاً من تطلعات الهند الإقليمية وتأثيرها في المنطقة.
إن الصين هي أكبر شريك تجاري لميانمار، ففي كانون الثاني/يناير 2020م وقّع البلدان ما مجموعه 33 مذكرة تفاهم بشأن مشاريع مختلفة؛ مما يعزز العلاقات الثنائية، وقد كانت الهند ضحية هذه العلاقة الوثيقة بين الصين وميانمار، حيث انخفض نفوذها بشكل كبير في ميانمار وأماكن أخرى في المنطقة من مثل نيبال وسريلانكا وجزر المالديف، ولمواجهة النفوذ المتزايد للصين من خلال مبادرة (حزام واحد وطريق واحد) بدأت أمريكا وبريطانيا والهند بالضغط على دول عبر أوراسيا لمراجعة العقود الموقعة مع الصين، هذا بالإضافة إلى حرب أمريكا التجارية المستعرة معها، فضلاً عن جهود أمريكا لمعاقبة شركات التكنولوجيا الصينية، وخاصة تلك المخصصة لشبكات الجيل الخامس وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ومما يزيد الأمور تعقيداً هو التوترات الحدودية بين الهند والصين بشأن إقليم لاداخ، التي أضحت ضرورة ملحة جديدة في نيودلهي وواشنطن للحد من نفوذ الصين المتنامي.
بدلاً من البقاء متفرجة صامتة ومشاهدة التطورات تتكشف من موقع محايد، أتيحت لباكستان مرة أخرى فرصة فريدة للعب سياسات القوة لصالحها، فكان عليها أن تستغل التوترات بين الهند وأمريكا والصين لتحرير كشمير بالكامل من الهيمنة الهندية، فالتوترات المتزايدة بين القوى الثلاث ستؤدي أيضاً إلى تقليل الدعم لميانمار، والتي يمكن لباكستان الاستفادة منها من خلال الشراكة مع بنغلادش لتحرير مسلمي الروهينجا من اضطهاد الرهبان البورميين وأنصارهم العسكريين. لا شيء من هذا مستحيل أو يصعب على باكستان تحقيقه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع