لقد دأب الإعلام السوداني على التعتيم على النشاطات السياسية الغزيرة والراقية التي يقوم بها حزب التحرير/ ولاية السودان، حيث يقيم الحزب منتدىً سياسياً أسبوعياً يحضره عدد مقدر من السياسيين، والإعلاميين، والمهتمين بالشأن العام، يتناول المنتدى تقريباً كل ما يدور في الساحة السياسية والاقتصادية، والإعلامية والاجتماعية، ويضع الحزب في هذا المنتدى معالجات وحلولاً جذرية. إلا أن هذا المنتدى المهم تتعامل معه وسائل الإعلام على اختلافها ببرود ولا مبالاة.
فقبل فترة وجيزة نفذ الحزب وقفات احتجاجية مهمة، واحدة منها كانت في شارع القصر في 25/8/2020م، ضد خيانة التطبيع مع كيان يهود وزيارة وزير الخارجية الأمريكي عرَّاب هذه الخيانة، وأخرى كانت في 9/9/2020م أمام مجلس الوزراء ضد جريمة فصل الدين عن الدولة، وخيانة الاتفاق الذي تم بين حمدوك والحلو. فمرت على الإعلام المحلي مرور الأصم الأعمى على زفة العُرس وطبولها!
في عهد النظام المخلوع وقف الحزب ضد انفصال الجنوب بقوة، فنفذ أول اعتصام في ميدان المولد بالخرطوم، وأقام حملة توقيعات ضخمة تَدافع عليها أهل البلاد، وأقام مسيرات جابت كل مدن الخرطوم الثلاث.
وفي يوم افتتاح السفارة الأمريكية في ضاحية سوبا أقام وقفة احتجاجية أمام السفارة، في وقت كان كثير من السياسيين لا يعلمون بهذا الافتتاح ولا بالموقع الجديد لسفارة أمريكا، حتى قال أحد السياسيين إن حزب التحرير دوما يفاجئنا، فهو حزب متقدم علينا بكثير. فلم يهتم الإعلام بتغطية تلك الأعمال اللافتة للنظر!
هذا غير المؤتمر الاقتصادي العالمي أيام الأزمة الاقتصادية 2009م الذي حضره الآلاف والنشرات والبيانات اليومية، والتعليقات السياسية، والردود والتعقيبات الصحفية، والفيديوهات وخطب المساجد التي تنقلها الوسائط...
لقد دأب الحزب في نشاطاته ومنتدياته على استضافة متحدثين من غير شبابه، وهناك من يطرح رؤى مخالفة للحزب في هذه المنصة، ولكن برغم ذلك لا تجد هذه النشاطات حظها من النشر والاهتمام إلا من بعض الشرفاء المخلصين كأفراد.
في العهد البائد كان الصحفيون يتعذرون بالقبضة الأمنية، والمراقب القبلي، ويشكون عدم حرية الإعلام، حتى تبلغ الجرأة برئيس تحرير كان مسؤولاً في نقابة الصحفيين، أن يقول لصحفي: (إما نحن أو حزب التحرير؟!). لقد صُدم الصحفي من هذا الأسلوب التسلطي العجيب، لأنه لم يكن يتوقع أن تغطية الفعاليات السياسية جريمة، وأن نقل الحقيقة جناية، وصُدم لأنه ليس عضوا في حزب التحرير، وإنما هو صحفي ينقل الحقيقة. ولكن ساعتها أدرك (أن الصحافة ليست مهنية ولا حيادية كما يدعون، وإنما توجهها دوائر تحقق بها أجندة خاصة؛ لإرضاء الدول الاستعمارية، وسفاراتها الأجنبية)، (وأن الإعلام مأجور يتحكم فيه من يدفع).
حاولنا مراراً لقاء كريماً مع رئيس التحرير، والحوار معه، وأن يسمع منا، بدل أن يسمع عنَّا فرفض لقاءنا، دون إبداء أي سبب! ثم ناقشنا عدداً من الإعلاميين في مختلف الأجهزة الإعلامية، فيقول مسؤول في إحدى القنوات: (إنتوا كلامكم حار؟!) فسألناه: ما معنى حار؟! هل هو حق أم باطل؟ صواب أم خطأ؟ فيقول مبتسماً: هو حق وصواب، ولكن بالراحة شوية.. ويقول آخر: (هناك جهات تقول إنكم: متطرفون) فسألناه ما معنى متطرفين؟! هل تعني أن الإسلام الذي ندعو لتطبيقه هو متطرف؟ قال منفعلاً لا.. هل رأيتنا يوما نحمل عصا أو سلاحاً لتهديد أحد أو ترويعه قال: (لا، لم أعلم منكم إلا كل خير؛ أدب، وثقافة وفهم وصبر في النقاش).. فقلنا له إذن راجع الجهة التي تصدر مثل هذه الاتهامات، فإذا عرفتها سيتضح لك لماذا تريد تشويه صورة الحزب الذي يعمل لإقامة الإسلام واقعاً معاشاً بتطبيق أحكامه.
