كانت العاصمة التونسية يوم الأربعاء 18 آذار/مارس 2015 مسرحا لعملية إجرامية إرهابية دامية سقط خلالها 22 شخصا حسب بلاغ وزارة الصحة وجرح 38 آخرين من السيّاح والعمال بمتحف باردو المتاخم لمجلس نواب الشعب.
حيثيات العملية تمثلت في هجوم مباغت على حافلة للسيّاح، لتتطور إلى تبادل لإطلاق النار بين المجموعة "الإرهابية" وقوات الأمن، هذا وقد بدا الارتباك واضحا على وزارة الداخلية عبر ناطقها الرسمي "محمد علي العروي"خلال الساعة الأولى، وهو ما ترجمته تصريحات هذا الأخير الذّي لم يستطع الإجابة عن أسئلة الصحافيين المتعلّقة بالعدد الإجمالي للرهائن وجنسيات السيّاح.
وتمثل هذه العملية نقلة نوعية في طبيعة العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تحولت العمليات إلى تونس العاصمة مستهدفة الأمنيين عكس الهجمات السابقة التي استهدفت فقط الأمنيين والعسكريين في المناطق الجبلية.
وتطرح هذه العملية تساؤلات عدّة حول ظرفية الحادثة ومآلاتها، فقد شهدت الفترة السابقة إثارة لمواضيع خطيرة وحسّاسة، سنقف عند بعضها محاولين استجلاء الحقائق والإشارة بالبنان إلى المسكوت عنه:
فالكل يعلم أنه قد سبق هذه العمليّة فتح ملفات كان من شأنها أن تقطف العديد من رؤوس أصحاب المال السياسي الفاسد، حيث ظهرت على الساحة الإعلامية وبين الأوساط السياسية معلومات مؤكدة عن تورط إعلاميين وسياسيين ورجال أعمال مشبوهين في قضايا فساد، ولعلّ ما صرّح به رجل الأعمال "شفيق الجراية" في ندوته الصحفية عن تورط أمنيين في تسريب معلومات من وزارة الداخلية أعاد بقوّة الحديث عن وجود أمن موازٍ يدير مسرح الأحداث من وراء الستار.
كذلك ما يشهده الحزب الحاكم "نداء تونس" من تصدع وصراع داخلي وتبادل للتهم الخطيرة بين قياداته يهدد بتفككه وانحلاله.
زائد ما تشهده البلاد من أزمة حكم خلّفت مشاكل اقتصادية وجرّت لاحتجاجات عارمة وإضرابات في شتّى القطاعات ومختلف المناطق.
بالإضافة إلى ما لازم هذه العمليّة من تخبط وتضارب في التصريحات الرسميّة سواء من رئيس الحكومة "الحبيب الصيد" أو من وزارة الداخليّة والتي تغيب عن أغلبها قرائن وأدلّة من شأنها رفع اللبس.
هذا ما حدا بالرأي العام إلى طرح العديد من التساؤلات:
ماذا يعني الغياب الكلي لأي تسجيل من آلات التصوير المخصصة للمراقبة المنتشرة في كل أرجاء المتحف؟ وما هو مبرر ترك أعوان الحراسة التابعين للمتحف لعملهم ساعة تنفيذ الهجوم؟
ولماذا تم تقديم موعد قضية الإعلاميين في نفس موعد عمليّة باردو؟ علما بأن بها متورطين كبار من ساسة وإعلاميين؟ ثم لماذا تمّ دفن القضية في ظل انشغال الناس بالحدث "الفاجعة"؟
كما تتجلّى حالة التخبط بوضوح في نفي عدد من الشهود في وسائل الإعلام المرئية صحة الصور المنشورة للإرهابيين، وفي هذا السياق صرّح سائح بلجيكي نجا من العملية وفقد زوجته في شهادته أن المنفذين كانوا شباباً غير ملتحين عكس الصور المنتشرة لمنفذي العملية والتي تظهر أن أحدهما ملتح.
وهل من المصادفة للمرة الثانية بعد حادثة اغتيال "شكري بالعيد" أن يكون السبق للإعلام الفرنسي – فرانس 24 - الذي أعلن عن العملية قبل الإذاعات والقنوات المحليّة؟!
ولا نغفل هنا عمّا صرّحت به رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي مارين لوبان ل"فرانس 24" أن ما تعيشه تونس اليوم هو نتيجة الأخطاء التي ارتكبها ساركوزي والتي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة - تونس وليبيا -.
فهذه المعطيات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإرهاب في تونس هو صنيعة غربية بامتياز وإن كانت أدواته محلية، ففرنسا المتراجعة والتي تشعر بفقدان نفوذها من خلال تهاوي رجالاتها في الوسط السياسي المحلي، لها مصلحة في أعمال كهذه.. هنا بالضبط وقع قنص "أحمد الرويسي" في ليبيا المدبر الأول للعمليات الإرهابية حتى لا ينفرط العقد، والمخابرات الفرنسية تحديدا وبماضيها السيئ الذكر في بلادنا ليست بمنأى عن هذه الأحداث الدامية وهذه الجرائم الشنيعة.
إن هذا الإرهاب للناس والبلاد واحتجاز الأطفال وإرعابهم وما شهدته العديد من المناطق من مداهمات واعتقالات وترويع هو جزء من جريمة ضمنية للحكام الجدد الذين يصنعون الإرهاب زورا ويحاربونه بهتانا في دائرة مفرغة.. هذه هي الوصفة السحرية التي يلجأ إليها هؤلاء الحكام للتستر عن عجزهم وفشلهم أمام كل قضايا الشعب المتراكمة وعن رعاية شؤون الناس، فخرجوا علينا اليوم – بعد احتجابهم وغيابهم - في مشهد المتنفّذ والقادر وهماً على إنقاذ البلاد والعباد، وكأنّ الإرهاب أتى ليجدّد أنفاسهم ويغيّر تلك الصورة القاتمة التي تشكلت عند الناس.. عجز وفشل متلازمان مع تسويف يليه تسويف ثم في النهاية التبشير بإجراءات قاسية على الشعب أن يتحمل وزرها، فلا مجال عند الجماعة اليوم أن يتحدث أيّ كان ولو همسا عن أي مطلب، أو يتساءل عن تقصير أو سوء رعاية أو إهمال.
ولعل هذا ما دفع مستشار رئيس الدولة "محسن مرزوق" للحديث عن ضرورة فتح صفحة جديدة "للمصالحة الوطنية" والابتعاد عن الانتقادات والتشكيك في المؤسسات الحكومية والأمنية معربا في الوقت نفسه عن ضرورة أن يتوقف الجميع عن مساءلة الحكومة وبضرورة الاصطفاف وراءها من أجل مكافحة الإرهاب.
لقد اكتشفت خيوط اللعبة اليوم، وحريّ برجال الأمن والجيش وكلّ المخلصين في بلدنا العمل على كشف المتآمرين للرأي العام وما يحاك للخضراء من مؤامرات، بهذا وحده يكونون في موقعهم الطبيعي في صف أمتهم عوض أن يتركوا المجال فسيحا للراقصين على أوجاع الناس وآلامهم لينعموا بنتائج الإرهاب هنيئا مريئا، خاصة وأن الوعي قد دبّ في هذا الشعب الطيب الأبي الذي أبهر الغرب بثورته ويتوق لأيام عزّ تحت حكم الإسلام بل يتحيّن وقت تطبيقه.
رأيك في الموضوع