سبق أن ذكرنا أن الأردن غربيّه وشرقيه (فلسطين وشرق الأردن) قد احتله الإنجليز؛ حين انتصروا على دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى، وحكموه ثلاثين عاماً حكماً مباشراً بحاكم واحد له كله هو المندوب السامي لفلسطين وشرق الأردن، ثم أقاموا كياناً ليهود في فلسطين، وجعلوا ما بقي منه مملكة تحت سلطانهم، ثم تحت نفوذهم، فكان الأردن ولا زال قاعدة للنفوذ الإنجليزي منذ أيام الاحتلال وحتى الآن...
وكذلك ذكرنا محاولات أمريكا الجادة للدخول مبكرا إلى الأردن وأخذه من الإنجليز، وكانت محاولات الدخول مبكرة جدا منذ تشكيل المملكة ومن رأس النظام لا من قواعده ووسطه السياسي وأدواته لأنها كانت تدرك أن الأردن هو العائلة الهاشمية وبقية الناس لا قيمة لهم في الحكم إلا من خلال ما تفسحه بريطانيا لهم من وظائف وأدوار سياسية لخدمة السياسة البريطانية، فكان اللافت للانتباه هو محاولة دخول أمريكا لأخذ الأردن من رأس النظام حيث اتصلت الدبلوماسية الأمريكية مع الملك عبد الله الأول، وفاوضته في عقد صفقة معه، خلاصتها أن يترك الملك عبد الله إنجلترا ويسير مع أمريكا، فوافق الملك عبد الله الأول على ذلك ثم أخذ يعمل على تحقيق مشروع أمريكا والنفوذ الجديد حيث ذهب إلى العراق، وهناك اجتمع بعبد الإله ونوري السعيد، وفاتحهم في الموضوع، وطلب منهم السير معه، فما كان منهم إلا أن اتصلوا بالسفير البريطاني في بغداد، وأطلعوه على مشاريع الملك عبد الله، فمنعهم الإنجليز من السير معه؛ وأرسل الملك عبد الله لرياض الصلح ليسير معه ويعاونه في المشروع، فقبل رياض الصلح ذلك، والظاهر أنه كان تحول مع أمريكا، فبادر الإنجليز بقتل رياض الصلح في عمان، وهو في طريقه إلى المطار عائدا إلى بيروت، ثم بعد أسبوع واحد قُتِل الملك عبد الله في القدس في المسجد الأقصى، نتيجة لمؤامرة مكشوفة دبرها كلوب لقتله، وكان قد حذره السفير الأمريكي صراحة من المؤامرات عليه من الإنجليز ومن السفر قبل يوم واحد من قتله لكنه سافر وقتل كما دبر الإنجليز، فباء مشروع أمريكا بالإخفاق، ثم تولى الحكم ابنه طلال الذي مد يده لأمريكا، ولكن النفوذ السياسي للإنجليز كان صلبا من خلال وجودهم أنفسهم في الحكم فمثلا كانت قيادة الجيش لكلوب باشا وتوزع دور الضباط الإنجليز سواء في الجيش أو الديوان أو المناصب العليا الحساسة هذا غير وجود جيش من العملاء لهم، لذا لم يتمكن طلال من الاستمرار في الحكم ومن تحقيق الانتقال السياسي والدخول ضمن دائرة النفوذ الأمريكي، حيث دبرت له بريطانيا مسرحية إقالته بحجة المرض وعبر مسرحية دستورية عبر عملائها، وكانت هي من صاغ الدستور حقيقة تحت مسمى شكل صوري لصياغة الدستور من أبناء الأردن، لذلك لم تستطع أمريكا الولوج إلى الساحة الأردنية بسبب قوة القاعدة والأرضية للإنجليز وخاصة بعد تولي الملك حسين الحكم والذي انتقل من دور الدفاع إلى دور الهجوم على عملاء أمريكا ثم الدخول معهم في صراع سياسي عنيف كما مر سابقا من خلال الصراع مع مصر عبد الناصر ثم سوريا الأسد، ثم كانت فترة الهدوء التي كانت فيها بعض الهجمات والهجمات المرتدة بين الأدوات حتى أواخر الثمانينات وبداية حقبة التسعينات والتي أعادت الأردن إلى جدول الاهتمام الأمريكي بسبب عاملين أساسيين هما:
1- اضطراب الوضع الداخلي والأزمات الاقتصادية.
2- وجود المحافظين في أمريكا الذين أخذوا على عاتقهم تصفية النفوذ الإنجليزي من المنطقة، وكانت البداية التخلص من صدام حسين في العراق والذي كان يدركه الملك حسين من خلال سياسة أمريكا أنه هو بعد العراق. وسيأتي معنا إن شاء الله تفصيل هذا في الأعداد القادمة.
رأيك في الموضوع