أعلنت وزارة العدل السودانية الخميس 13 شباط/فبراير 2020م أنها وقعت اتفاقا في واشنطن مع أسر ضحايا تفجير المدمرة كول التي تعرضت لهجوم قبالة ميناء عدن اليمني عام 2000، وأكدت الوزارة في بيان وزعته على وسائل الإعلام أن الاتفاق تم توقيعه في 7 شباط/فبراير الحالي، دون أن تذكر مبلغ التسوية، ولم يتضح المبلغ الذي وافقت الخرطوم على دفعه لعائلات الضحايا، مشيرة إلى أن الاتفاق من سعي الحكومة الانتقالية لشطب اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة لـ"الدول الراعية للإرهاب". وأضاف البيان أنها "دخلت في هذه التسوية بغرض استيفاء الشروط التي وضعتها أمريكا لحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".
وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 انفجر زورق مفخخ بالمتفجرات في المدمرة كول فقتل جراء التفجير 17 بحارا أمريكيا إضافة إلى اثنين من المهاجمين، واتهمت واشنطن الخرطوم بالضلوع في الانفجار وهو ما كانت تنفيه الخرطوم.
وفي عام 1993 وضعت واشنطن السودان على "قائمة الدول الراعية للإرهاب" لصلته المفترضة بجماعات إسلامية. وقد أقام أسامة بن لادن رحمه الله في السودان في الفترة من 1992 إلى 1996. وأصدر قاض أمريكي في عام 2012 حكما في مواجهة السودان بدفع مبلغ 300 مليون دولار لأسر ضحايا المدمرة. لكن في آذار/مارس 2019 ألغت المحكمة العليا الأمريكية قرار المحكمة الدنيا. ولم تقدم وزارة العدل السودانية أية تفاصيل حول اتفاقية التسوية والأساس الذي بنيت عليه. ووضعت الحكومة الجديدة في السودان في أعلى سلم أولوياتها التفاوض مع واشنطن للخروج من القائمة.
والشاهد في الأمر أن حكام السودان لا يدركون من هو العدو ومن هو الصديق؟ وكذلك لا يتعظون بغيرهم من الحكام الذين نصبت لهم أمريكا شراكاً فوقعوا في براثنها، أمثال طاغية ليبيا القذافي ومسلسل لوكربي الذي أذلت به أمريكا القذافي في حلقات طويلة في سلسلة من مطلوبات، كلما نفذ مطلباً، طالبوه بآخر وهكذا دواليك!! وكذلك هؤلاء الحكام ينطبق عليهم قول الله تعالى﴿لهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾. وهذا ناتج من شيئين اثنين:
أولهما: إن هؤلاء الحكام لا يبنون وجهة نظرهم ونظرتهم للأمور على عقيدة الإسلام، التي تجعل المسلم ينظر لوجوده في الحياة على أساس ما يرضي الله سبحانه وتعالى ومقياسه ما أحله الله وما حرمه، فيجعل الإسلام نصب عينيه، ومرضاة الله أسمى غاياته، جاعلا منها قضية مصيرية معلِّقا وجوده في الحياة وقفاً عليها، هكذا يكون المؤمن الحق الذي ينظر للعالم بعين بصيرة، عين ترى بنور الله، فتدرك حقيقة ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ فلم ترض أمريكا عن البشير الذي قدم لها القرابين، وتنازل حتى عن شعارات الإسلام، فطلبت منه المزيد، ففصل الجنوب، ثم طلبت منه المزيد... وأخيراً دفعت به إلى مزبلة التاريخ!
وثانياَ: إن من أبناء المسلمين من تربى في كنف الرأسمالية ونهل من حضارتها وانبهر بها، فلا يرى إلا من منظورها، ولا يعرف سواها من نظم، فهو مهزوم بأنظمتها ومنهزم في ذاته لعدم إدراكه من هو، فهذا قد يتنكر لهويته فيصبح من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم من حيث يدري، فهو يأتمر بأمر أعدائه وينفذ إملاءاتهم ويستن بسننهم، ظاناً أن هذا هو التطور والرقي، مؤمناً بما يسمى منظومة الأمم المتحدة والشرعة الدولية التي تناقض شرعة رب العالمين، جاعلا من أمريكا القدوة والأسوة الحسنة وما تطلبه واجب التنفيذ وهو الذي يأتي منه الخير، فهذا لعمري يجلب الخزي والعار والانتحار له ولشعبه، ﴿إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾. فعندما لم يأخذ هؤلاء الحكام ما عند الله ونبذوه وراء ظهورهم خسروا مهابتهم التي كانت في قلوب أعدائهم منهم مصداقاً لقوله e: «وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ» فصاروا عبيداً لغير الله سبحانه وتعالى.
وإني لأسأل هل بقيت لأمتنا مهابة في قلوب أية أمة من أمم الأرض فلا أجد. وأذكر قوله e «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» وقوله «وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» فبدل أن تكون (كول) وغيرها وأمريكا وأموالها غنيمة للمسلمين أصبح حكامنا يُتهمون فيدفعون المال للأعداء وهم صاغرون، يا للعجب! أرى ما عليه المسلمون، فأكاد أتميز من الغيظ على كل مسلم لا يعمل للتغيير ويرضى بعيش الوتد والعير.
فحكامنا ليست لهم سيادة، ولا إرادة، والذي يمارس إرادته على الأمة هم الكفار، فحكامنا عبيد، لا يملكون من قرارهم شيئاً على الإطلاق ويأتمرون بأوامر أسيادهم الكفار، وهذا لا يحتاج إلى دليل، لأنهم صاروا يجاهرون بذلك دون حياء ولا خجل!
سأضرب مثالاً من تاريخنا على القرار المستقل: فقد ذكر الزمخشري أن "معاوية رضي الله عنه بلغه أن صاحب الروم يريد أن يغزو بلاد الشام أيام فتنة صفين فكتب إليه: يحلف بالله لئن تممت على ما بلغني من عزمك لأصالحن صاحبي ولأكونن مقدمته إليك فلأجعلن القسطنطينية النجراء حمما سوداء، ولأنتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة، ولأردّنك إريساً من الأرارسة ترعى الدوابل". فالأصل أن يكون رد الحكومة في السودان على ترامب مثل هذا الرد البطولي الذي سجله التاريخ بحروف من ذهب، ولكن أين الرجال الذي يفعلون هذا؟!
فيا حمدوك وغيره من حكام المسلمين: ماذا يضيركم لو وضعتكم أمريكا في قائمة إرهابها، لو كنتم متمسكين بدينكم متوكلين على ربكم ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ فمن كان الله معه فمن عليه؟ ومن كان الله عليه فمن معه؟
فنقول لكم إن التغيير آت والأمة راجعة إلى ربها عائدة إلى دينها عاملة لإعادة الخلافة على منهاج النبوة، فهذا وعد من الله سبحانه وبشرى رسوله e، فهي كائنة بإذن الله حتى إذا لم تكن إلا الأسنّةُ مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها، ونعود خير أمة أخرجت للناس وسنطبب المريض بدوائنا، ونؤمّن الخائف في رحابنا، وسنتلو على الدنيا كتاب جهادنا، صُمّت أذن الدنيا إن لم تسمع لنا.
بقلم: الأستاذ سليمان الدسيس (أبو عابد)
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع