فما بين أمريكا وإيران الملالي من الوشائج والصلات أكبر بكثير من أن يُفسده ساسة صغار مُدللون لدى الأمريكان كنتنياهو، وحتى في أشد الحملات الأمريكية (اللفظية) ضد إيران وطئاً في العلن، كانت العلاقات الحميمية بينهما تتم بالسر من دون أية منغصات.
فمن تحييد جيش الشاه أثناء الثورة الإيرانية على يد القائد الأمريكي هويزر، والذي مكّن آية الله الخميني من السلطة، إلى قصة احتجاز الطلبة الإيرانيين للأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران، مروراً بتمثيلية الإنقاذ الأمريكية الفاشلة لهم، إلى صفقة الكونترا غيت (الفضيحة) التي تم بواسطتها تزويد إيران بالأسلحة، إلى غير ذلك من سيناريوهات أمريكية (هوليودية) ضد إيران ساهمت جميعها في تقوية إيران وليس بإضعافها، ومكّنتها من لعب دور إقليمي بارز في الخليج، وحوّلتها من ثمّ إلى فزّاعة ضد دول الخليج (المحميات البريطانية) لجعلها ترتمي في أحضان الحماية الأمريكية.
ومن دعابات تلك العلاقات بين أمريكا وإيران في العام 2008 أنّه وبينما كانت أمريكا تعتبر إيران مع كوريا الشمالية من الدول الحاضنة للإرهاب، وتعتبرها من دول محور الشر التي تُهدّد السلم العالمي بأسره!، كانت العلاقات الطبيعية تجري بينهما على أحسن ما يُرام، فاستوردت إيران في ذلك العام مليون طن من القمح الأمريكي، إضافة إلى استيرادها للأدوية الأمريكية، في حين كانت أمريكا تشتري من إيران السجاد الإيراني الفاخر والفستق.
فالسياسة الخارجية للدول لا تؤخذ من تصريحات الزعماء والساسة وحسب، وإنّما تؤخذ من الأعمال السياسية والمواقف السياسية إضافة إلى التصريحات، فغزو أمريكا لأفغانستان والعراق ما كان ليقع ابتداء لولا مساعدة إيران وتعاونها مع أمريكا، وقد أكّد ذلك رفسنجاني وغيره من الساسة الإيرانيين بتصريحات كثيرة موثقة.
ومن ناحية واقعية نجد على الأرض اليوم تناغماً واضحاً بين مصالح الدولتين، فالكل يُلاحظ وبوضوح تام الدعم المتواصل من قبل الأمريكيين والإيرانيين للدولة العراقية الطائفية منذ اثني عشر عاماً، وهذا وحده دليل كاف يؤكد على وحدة الأهداف والمصالح بينهما.
كما يُلاحظ الجميع مدى تكامل السياسات الأمريكية والإيرانية في سوريا وذلك من خلال دعم إيران اللامحدود للطاغية بشار الأسد، ومن خلال عدم جدية أمريكا - في زعمها - بإسقاطه، بل يُلاحظ الجميع كيف أنّ أمريكا دائماً تمنحه الشرعية القانونية من خلال المبعوثين الدوليين، فتُغطي على جرائمه، وتتستر على مجازره، ولو كانت استخداما للأسلحة الكيميائية، أو كانت إلقاءً للبراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين الأبرياء.
وعندما سُئل وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيجل عن تقديم إدارة أوباما لتنازلات للإيرانيين أجاب: "إنّ ذلك سيُعزز الاستقرار في الشرق الأوسط ويجب أن نتعامل مع إيران كشريك في العراق وسوريا" وذلك وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.
وإنّه بالرغم من نفي وزارة الخارجية الأمريكية لما نقلته صحيفة التايمز البريطانية من أنّ مسؤولين إيرانيين يُجرون محادثات سرية مع مسؤولين أمريكيين بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، بالرغم من هذا النفي إلا أنّ معظم الدلائل على الأرض تُشير إلى واقعية تلك المحادثات لدرجة أنّ خامنئي نفسه يُمهد لها فهو قد صرّح أكثر من مرة بأنّه لا يُعارض إجراء محادثات مباشرة مع أمريكا ولا يُمانع في إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وعن دور قاسم سليماني في التنسيق مع الأمريكيين نقلت ال bbc في 7/3/2015 تحت عنوان (قاسم سليماني النجم الإيراني الصاعد): "قد تكون إيران والولايات المتحدة في حالة عداء مستحكمة على المستوى الأيديولوجي، لكن العمليات العسكرية الموسعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق دفعت إلى التعاون غير المباشر بين البلدين، وهو الطريق الذي سار فيه الجنرال قاسم سليماني من قبل.
ففي عام 2001، قدّمت إيران معلومات استخباراتية إلى الولايات المتحدة لدعم عملياتها للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان، وفي عام 2007 أرسلت واشنطن وطهران مندوبين إلى بغداد لإجراء محادثات مباشرة بشأن تدهور الوضع الأمني هناك".
وفي مقابلة مع بي بي سي فارسي منذ عامين: "دعا السفير الأمريكي لدى العراق، ريان كروكر، إلى الاستعانة مجددا بالدور غير المباشر الذي لعبه الجنرال سليماني في محادثات بغداد".
وقال كروكر: "اكتشفت أنني كلما قلت شيئا للمندوبين الإيرانيين لم يكن مشارا إليه في النقاط التي يحملها، كان عادة ما يطلب الاتصال بطهران للاستشارة. لقد كان يخضع لرقابة شديدة. وكان في الطرف الآخر من المحادثة الجنرال قاسم سليماني".
وقال لبي بي سي: "أوضح مندوبو إيران الذين اجتمعوا معي أنه مع إبلاغ وزارة الخارجية بمجريات المحادثات، يظل القرار النهائي في النهاية للجنرال سليماني".
وقالت الغارديان في 7/3/2015: "تقوم استراتيجية باراك أوباما على تجنب أي شيء يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري المباشر، وهو ما يؤدي للاعتماد الفعلي على إيران. وبدا الاعتماد واضحًا في آب/أغسطس، عندما قامت الطائرات الأمريكية بتقديم غطاء جوي لدعم قوات الحرس الثوري الإيراني، التي كانت تحاصر بلدة إيمرلي، وتقوم إيران اليوم بمساعدة الحكومة العراقية على حماية خطوط القتال، ووقف تقدم مقاتلي تنظيم الدولة، فيما يقوم المستشارون الأمريكيون بتدريب القوات العراقية".
تلكم هي العلاقات الحقيقية بين أمريكا وإيران، وهي علاقات ترمي إلى إخضاع منطقة الشرق الأوسط برمتها بشكل كامل للنفوذ الأمريكي، وما كان تزايد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن ليحصل لولا موافقة أمريكا، وما أوردناه من أمثلة وأدلة هو مجرد غيض من فيض على ذلك والمخفي أعظم.
رأيك في الموضوع