(مترجم)
في عام 2019، قال لويجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء الإيطالي السابق ووزير الخارجية الحالي إن "فرنسا هي واحدة من تلك الدول التي من خلال طباعة النقود لـ14 دولة أفريقية تمنع تنميتها الاقتصادية وتساهم في حقيقة أن اللاجئين يغادرون ثم يموتون في البحر أو يصلون إلى سواحلنا". وكان هذا الانتقاد الشديد موجهاً إلى الفرنك الأفريقي.
لقد تأسس الفرنك الأفريقي في عام 1945م، وهو اسم لعملتين، هما فرنك غرب أفريقيا، المستخدم في ثماني دول في غرب أفريقيا، وفرنك وسط أفريقيا، المستخدم في ست دول في وسط أفريقيا. كلتا العملتين مضمونتان من وزارة الخزانة الفرنسية. ونتيجة لذلك، كان البنك المركزي الفرنسي يحتفظ بالاحتياطي الوطني لـ14 دولة أفريقية ويُجبرها على المساهمة "بـ500 مليار دولار سنوياً" في الخزانة الفرنسية كدفعة مقابل "ديونها الاستعمارية". وقد اضطرت هذه الدول من خلال ميثاق استعماري لاستخدام "أموال فرنسا الاستعمارية" ووضع 85٪ من احتياطياتها الأجنبية تحت سيطرة وزير المالية الفرنسي.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، أعلنت فرنسا أن دول غرب أفريقيا الثمان التابعة للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا ستعيد تسمية فرنكها الأفريقي ليصبح "إيكو". وقد تم وضع هذا على أنه إصلاح رئيسي للعملة، والذي من شأنه أن يحد من السيطرة التي كانت لفرنسا على أفريقيا، حيث لم تعد تحتفظ بنصف احتياطياتها الأجنبية في فرنسا، فإن الوضع أبعد ما يكون عن البساطة، كما أنه لا يحرر المنطقة من السيطرة الفرنسية.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن هذه الخطوة أظهرت أن فرنسا "خضعت للضغوط الشعبية في غرب أفريقيا بموافقتها على إلغاء اسم الفرنك الأفريقي وتخفيف إشرافها على اتحاد العملة في الوقت الذي تسعى فيه باريس إلى إعادة تشكيل العلاقات مع مستعمراتها الأفريقية السابقة". ومع ذلك، "لا تزال فرنسا تتمتع بقوة كبيرة في المنطقة من خلال العملة ومن خلال وجودها العسكري الواسع هناك".
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن دول وسط أفريقيا الست لا تزال ملتزمة بالمعاهدة وشروطها.
الفرنك الأفريقي:
تسمح فرنسا لدول الفرنك الأفريقي بالوصول إلى 15٪ فقط من المال في أي سنة معينة، وإذا احتاجوا إلى أكثر من ذلك، فعليهم أن يقترضوا الأموال الإضافية من الـ65% من أموالهم من الخزانة الفرنسية بأسعار تجارية. وتفرض فرنسا حدا أقصى على حجم الأموال التي يمكن لتلك الدول اقتراضها من الاحتياطي. وتم تحديد الحد الأقصى بـ20٪ من إيراداتها العامة في العام السابق. وإذا كانت بحاجة إلى اقتراض أكثر من 20% من أموالها الخاصة، فإن فرنسا تتمتع بحق النقض.
إن هذا يعني أن 14 دولة أفريقية ليس لديها سياسة نقدية مستقلة، ولا يحق لها تحديد تفاصيل كمية العملة التي يجب ضخها في اقتصادها أو إعادة تقييم عملتها متى شاءت، بل يتم التحكم في جميع القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية من باريس. كما أن هذه الدول ملزمة بإيداع 65% من احتياطياتها الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي. وفوق ذلك، لا يمكنها الوصول إلى هذه الأموال بإرادتها. في الواقع، إذا كانت بحاجة إلى أكثر من 20٪ من هذه الـ 65٪، فإنها تأخذه كقرض من فرنسا بسعر السوق السائد.
الإيكو:
لا تزال فرنسا ضامنة للإيكو وهي عملة مرتبطة باليورو. ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، لم يتم بعد الانتهاء من التفاصيل ولكن من الواضح أن الدول سوف تبقى تتبادل المعلومات اليومية مع باريس. كما يمكن لفرنسا أن ترشح عضواً مستقلاً في لجنة السياسة النقدية على الرغم من أن المرشح لن يمثل فرنسا ولن يكون له دور إبلاغي. وإذا انخفضت احتياطيات الدول إلى ما دون مستوى معين، فإن فرنسا يمكن أن تطلب إعادة ممثلها إلى منصبه مع التأكيد على أن تبادل المعلومات اليومية مع باريس سيستمر في لجنة إيكو للسياسة النقدية.
لن تضطر الدول الثمان إلى وضع نصف احتياطياتها في الخزانة الفرنسية. ومع ذلك، من الواضح من الشروط الأخرى أن فرنسا لم تتخل عن سيطرتها على المنطقة.
المسألة هي أن فرنسا حافظت على سيطرتها على مستعمراتها، حتى بمجرد مغادرتها.
كانت العملة جزءاً من الميثاق الاستعماري، الذي دعا الفرنسيون المستعمرات الأفريقية إلى توقيعه عندما طالبت بالاستقلال. وتدعي فرنسا أن أفريقيا مدينة لها بـ"دين استعماري" لما جلبه استعمارهم من فوائد! ويظهر هذا من خلال حقيقة أنه عندما قررت غينيا اختيار الاستقلال عن الإمبراطورية الفرنسية في عام 1958م، سحبت حكومة شارل ديغول أكثر من 4000 من موظفي الخدمة المدنية والقضاة والمعلمين والأطباء والفنيين، وأوعزت إليهم بتخريب كل ما تركوه وراءهم. واستولوا على ممتلكاتهم ودمروا أي شيء لا يمكن نقله، وشمل ذلك المدارس ودور الحضانة ومباني الإدارة العامة والسيارات والكتب وأدوات معهد الطب والبحوث. وقد تم ذلك بهدف الإظهار للمستعمرات مدى ارتفاع عواقب السعي إلى الاستقلال.
هناك تقارير تفيد بأنّه إذا رفض حكام الدول دفع ضريبة الاستعمار فإنه يتم اغتيالهم عن طريق الفيلق الأجنبي الفرنسي. ووفقا للتقارير، فإنه خلال السنوات الـ50 الماضية، حدث ما مجموعه 67 انقلابا في 26 بلدا في أفريقيا، 16 من تلك البلدان هي مستعمرات فرنسية سابقة، ما يعني أن 61٪ من الانقلابات وقعت في أفريقيا الفرنكوفونية.
ويقال بأنه من أجل الحفاظ على الفرنك الأفريقي فإن فرنسا لم تتردد قط في التخلي عن رؤساء الدول الذين يميلون إلى الانسحاب من النظام. وقد أُقيل معظمهم من مناصبهم أو قُتلوا لصالح قادة أكثر امتثالاً يتشبثون بالسلطة، كما هو واضح في دول المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا وتوغو.
كما أن لديها ما يسمى "اتفاقات الدفاع" المرتبطة بالميثاق الاستعماري، التي كان لفرنسا فيها الحق القانوني في التدخل عسكريا في البلدان الأفريقية، وكذلك في نشر القوات بشكل دائم في قواعد ومرافق عسكرية في تلك البلدان، يديرها الفرنسيون بالكامل. وهناك التزام بإرسال تقرير سنوي عن الرصيد والاحتياطي إلى فرنسا، وبدون التقرير، لا يوجد مال. وبصرف النظر عن ذلك، فإن لفرنسا الحق الأول في الموارد الطبيعية الموجودة في أرض مستعمراتها السابقة. ولا يسمح للدول الأفريقية بالبحث عن شركاء آخرين إلا إذا لم تكن فرنسا مهتمة بالموارد.
بالنظر إلى الأدلة، من الواضح أن هذا الميثاق الاستعماري كان لصالح الفرنسيين وليس لصالح الأفارقة.
في آذار/مارس 2008، قال الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: "بدون أفريقيا، ستنزلق فرنسا إلى مرتبة العالم الثالث". لقد وُلدت العملة من "حاجة فرنسا إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين المستعمرات الخاضعة لإدارتها، وبالتالي السيطرة على مواردها وهياكلها الاقتصادية ونظمها السياسية". والدليل على ذلك هو اليأس الذي أظهرته فرنسا عند التعامل مع الدول المستعمرة ومطالبتها بالاستقلال.
وفي حين إن هناك أدلة على أن النخب الأفريقية تستفيد من الخيارات وبالتالي تدعم منطقة الفرنك الأفريقي، فإن الأمم والشعوب فيها ليست كذلك. والواقع أن الدول الـ14 التي وقعت على الميثاق الاستعماري هي من بين البلدان التي لديها "تنمية بشرية منخفضة" وهي ضعيفة اقتصادياً.
وفي حين يتفق مؤيدو منطقة الفرنك الأفريقي على أن العملة توفر قدرا من الاستقرار النقدي، يقول آخرون إنه مقابل الضمانات التي تقدمها الخزانة الفرنسية، فإن البلدان الأفريقية توجه أموالا إلى فرنسا أكثر مما تتلقاه من المعونة. ولكي تتطور الدول اقتصادياً، فإنها تحتاج إلى التخلص من هذه العملة. وفقاً لمقال لبروكنجز، "يشكل الفرنك الأفريقي عائقاً أمام التصنيع والتحول الهيكلي، ولا يعمل على تحفيز التكامل التجاري بين الدول التي تستخدمه، ولا لتعزيز الإقراض المصرفي لاقتصاداتها". كما يشجع على تدفقات هائلة من رؤوس الأموال إلى الخارج.
لقد انتهت القوة الاستعمارية، ولم يحدث ذلك، ولن يأتي التغيير دون تغيير النظام الغربي بأكمله.
تقول الدول الغربية إن الحقبة الاستعمارية قد انتهت، واستغلال المستعمرات هو شيء من الماضي. ولكن هذا المثال يبين أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، ففرنسا قد لا تكون إمبراطورية رسمية بعد الآن، ولكنها حافظت على السيطرة على الدول وضمان أن تستفيد على حساب الشعوب الأفريقية.
إن تغيير القوانين، وإزالة الحكام، وإنشاء المحاكم الإسلامية في البلدان الديمقراطية لن يغير الوضع لأن النظام الرأسمالي سيبقى قائماً، مما يسمح للدول القوية ونخبها بالتلاعب بالأنظمة السياسية والاقتصادية والقانونية لصالحها.
ولتغيير الأوضاع فإننا بحاجة إلى تغيير النظام، وهذا يعني إزالة المبدأ الرأسمالي من موقع الحكم واستبدال مبدأ الإسلام به.
﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
بقلم: الأستاذة فاطمة مصعب
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع