بعد أن تحدثنا عن دخول سوريا الصراع ضد النفوذ الإنجليزي كأداة للصراع بيد الولايات المتحدة بعد ضعف مصر السادات نذكر ما ورد في كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير في هذا الأمر:
"...ولم يبق للإنجليز إلا الأردن. وكان عبد الناصر يلاحقها في الأردن، فكانت على وشك التصفية من المنطقة كلها، إلا أن إنجلترا لم تيأس، وأخذت تعمل من قاعدتها: الأردن. وما أن جاءت سنة 1961م حتى صار لها قوى تعمل في سوريا، وتجمعت جميع القوى السياسية، وحزب الشعب، والحزب الوطني، وحزب البعث، أو (حزبا البعث والعربي الاشتراكي)، تجمعت كلها ضد عبد الناصر، وضد الوحدة، فحصل انفصال سوريا عن مصر، وعاد عملاء الإنجليز للسيطرة على الحكم. إلا أن أمريكا قلبت عبد الكريم قاسم عن الحكم في العراق بعد أن ترك العمالة لها، وسار مع الشيوعيين، فوُجِد في العراق حكم أمريكي يتولاه حزب البعث، وصار يعمل لتغيير الأوضاع في سوريا والأردن لضمهما إلى العراق، فخافت إنجلترا من ذلك، فقام عملاؤها في دمشق بانقلاب مفتعل، وجعلوا حزب البعث ستارة للحكم. إلا أنه في العام 1971م بعد أن ذهب حافظ أسد إلى مصر ودخل في الاتحاد الرباعي رجع من مصر إلى سوريا على غير الوجه الذي ذهب به، فقد أُقنِع هناك أنه بإمكانه أن يصبح رئيساً للجمهورية العربية السورية على رغم علويته النصيرية. وبدا آنذاك أن أمريكا كانت وراء ذلك، وأنها ستسانده ما دام يسير معها، كما أن مصر ستجعل جماعتها هناك تؤيده، وأن مصر، ومن ورائها أمريكا، سيعملون على إزالة العائق أمام تنصيبه رئيساً للجمهورية لكونه علوياً، والناس في سوريا لا يقبلون علوياً لرئاستهم بل مسلماً. وهكذا هيّأت أمريكا له الأمر، وذلّلت له الصعاب، بعد أن وافق على السير معها. وبُدئ بالسير في تنفيذ ذلك. فأخذ يعمل تدريجياً ليكون رئيساً للجمهورية، فقام بزيارة الشمال، ثم قام بالاتصالات الشعبية. ولما رأى أن الشعب يسير مع الحاكم، وأن لا معارضة ظاهرة له، أقدم على العمل لذلك عملياً، فتم ترشيح حافظ أسد لرئاسة الجمهورية العربية السورية، وعُيِّن يوم 12/3/1971م موعدا للاستفتاء، ثم أصبح حافظ أسد رئيساً للجمهورية السورية، ووقعت سوريا في براثن أمريكا من جديد، وهي لا زالت إلى اليوم...
... فإن الأردن ظل تحت سيطرة الإنجليز... ولذلك لم تجد أمريكا في الشعب في الأردن التربة الخصبة التي وجدتها في سوريا، فلم يحصل في الأردن أي عمل سياسي يظهر فيه الصراع الدولي، اللهم إلا المظاهرات التي حصلت ضد حلف بغداد، ومحاولة الانقلاب المفتعلة من الملك حسين سنة 1957م، التي افتعلها ليطرد بها بعض عملاء عبد الناصر من البلاد. ومن هنا لا يعتبر الأردن أنه قد حصلت فيه أعمال سـياسـية هامة تتعلق بالصراع، وإن كان من أعظم الأمكنة التي يجري عليها الصراع بين أمريكا وإنجلترا، لما فيه من الثروة المذهلة في باطن الأرض وتحت المياه".
وسيكون لنا وقفة بإذن الله مع ما ورد في الكتاب أن الأردن لم يحصل فيه صراع دولي وإن كان من أعظم الأمكنة التي يجري عليها الصراع.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع