يشكل الجناح القبلي في اليمن رقما مهما في التأثير على الحكم، وقد ارتبط مع الإنجليز بسبب وجودهم باكراً في المنطقة بشكل عام، وكانوا يحتلون جنوب اليمن، وبالتالي أصبح رجال القبائل هم يد الإنجليز في السيطرة على اليمن فربطتهم بها ربطاً مصلحياً بالمال وأوكلت لعملائها من آل سعود وصدام حسين والقذافي إعطاء المشايخ المال، وظل هذا الوسط إنجليزياً خالصاً ومن شذ منهم يتم إقصاؤه، وكان تأثير القبائل على الدولة كبيراً لأن المناصب المهمة في الجيش والأمن والمخابرات كانوا من قبيلة حاشد أولا وبكيل ثانياً، إضافة إلى أن البقية الباقية من أبناء هاتين القبيلتين هم مجندون في الجيش، وقد أدركت أمريكا تماماً هذا الأمر وأوكلت لعملائها في الداخل؛ الحوثيين بتصفية هذا الوسط، ولعملائها في الخارج وبالذات السعودية التي ركزت في عاصفتها على القضاء على هذا الوسط فنسفت كل المعسكرات التي كانت في قبضة أبناء هذه القبائل وقضت على كثير من القيادات، فعلى سبيل المثال ضربة الصالة الكبرى لوحدها قُتل فيها 518 إنساناً منهم قيادات عسكرية من الصف الأول من الوسط الإنجليزي الفعّال.
وسوف نبدأ هنا من آخر حادثة لتصفية هذا الوسط وهي حادثة البيضاء التي بدأت شرارتها في 27/4/2020م وانتهت في 19/6/2020م بسيطرة الحوثيين وهروب الشيخ القبلي وعضو مجلس النواب والأمين العام المساعد لحزب المؤتمر - حزب الهالك علي صالح - الشيخ ياسر أحمد سالم العواضي وهو من رجال الإنجليز الذي كان يقود الحملة ضد الحوثيين، والسبب يعود إلى 27 نيسان/أبريل الماضي، حين نفّذ الحوثيون حملة أمنية واسعة على مديرية الطفة في محافظة البيضاء وسط اليمن للقبض على من يصفونهم بـ"الدواعش" - وهي تهمة اعتادت الجماعة إلصاقها بكل طرف يناهضها - فقد أقدمت قوات حوثية بمحاصرة منزل حسين الأصبحي، بهدف اعتقاله، إلا أنه تمكن من الفرار، ليداهم الحوثيون المنزل بعد توقف إطلاق النار ويقوموا بتفتيشه، لم يكن في المنزل ساعتها سوى امرأة تُدعى جهاد الأصبحي، وهي زوج أحد أبناء صاحب المنزل، فقتلوها على الفور. ولجأ أهالي الضحية إلى الزعيم القبلي ياسر العواضي، باعتباره شيخاً لبلدة "آل عواض" في مديرية ردمان، طالبين الحماية، وتحولت بعدها دماء جهاد الأصبحي إلى قضية رأي عام، ومن هناك توعّد الحوثيين بقتالهم إذا لم يرفعوا مسلحيهم خلال 3 أيام ودعا القبائل للنفير لقتال الحوثيين واشترط على الحوثيين تسليم القتلة، وتحشدت قبائل من محافظات مأرب والجوف والبيضاء وشبوة وأبين، لمساندة قبائل آل عواض تلبية "نداء النابي والنكف القبلي".
وعلى عادة الجماعة في التعامل مع مثل هذه القضايا حيث يظهر فيها المكر بداية لتهدئة النفوس ثم تستخدم القوة، فبدأت ترسل وساطات لاحتواء الموقف وفي الوقت نفسه كانت تخطط للمعركة وتشتري الولاءات وتكسب الوقت لتفريق التجمع القبلي وفعلاً نجحت، وبعد 6 أسابيع انطلقت شرارة المواجهات بعدما كسبت الوقت لصالحها وانتهت بالسيطرة على المديرية ودخول منزل العواضي وفراره إلى محافظة مأرب، وبهذا تكون أمريكا قد سحقت جزءاً كبيراً من القبائل الموالية للإنجليز عن طريق الحوثيين.
وللتذكير فقد سحقت قبائل حجور في حجة، فقد بدأت المعارك في كانون الثاني/يناير 2019م وانتهت بقتل المشايخ الذين قادوا المعارك وتفجير منازلهم في آذار/مارس 2019م، وبعدها في نيسان/أبريل 2019م أُذلت قبائل عمران بعد مقتل الشيخ القبلي أحمد سالم السكني عضو المجلس المحلي، وعضو اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر حيث قُتل بسلاحه الشخصي من أحد المشرفين الحوثيين في منظر مهين ومعيب، واحتشدت قبائل عمران وقبائل صنعاء وخيمت لأيام في مكان القتل، وظلت لمدة تطالب بالقاتل وانفرط التجمع ولم يُسلّم القاتل، وقبلها في 21 كانون الأول/ديسمبر 2014م عند دخول مليشيا الحوثي صنعاء بدأت بشيخ مشايخ حاشد بيت الأحمر الذين هربوا إلى خارج البلاد، ثم شيخ مشايخ بكيل بيت أبو لحوم الذين لحقوا ببيت الأحمر، ومن ثم تم سحق وإذلال بقية المشايخ سواء من حاشد أو بكيل، وأُسر منهم من أُسر وهرب من هرب واعتُقل بعضهم وقتل آخرون، وكانت أحداث 2 كانون الأول/ديسمبر 2017م التي شهدت مقتل المجرم صالح هي القاصمة للكثير من الوسط القبلي الموالي للإنجليز.
لم يبق أمام الحوثيين سوى قبائل خولان التي لا زالت قوية وتُكن العداء للحوثيين ولكن الحوثيين سوف يؤجلون هذه المعركة حتى تحين الفرصة السانحة للقضاء على كل الوسط القبلي في اليمن ومن ثم تستبدل بهم المشرفين الأمنيين التابعين لها والذين ينقادون انقياداً أعمى لسيدهم الحوثي.
مع العلم أن شيوخ هذه القبائل أفسدوا في البلاد أيما إفساد؛ فقد سرقوا الأموال، وانتهكوا الحرمات، وناصروا الغرب الكافر وكانوا معول هدم بيده مقابل حفنة من المال الملوث.
وهذا تذكير بالمواقف التي جعلت أمريكا تقرر التخلص من الجناح القبلي الموالي للإنجليز وبالذات قبائل حاشد وبكيل ولم تفكر في شرائهم.
- في 1962م قام رجل أمريكا جمال عبد الناصر بتحريك قوات من مصر للقضاء على المملكة المتوكلية (أسرة حميد الدين) التي كانت تحكم شمال اليمن وكان الإنجليز محتلين جنوب اليمن وتم القضاء على المملكة المتوكلية وحل بدلاً عنها النظام الجمهوري العلماني، وهنا بدأ الصراع بين القوات العسكرية الموالية لأمريكا عن طريق مصر وبين عملاء الإنجليز وفي مقدمتهم مشايخ القبائل من حاشد وبكيل الذين ربطتهم بريطانيا بها عن طريق مملكة آل سعود وبالتالي نجحت بريطانيا في السيطرة وأقصي عملاء أمريكا.
- تنفيذ عملاء أمريكا انقلابا عام 1974م عن طريق العساكر الذين دربتهم القوات المصرية واستلم الحكم إبراهيم الحمدي ولكنه اغتيل ليلة 11 تشرين الأول/أكتوبر 1977 على يد عملاء الإنجليز وفي مقدمتهم مشايخ القبائل الذين أقصاهم الحمدي في فترة حكمه.
- في عام 1994م استمالت أمريكا نائب الرئيس علي سالم البيض وأعلن الانفصال ولكن عملاء الإنجليز وفي مقدمتهم قبائل حاشد وبكيل التي معظم قيادات الجيش من أبنائها والذين كان يعتمد عليهم الهالك علي صالح في حكمة انتصروا في هذه الحرب.
- في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2000م تم تفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول بينما كانت ترسو في ميناء عدن وكانت أمريكا تخطط لدخول اليمن عن طريق قواتها مباشرة تحت أي مبرر فوجدت أمامها قوة ضاربة في مقدمتها حاشد وبكيل، ففي 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2000م منعت السلطات الأمنية هبوط طائرات عمودية أمريكية في مطار عدن، وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر منعت سلطات المطار مروحية عسكرية أمريكية من الهبوط في ثاني حادث من نوعه خلال أسبوع، وسبق لليمن أن أصدر إنذارا للطائرات الحربية الأمريكية في الأسبوع الذي سبقه بعدم دخول أجوائه لأنها ستكون أهدافا معادية، بعد قيام إحدى المروحيات بالتحليق قرب الشواطئ ومحاولتها الهبوط في أحد المطارات. وبعد خمس سنوات قال الرئيس الهالك عميل الإنجليز علي صالح في 1 كانون الأول/ديسمبر 2005 (إن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تنوي احتلال مدينة عدن اليمنية، إثر استهداف مدمرتها "يو إس إس كول، إلا أنه تم منعها بالوسائل الدبلوماسية).
إنه من المؤسف أن تسيل دماء المسلمين خدمة للغرب الكافر إما عن علم ودراية أو عن جهل، فمردهما على الواقع واحد، فيجب على المسلمين عامة نبذ العملاء وأن يستبدلوا بهم حاكما ربانيا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ويحفظ الدماء ويصون الحرمات ويوجه الأمة نحو الغرب الكافر، وإن حزب التحرير يعمل لقيادة الأمة نحو إيجاد هذا الحاكم فندعوكم للعمل معه لهذا الفرض العظيم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
رأيك في الموضوع