قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، أدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعديلا على طاقم حكومته، التي غادرها 13 وزيرا دفعة واحدة خصوصا الوزارات السيادية التي غير بوتفليقة وزراءها ووضع على رأسها أكثر المقربين منه.
وقد حملت التغييرات تعيين الطيب بلعيز، الرئيس السابق للمجلس الدستوري وزيرا للداخلية، والطيب لوح، وزير العمل السابق وزيرا للعدل، فيما عين رمطان لعمامرة، المفوض السابق للسلم والأمن في الاتحاد الإفريقي وزيرا للخارجية خلفا لمراد مدلسي الذي عينه بوتفليقة رئيسا للمجلس الدستوري.
كما شمل التعديل تعيين الفريق قايد صالح رئيس أركان الجيش نائبا لوزير الدفاع مع احتفاظه بمنصبه الأول، علما بأن بوتفليقة نفسه هو وزير الدفاع وفقا للدستور الجزائري.
هذه التغييرات أثارت العديد من الاستفهامات حول التوقيت الذي اختاره الرئيس على بعد ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية، وكذا بعد بدء تعافيه من الأزمة الصحية التي أبعدته عن تسيير شؤون الدولة لأربعة أشهر.
وللتذكير فقبل أشهر عدة أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بغضب أمام الصحافيين «لست ثلثي رئيس». وجاء ذلك الانفجار الرئاسي بعد تقرير لوكالة أنباء أفاد بأن الرئيس الجزائري لم يتمكن من ممارسة سلطاته التي منحها له الدستور بسبب معارضة مجموعة من «صانعي القرار» الفاعلين داخل المؤسسة الحاكمة.
ومن الواضح أن التعديل الوزاري قد وضع الرئيس في موقف قوي. ففيما عدا وزارة العدل التي لا يزال يشغلها رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، فإن رجال بوتفليقة يسيطرون على ما يطلق عليه «وزارات السيادة». وبقي الرئيس وزيرا للدفاع. ويضم مجلس الوزراء بوتفليقة و15 وزيرا ممن يمكن اعتبارهم «رجال الرئيس».
وللوقوف حول هذه التعديلات الأخيرة - واقعها وأسبابها - حري بنا أن نقف عند بعض الحقائق:
أولا: لا بدّ من التذكير بالصراع القائم بين جناح السلطة والمخابرات والمعارضة، فكان لا بدّ من عملية إخراج بامتياز لإقصاء أو تقليص نفوذ المخابرات والإبقاء على جناح السلطة.
والثغرة الوحيدة للمخابرات والمعارضة هي المادة 88 من الدستور فكان لا بد من تنقيح الدستور لإلغاء هذه المادة وتعيين نائب للرئيس. ومن ثم فلا يمكن محاسبة السلطة في صورة غياب بوتفليقة أو مرضه أو حتى موته، فالصلاحيات كلها بيد النائب - والمرشح الأبرز لهذا النصب هو السعيد بوتفليقة - وهو من جناح السلطة، في حين نجد أنّ المخابرات تسعى جاهدة لتعيين أحمد أويحيى مدير الديوان الرئاسي الآن بعد أن تم إقصاء عبد العزيز بلخادم من قبل عمار سعداني وعصابته.
ثانيا: إنّ فرنسا تعمل جاهدة وتسعى لتقديم رجالاتها وتدفعها أمريكا سياسيا، بعد الاتفاقية الأخيرة بينهما في محاربة الإرهاب من أجل اقتسام "الكعكة" في شمال إفريقيا.
في المقابل تسعى بريطانيا للإبقاء على بوتفليقة - ولو كرمز - إلى حين كشف كل رجالات فرنسا ك"التوفيق" و"أحمد أويحيى" مدير الديوان الرئاسي و"طرطاق" مستشار الرئاسة، فكان من الضروري تنقيح مواد الدستور وتغيير رجالات السلطة ومن بعدهم الوزارات المشكوك فيها أولا والفاشلة ثانيا وترقية من يوالون بوتفليقة بشدة.
فعلى سبيل المثال تمّ إقصاء يوسف اليوسفي وزير الطاقة - بعد شكيب خليل المتهم بالفساد المالي - الذي اتضح بجلاء فشله في إدارة هذا القطاع بعد الاحتجاجات العارمة بعين صالح حول موضوع الغاز الصخري.
كما قام بوتفليقة بترقية الهامل مديرا للأمن، وترقية الطيب بلعيز وزيرا للداخلية وليكون مستشارا له، بالإضافة إلى ترقية مساهل من مكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية إلى المكلف بالعلاقات الدولية والأممية، وترقية عمار غول من النقل إلى السياحة وإنقاذه من التهم الموجّهة إليه في أحداث الطريق السيارة وربط شبكة السكة الحديدية بين الدول المغاربية.
كما تم الإبقاء على المخلصين الأوفياء له كرمطان العمامرة وزيرا للخارجية وقائد صالح رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، والانتهاء بتغيير بعض الوزارات كالتعليم العالي والثقافة، وتعيين ثلاثة من أصول يهودية في مناصب مختلفة ليضمن بذلك قوة حكومة سلال بعد الانتخابات المزمع إجراؤها بعد ستّة أشهر - 2016.
إذن يتضح بجلاء أن هذه التعديلات الوزارية تهدف إلى أن يستقرّ الأمر للإنجليز وتقليص النفوذ الفرنسي وقطع الطريق أمام أمريكا.
ولكن يبقى الأمر مرشحا للعديد من التطورات في ظل الدور الذي تقوم به المخابرات - وإن ضعف دورها نسبيا - في صنع القلاقل، ويبدو أن أحداثاً خطرة في الأفق لرفضهم التام للسعيد بوتفليقة إن صحّ تعيينه نائبا للرئيس.
والواضح أنه رغم هذه التغييرات فإن مستقبل الجزائر سيزداد فوضى ومشاكل في ظل الصراع المحموم بين دول الكفر لبسط نفوذها على هذا البلد، ولكن يبقى الأمل قائما في وجود قيادة مخلصة تستطيع أن تقلب الطاولة على هؤلاء التفه المتسلطين على رقاب الناس فتعمل على قلعهم من كراسيهم المهتزة وتكنس الاستعمار من أرض المليون شهيد.
رأيك في الموضوع