ما زال الحَراك في لبنان مستمراً، ولا سيما في الساحات الأساسية في بيروت وطرابلس، وبشكلٍ أقل في مدينة صيدا. بشكلٍ عام بات الحراك يزداد زخمه أو ينقص وفق الأحداث، وخاصة تصريحات السياسيين، وتصرفات أزلام السلطة، المتمثلة خصوصاً في حزب إيران في لبنان، وحركة أمل، وتيار رئيس الجمهورية، التيار الوطني الحر، إضافةً إلى تأثير عامل حال الناس الذين هم وقود الحراك، ولا سيما الشباب منهم، الذين يعيشون في حالة بطالة تصل إلى 25%، وأوصلتها بعض التقارير لمليون عاطل عن العمل من أهل لبنان، إضافة إلى البطالة المقنعة التي تتمثل بالذين يعملون بقوت يومهم ولا يكادون يجدونه.
دولياً عقد اجتماع في فرنسا في 23/11/2019، شارك فيه مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد شينكر، ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني الكاق، إلى جانب الموفد الرئاسي الفرنسي كريستوف فارنو، والمسؤول عن الشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، والمسؤول الفرنسي عن متابعة تنفيذ مؤتمر "سيدر" بيار دوكان، ولم يرشح عنه أي شيء لافت للنظر، أو لم يتم التصريح للإعلام بفحوى الاجتماع.
لكن مع تنامي الأخبار بوصول الموفد البريطاني، المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور إلى لبنان في 26/11/2019، والذي أتت زيارته بعد نحو أسبوعين على زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، موفداً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومع ملاحظة أن كلاً من باريس ولندن أرسلتا موفدين لهما إلى لبنان في الآونة الأخيرة، في حين إنّ أمريكا لم توفد، خلافاً لعادتها، مساعد وزير خارجيتها ديفيد شينكر، مما قد يشير إلى عدم رضا أمريكا عن الطروحات الفرنسية البريطانية للحل؛ مع تنامي ذلك، فقد انعكس كله على الشارع وذلك بقيام أنصار التيار الوطني الحر أزلام السلطة التابعة لأمريكا، بالهجوم على تجمعات المنتفضين، على جسر الرينغ في وسط بيروت، وعلى تجمعهم في ساحة العلم في صور، وعلى ساحة النور في طرابلس، وعلى منطقة بكفيا، ربما لإثبات الوجود، وأنهم رقمٌ صعب في المعادلة التي أربك الحراك عناصرها. علماً أن لقاءات الموفد البريطاني شملت رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وقائد الجيش العماد جوزيف عون.
أما داخلياً على صعيد لبنان، فإن السلطة التي لا تأبه لصعوبة حال الناس، وربما تَعُدُّ نفسها نجحت بشكلٍ نسبي في إضعاف بعض الحراك، حين حصرته في الساحات، ومنعت قطع الطرقات، الذي كان يقطع أوصال البلد بل حتى تنقلات السياسيين والنواب...
هذه السلطة اللامبالية ما زالت تمارس التسويف، فلم تقم بمشاورات رسمية لتسمية رئيس الحكومة، وهذا يُعَدُّ مخالفةً قانونيةً لقانونهم الوضعي، إضافة لإلقاء أسماء لمرشحين لرئاسة الوزراء والذي بات من الواضح أنها لتضييع الوقت، بل إن السلطة تستخدم أدواتها من النقابات، التي هي جزء من منظومة الفساد، فيعلنون قطع تزويد المحروقات ليوم أو يومين، فيربك ذلك الناس والحراك، لما في ذلك من توقيف لكل البلد، ولا سيما نقل المواد الغذائية، التي باتت الشائعة الرائجة فيها أنها ستنقطع، وأن الناس يجب أن يخزنوا المواد لثلاثة أو أربعة أشهر. ثم يظهر اتفاق مفاجئ بين هذه النقابات ووزيرة الطاقة في السلطة المستقيلة ندى البستاني، وتعود المحروقات للسوق!
بل إن السلطة وأزلامها يهملون موضوع السوق السوداء للدولار في البلد، الذي وصل لحد 2200 ليرة لبنانية مقابل الدولار، ما أثر على غلاء السلع، وانتشار الاحتكار، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة بين أيدي الناس، ثم فجأة تروج الشائعات من السلطة وأزلامها ولا سيما حزب إيران في لبنان أن السعر سينخفض إلى 1600 ليرة لبنانية للدولار، فيندفع الناس لبيع الدولارات التي في أيديهم، لتعود منظومة الفساد من المصارف والبنوك والصرافين فتجمع الدولارات من أيدي الناس بقيمةٍ بخسةٍ، فما إن يذهب ذلك اليوم حتى يعود الدولار إلى حوالي 2000 ليرة لبنانية، لتكسب منظومة الفساد فرق الدولار دون رقيب أو حسيب.
كل ذلك مؤشراتٌ لتعامل السلطة وأزلامها، بموافقة من أسيادهم الأمريكان، مع الحراك؛ ترهيبٌ وتسويفٌ وضغطٌ على أقوات الناس وأرزاقهم، حتى تنضج الطبخة في مطبخ أمريكا وعملائها، التي لا يستبعد أنها تنتظر دخول موسم الشتاء والبرد والأمطار مما يضعف حتى الساحات الباقية والوجود فيها.
لكن المعول عليه، أن هذه الأمة التي انتشر فيها رأيٌ عامٌ بإزالة الطبقة الفاسدة من الجزائر، إلى العراق، إلى لبنان، المعول أن تتنبه إلى أنها تحتاج لقيادةٍ سياسية واعيةٍ مخلصةٍ، تحمل مشروعاً ذا معالم دستوريةٍ واضحةٍ، مما يجعلها تسير على هدى، فلا تضيع جهودها وتضحياتها سدى، وخاصةً مع تدخل الدول المستعمرة التي لا تريد لهذه الحراكات أن تسير في طريق مستقيم بعيداً عن التدخل والاستغلال، ومع حكامٍ وسلطاتٍ لها أجسام بشرٍ وقلوب شياطين ليس لها عملٌ إلا نهب الناس وخدمة أسيادها الدوليين.
بقلم: المهندس مجدي علي
رأيك في الموضوع