إن الذي يتعجب له المرء هو أن هذا الإعلام يُعتِّم على حزب التحرير، ويمتنع عن نشر أخبار نشاطاته، وتفاعلاته، ورؤاه السياسية، وهو نفسه الذي يتناول لقاءات وحوارات لأحزاب معارضة في العهد السابق، وعندما نناقشهم عن قبح ازدواجية المعايير هذه، والكيل بمكيالين التي يتعاملون بها مع الحزب، يقولون إن أولئك يتحدثون عن مشاكل الناس. فنقول وهل نتحدث عن غير هذه المشاكل؟! الإجابة: (صمت)! ثم يقول آخرون: إن هذه الأحزاب لها رؤية لعلاج المشاكل، فنقول: هل وجدتم يوما منشوراً أو بياناً أصدرناه في أي قضية لم يقدم رؤية وعلاجاً للمشاكل التي تمر بها البلاد؟ الإجابة: (صمت)!... ثم يصرِّح أحدهم ليقول: (والله مشكلتنا مع كلمة الخلافة دي) سألناه: (أليس الذي أوجب إقامة الخلافة هو الله تعالى في دينه وشرعه؟.. أليس من أمر بإقامة الخلافة هو النبي ﷺ؟) وعندما نبين الأدلة يتفاجأ الرجل فلم يكن يعلم كل هذه الأحكام الواجبة فيغير تعامله، ولكن تظل قضية النشر عقبة باقية.. لكنهم يقولون (نحن معجبون بنضالكم وبثباتكم ومبدئيتكم ولكن الواقع ضاغط علينا..)!
في النظام الحالي تغيرت كثير من الوجوه، فمنهم من رفض مقابلتنا، بعد أن كان يقابلنا، ومنهم من بات يهدد الصحفيين مثل قول أحدهم لآخر: (ما تجيب لي أخبار حزب التحرير) فيقول الصحفي: (إن حزب التحرير له تاريخه النضالي ضد النظام البائد وموقفه الثابت) فيجيب المسؤول: (هذا عهد تجاوزناه).
لا نتعجب، إذ إن حزب التحرير الرائد في قيادة أول مسيرة في العهد البائد للقيادة العامة للجيش، يحذرهم من فصل الجنوب، وتطلب منهم صيانة العهد والقسم الذي أدوه للحفاظ على البلاد، وإعلان الحرب على من يقسمها.. لقد مرَّت هذه المسيرة التي كانت في وضح النهار أمام مقر صحيفة، فصمّت آذانها، ولم تجُد عليهم بصيرتُهم بأن ينشروا عن المسيرة، وفي الصباح كتبت هذه الصحيفة عن (كلبة بوش) التي قيل إنها كانت مريضة!!! فنشروا هذا الخبر في مكان مهم في وقت مهم.
إن التعتيم الإعلامي على حزب التحرير، يشير بوضوح إلى أن الأمر مرتبٌ له، واتفقت فيه الأنظمة وعملاؤها تشرف عليها الدول الاستعمارية، عبر سفاراتها، التي تحارب الإسلام وتتآمر على أهله، وهو تواطؤ يكتب شهادة الوفاة لما يُسمى بحرية الإعلام، و(صاحبة الجلالة!)، ليجعلوها عاهرة ساقطة تعرّي جسدها لمن يدفع، وتنقل أخبار من كان دينه الدرهم والدينار واليورو والدولار، أما أن تتناول قضية أمة تريد أن تنعتق من ربقة الاستعمار وذيوله فهذا ممنوع ممنوع!!
ولكن يبقى العزاء أن كل ذلك سيكون نقطة سوداء في تاريخ من يقف ضد المشروع الذي يعمل لتعبيد العباد لله لرب العالمين، ويبقى العار في جبين كل من حال دون نشر الحقيقة التي تقول: إن الأمة لن ينصلح حالها إلا بتطبيق الإسلام كما نزل، في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإن فجر الحق سينبلج نوره قريباً ليكشف فحمة الدُجى، ويملأ الأرض نوراً بعد ظلمة، فساعتها سيعض هؤلاء المعتّمون لهذا المشروع على أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع