لم يكد مداد أقلام الرائد الذي لا يكذب أهله يجف، مشخصاً ما يخفيه حكام أمريكا، من تهافتهم المقنّع بوشاح من الغطرسة المخادعة في مواجهة ثورات الأمة المتواصلة، حتى تبدت فصول جديدة من غطرسة وتهافت رأس العلمانية أمريكا.
فقبل أيام كشف الأستاذ بلال المهاجر من شباب حزب التحرير في ولاية باكستان كم أن "أمريكا مستنفرة وستزداد حيرة في الأيام القادمة"؛ وبين كيف أن أمريكا قد بدت عاجزة عن إخماد الثورات، حتى إنها حين وصلت الثورات لأكثر البلاد التي لم تكن تخطر ببال أمريكا وعملائها أن تصل إليها، لبنان والعراق وإيران، ازدادت حيرة أمريكا وتأكد عجزها عن إدارة الأزمة، وما كان بيدها إلا استنفار كل طاقاتها السياسية بجولات مسئوليها المكوكية، والعسكرية ومنها إرسالها حاملة الطائرات "جون ستينيس" للخليج العربي بعد غياب طويل، حتى تحول الخليج العربي إلى قاعدة عسكرية، ولم يتبق إلا نقل مقر البنتاغون للمنطقة؛ ما يشي بمقدار خشيتها من انفلات الوضع في المنطقة عن سيطرتها.
وأشار الأستاذ بلال المهاجر، في مقاله الذي كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير، أن جولة نائب الرئيس الأمريكي التفقديّة في أطراف الإمبراطوريّة، والتي فاجأ بها واليهم في بغداد، فاقتصرت الزيارة على إقليم كردستان واللقاء مع بعض النواطير والخدمِ فيه؛ ما كانت إلا رسالة ذات مغازٍ عديدة، ومن أبرزها ما حاولت أمريكا ستره من مخاوفها بوشاح من غطرستها، ولكن كيف ينطلي الخداع على المتابع لتطورات أحداث ثورات الأمة المتصاعدة، خاصة وأن أوضاع ترامب الداخلية من ناحية وأوضاع أمريكا ذاتها من ناحية أخرى، ليست في أفضل أحوالها، فإجراءات الكونغرس تتسارع تمهيداً في اتجاه عزل ترامب، وأحكام المحكمة الفيدرالية - والتي كان أحدثها صباح اليوم الأربعاء - تطارد موظفي البيت الأبيض كي يدلوا بشهاداتهم في القضية، فضلاً عما يعانيه الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى الصدع الذي يتسع في البنيان المجتمعي الأمريكي.
في ظل ما تقدم من أحداث، تنهال على رأس أمريكا حد الأزمة، تتسارع جهود أمريكا؛ على الرغم من أنها سنة ولاية الرئيس الأخيرة، والتي يسميها السياسيون "البطة العرجاء" لما تتسم به عادة من تباطؤ في السياسة الخارجية استعداداً للانتخابات التالية، فخلافا لما هو معهود عن أمريكا من بطء حد العرج في مثل هذا التوقيت، تكشفت الأنباء عن اجتماع مسؤولين أمريكيين بحفتر، يوم الأحد، تحت ستار خشية استغلال روسيا للصراع في ليبيا، تبعه اجتماع السفير الأمريكي في ليبيا بالسراج لبحث وقف الأعمال القتالية والوصول لحل سياسي، معلناً أن اللقاء يأتي في ضوء تصاعد التدخل الروسي في ليبيا.. وكأن التدخل الروسي بقطعه البحرية قبل سنة، ومليشياته المقاتلة في جانب عميل أمريكا حفتر منها ببعيد. الأمر الذي يفضح المناورة الأمريكية للتستر بما أسمته "استغلال روسيا للصراع في ليبيا"؛ بل هو السعي الحثيث منها ومحاولة تدارك فشل جهودها حتى اللحظة في الاستحواذ على ليبيا بحفترها ومليشياته ومليشيات "فاغنر" ومرتزقة السيسي والبلاك ووتر، من أيدي عملاء الإنجليز في طرابلس.
ثم وفي فصل ثان من الغطرسة المقيتة التي لم تجد من يجابهها ممن وجهت لهم؛ خرج وزير خارجية أمريكا على وزراء خارجية حكام العرب بتغريدة محتدة، بعيدة عن لغة الرصانة "الدبلوماسية"، فزجرهم بها عبر "تويتر" أن يتناسوا أدوارهم في سدانة معبد التبعية ورسم لهم خطة التطبيع مع كيان يهود في قادم أيام عمالتهم وإلاّ... فإنها المخاطرة بحياتهم!
فكتب بومبيو وزير خارجية أمريكا بالحرف الواحد: (إن الوقت قد حان "للدول العربية" للتخلي عن المقاطعة والعمل مع (إسرائيل). الانقسامات في الشرق الأوسط = عدم الاستقرار. لا ينبغي أن يواجه المفكرون العرب الذين يخاطرون بحياتهم للدفاع عن رؤية إقليمية للسلام والتعايش بشجاعة الانتقام. نحن بحاجة إلى الحوار).
فهل سيسع حراس معبد التبعية الأنذال - أخزاهم الله تعالى - غير مزيد من خزي الركوع والخضوع، وليتهم يعتبرون بمن سبقهم وفاقهم عمالة ثم تخلصت منهم أمريكا حين استنفدت أغراضها منهم وانتهت صلاحيتهم، ألا ليتهم يستفيقون من غفوتهم، فإنهم مهما استخذوا وركعوا فلن يكترث المستعمر لأي رويبضة على كرسي التبعية ﻻ يمسك بتلابيب الحكم بغير ما أنزل الله، لكنه الحراك والوعي المتنامي في الأمة، للغرب وعملائه، بالمرصاد ولن تنام أمة الإسلام على ضيم وفيها الرجال الرجال.
وختاماً، يظل الحديث عن النصرة وانتزاع السلطان انتزاعا من خلال أهل القوة والمنعة، جيوش الإسلام والمسلمين وجنده، يظل هو الحديث والشعار الذي يجب ألا يغيب لحظة عن حناجر الثائرين وحملة دعوة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
فيا أيها المخلصون في جيوش المسلمين:
نعيد تذكيركم بما قرعنا به مسامعكم قبيل تخلي أمريكا عن عميلها البشير واتقت بطرحه تحت الأقدام غضبة الثوار والتفّت على ثورتهم. إن أمريكا هي دولة استعمارية ومحاربة فعلاً، وإن المتغطي بها عريان، حقيقة لا مراء فيها، لذا وجب على الأمة أن تقوم بالعمل الجاد من أجل التغيير الحقيقي، الذي هو وعد من الله، وفرض على الأمة، وواجب عليها، وذلك باقتلاع نفوذ الاستعمار من بلادنا، وإقامة حكم الله تعالى على عباده؛ بإعلانها خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ خلافة كخلافة الراشدين رضي الله عنهم من أصحاب النبي e، خلافة ترفع رايات الإسلام، وتنصر المظلومين، وتحاسب الظالمين. وأنتم أيها المخلصون في جيوش الأمة، ترس الأمة ودرعها وحامل راية حربها وسنانها. أنتم قوة الأمة وأنصار الإسلام، وبالإسلام ثم بالأمة تنتصرون على عدوها الذي هو عدوكم. وهذا هو المخرج ولا مخرج سواه، فأعدوا للأمر عدته، وضعوا الأمر في نصابه، واللهُ ناصر عباده المخلصين، فهو سبحانه وتعالى الذي وعد عباده بالاستخلاف والتمكين في الأرض. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ طاهر عبد الرحمن – ولاية مصر
رأيك في الموضوع