في الذكري الأولى لإسقاط نظام الإنقاذ، اجتمعت قيادات مكونات السلطة الانتقالية مساء السبت ١١/٤/٢٠٢٠م، وهم (مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، وقوى الحرية والتغيير)، حيث ناقشوا ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية، وما لم ينجز، واتفقت الأطراف الثلاثة على ضرورة تعزيز الثقة بين مكونات السلطة الانتقالية، وعملها بشكل جماعي، من أجل استكمال مهام الثورة، ووقف الأزمات التي تعصف بالبلاد، والمهددات التي تواجهها، ووضعت محاور؛ منها قضية السلام، والأزمة الاقتصادية...الخ
والسؤال الذي يفرض نفسه هو، هل تحقق شيء أصلاً خلال الفترة الماضية، أم أن الأمور ازدادت سوءاً وتعقيداً؟ إن أول فشل للحكومة الانتقالية يكمن في موضوع القيادة نفسها؟ فالقيادة الجماعية فاشلة عقلا وشرعاً، فصورة الحكم غير واضحة عند أهل السودان، من الذي يدير البلد من هذه الأطراف الثلاثة؟ ومن هو رئيس الدولة الذي يصدر القرارات؟ ففي الحقيقة لا يوجد صاحب قرار، والمتحكم في الأمر غير موجود، لا رئيس الوزراء، ولا المجلس السيادي، فكل واحد منهم ليس لديه سلطان بين يديه، وخير مثال عندما ذهب الفريق أول البرهان والتقى مع نتنياهو في أوغندا في آذار/مارس 2020م، قال رئيس الوزراء حينها إنه ليس لديه علم باللقاء! أما البرهان فقال في تصريح نقلته صحف الخرطوم بعنوان عريض عن أن اللقاء تم بترتيب أمريكي! فأين السلطان هنا؟! ألم يكن الرجلان هما من يدعيان أنهما يحكمان البلد؟ فكون كل طرف من شركاء السلطة يجتهد في عرقلة الطرف الآخر، وإفشال أعماله، من هذا الباب جاء البيان لتلطيف الأجواء، وإعادة الثقة المهزوزة بين هذه المكونات، بدأ تداول الحديث عن انقلاب عسكري وشيك للانقضاض على السلطة، صرح بذلك الفريق صلاح عبد الخالق عضو المجلس العسكري المحلول في حوار له مع صحيفة المجهر السياسي، حيث قال: (إن الأوضاع الجارية تتطلب ضباطا مغامرين من المؤسسة العسكرية بإجراء انقلاب وإقامة انتخابات عاجلة وقيادة البلد من قبل كفاءات غير حزبية...) وأشار الرجل للتدخل الخارجي في شأن السودان... هذا الحوار سرى كالنار في الهشيم على كتلة الحرية والتغيير، وكانت بالونة اختبار، وكذلك التكهنات عن عودة مدير الأمن السابق صلاح قوش ودوره في التغيير، حيث خرجت قيادات لقوى الحرية والتغيير أكدت ذلك. (تقرير الجزيرة السبت ١١/٤/٢٠٢٠).
أيضا من الأمور المقلقة لـ(قحت) فقدان الشارع الثقة بينهم وبين الثوار، وهذا كان أهم عنصر لعملاء أوروبا في السودان الذي قلب الطاولة على العسكر عملاء أمريكا، عندما يخرج الشاب (شوتايم) من يوصف بأيقونة الثورة والدينمو الإعلامي للحرية والتغيير، الذي ظل يكافح وينافح ويغطي الأحداث، كبيرها وصغيرها، ويضلل الشباب، ويرسم لهم صورة ذهنية مشرقة لـ(قحت)، ثم يخرج إلى العلن ليكشف زيف وكذب وخيانة (قحت)، ومحاولات اغتياله أكثر من مرة، وأمثاله كثر من نشطاء الميديا، الذين كان لهم دور بارز في تعبئة الشباب آنذاك. هذه الأمور توضح قرب نهاية الحكومة الانتقالية، وتكشف عن حقيقة الحكام، والوسط السياسي المنتفع وخيانتهم للشباب الثائر، وسرقة الثورة. والآن بعد اتضاح الأمور وانجلائها، جاؤوا من جديد ليحوكوا وينسجوا دسائس جديدة تطيل أمد حكمهم الجبري.
أما فيما يتعلق بتكوينهم لجنة اقتصادية للطوارئ، فهذه بدعة من بدع النظام الرأسمالي الفاشل، الذي يقوم على الترقيعات، وهو عاجز عن إيجاد حلول جذرية، اتضح فشل الحكومة لافتقادهم برنامجاً اقتصادياً واضح المعالم، ينتشل السودان من الهاوية الاقتصادية، بل سار على طريق الوقوع السريع، وذلك لفقدان العملة المحلية قيمتها أمام العملات الأخرى، مرورا بالفشل الذريع في إدارة موارد الدولة؛ من معادن وثروات وأراضي زراعية، فهذه الحكومة هي من بطانة الغرب الكافر تكرس للظلم وتقوم بجباية الأموال، لا رعاية الشؤون! إن هذا النظام كسابقه، هو رأسمالي متوحش، وهو أس البلاء.
وكذلك من ضمن مخرجات البيان الضعيف، مناقشة قضية السلام، وضرورة حسمه، فالسلام هو حصان طروادة لمزيد من التفتيت والتمزيق للبلد تحت هذا المسمى، وليس عنا ببعيد، حكومة الإنقاذ عندما فصلت جنوب السودان باسم السلام، والآن مسارات التفاوض تهيئ لانفصال جديد، وما مطالبة الحركة الشعبية قطاع الشمال الأخيرة إلا دليل على ذلك بإثارة قضية العلمانية أو تقرير المصير على طاولة المفاوضات.
هذه الحكومة الانتقالية تقود البلد إلى مصير مجهول، فقبل أن يقع الفأس في الرأس نقول للشباب: الحذر ثم الحذر من الوقوع في الفخ لما يشاع من انقلاب، ودعوات لانتخابات مبكرة، وفكرة حكومة كفاءات! فهذه هي الأسطوانة القديمة نفسها، تطلق الآن، فالحذر الحذر، فإن واجب التغيير الحقيقي لا يكون إلا بانحياز فئة مخلصة من الضباط في الجيش باستلام السلطة وإرجاعها للأمة لتختار رجلاً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهناك حزب التحرير؛ النذير العريان، وربان سفينة التغيير الحقيقي على أساس الإسلام العظيم، فاعملوا معه وانصروه، فهو يحمل لكم خيري الدنيا والآخرة؛ مشروع الخلافة العظيم، وقد أعد الحزب له دستوراً مفصلاً في الحكم والاقتصاد والسياسة وغيرها من شؤون الحياة، يستطيع أن يخرج البلد، بل والعالم بأسره، من الدرك الأسفل إلى الحياة الكريمة بإذن الله. ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد السلام إسحاق
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع